fbpx

حفظت القرآن لتتحرر من “داعش”… كيف الطريق إلى سنجار؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أكثر من عام على خطف العائلة تمكن مكتب الإنقاذ الخاص بالمختطفين الإيزيديين من إنقاذ إيمان وعائلتها عبر وسيط، لتصبح بعد ذلك نازحة في مخيم شاريا للنازحين من مدينة سنجار الذي يقطن فيه أكثر من 15 ألف شخص.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت إيمان عبدالله (المعروفة أيضاً بإيمان عباس) في الثالثة عشرة حين فتح تنظيم “داعش” أبواب الجحيم على شعبها. اتّسمت حياتها بالهدوء والبساطة قبل عام 2014 وهو العام الذي عدّ الأكثر سواداً على شعبها بعدما ارتكب التنظيم الإرهابي أبشع جرائم القتل والاغتصاب والتهجير بحقّهم. كانت تعيش مع أسرتها في مجمع تل القصب في قضاء سنجار، وكانت العائلة تملك دكاناً صغيراً لبيع المواد الغذائية. 

لم تكن ابتسامات إيمان قد تفتّحت بعد في ربيع عمرها، حين اختطفها مقاتلو “داعش” عام 2014 مع كثيرين. كانت واحدة من حوالى 6000 شخص كانوا ضحية عمليات الخطف والتهجير والاغتصاب والسبي، بحسب الأمم المتحدة. 

فُصلت إيمان بالقوة عن ذويها، وعُرضت لاحقاً كسلعة “بخسة” في سوق النخاسة الخاصّ بالسبايا لدى التنظيم. “اشتراني أول عنصر من عناصر داعش يحملُ الجنسية العراقية، كان يكنّى بأبي كرم، إلا أنه ملّ من بضاعته بسرعة”، كما تقول، و”أصبحتُ منتهية الصلاحية بالنسبة إليه”، لينتقل إلى غيرها لكن كان عليه أن يبيع إيمان أولاً، فاشتراها طبيب داعشي يحمل الجنسية العراقية أيضاً.

اهل إيمان كانوا يقيمون في مدينة تلعفر غرب الموصل وتم اجبارهم على اعتناق الإسلام وارغامهم على العمل في رعاية المواشي الخاصة بالتنظيم وبعد حصولها على وثيقة حريتها انتقلت للعيش مع عائلتها.

على رغم أن اللغة العربية ليست لغتها الأم وكانت ضعيفة فيها، إلا أن الطبيب الأربعيني عرض عليها “صفقة” مبادلة بين حريتها وحفظها القرآن. قال لها بوضوح: “احفظي القرآن وتأخذين حريتك”. كان الأمر أقرب إلى المستحيل. 

كانت تجلس أمامه كل مساء ليستمع الى ما حفظته من القرآن، فتتلو الآيات التي حفظتها أمامه واحتاجت إلى شهر وأربعة أيام لتصل إلى ما طلبه منها، وهو حفظ 101 صفحة من القرآن مقابل تعهّده بإطلاق سراحها. 

أخذها الطبيب العراقي إلى إحدى المحاكم في مدينة الموصل لإصدار وثيقة تثبت أن الفتاة الإيزيدية أصبحت امرأة مسلمة حرة وغير جائز بيعها كسبية مرة أخرى لأي شخص آخر.

اهل إيمان كانوا يقيمون في مدينة تلعفر غرب الموصل وتم اجبارهم على اعتناق الإسلام وارغامهم على العمل في رعاية المواشي الخاصة بالتنظيم وبعد حصولها على وثيقة حريتها انتقلت للعيش مع عائلتها.

بعد أكثر من عام على خطف العائلة تمكن مكتب الإنقاذ الخاص بالمختطفين الإيزيديين من إنقاذ إيمان وعائلتها عبر وسيط، لتصبح بعد ذلك نازحة في مخيم شاريا للنازحين من مدينة سنجار الذي يقطن فيه أكثر من 15 ألف شخص.

كان يوم تحريرها معجزة حقيقية بالنسبة إليها وإلى عائلتها أيضاً وكانوا فقدوا الأمل في النجاة لانعدام جميع الوسائل، وكذلك المراقبة الشديدة عليهم من قبل عناصر التنظيم.

وخلال المعارك التي أفضت إلى استعادة مناطق سيطرة التنظيم في العراق أواخر 2017، وبعدها بأشهر في سوريا، تمكن مئات الإيزيديين من الفرار من خاطفيهم، لكن مصير الآلاف من الذين فقدوا عام 2014 وما بعده، لا يزال مجهولاً إلى الآن، وفق مكتب الإنقاذ.

إقرأوا أيضاً:

ولم يكن أمام إيمان، بعد خلاصها من الأسر، إلا خيارين: البقاء في المنزل والانحدار إلى حالة نفسية صعبة أو العودة إلى مقاعد الدراسة. انتقت الخيار الثاني وكانت تعمل في العطل وأوقات الفراغ في مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين للمساعدة في إقناع المختطفات الايزيديات بالعودة إلى عائلاتهن لأن التنظيم الإرهابي كان أقنعهن بأن الإيزيديين سيقتلونهن في حال عودتهن إلى عائلاتهن.

كانت تشرح لهنّ أن هذا الأمر غير صحيح وان فتوى “بابا الشيخ” خرتو حاجي اسماعيل (رحل عام 2020) بقبول المختطفات الايزيديات كانت مفتاحاً لعودة الأغلبية منهن ودليلاً على أن ما كان يشيعه تنظيم “داعش” كان تهويلاً، لإخافة المختطفات الأخريات من العودة إلى مجتمعهن. وكانت فخورة بفترة عملها مع مكتب الإنقاذ لأنها كانت تساهم في مساعدة المختطفات، وكان ذلك يسعدها، لكنها كانت في الوقت ذاته حزينة لسماع قصصهن المؤلمة.

كانت إيمان عبدالله حاضرة عام 2019 في مدينة مومباي الهندية لاستلام جائزة الأم تيريزا نيابة عن مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين مرتديةً الزي الايزيدي خلال حفل الجائزة التي تمنح للعمل الإنساني وتم منحها لمكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين لعمله في إنقاذ وإعادة دمج الناجيات الايزيديات في المجتمع مرة أخرى.

في الحفل كانت تروي قصتها وقصص الناجيات الأخريات وهذا الأمر أبكى البعض، كما أن استلامها الجائزة نيابة عن المكتب، خفف عنها وجعاً، ابتسم  وجهها بعض الشيء، إنما زادت مسؤولياتها تجاه الناجيات الأخريات.

الشابة الايزيدية تهتم بشكل لافت باللغة الإنكليزية لأنها تهدف لتصبح محامية تدافع عن القضية الايزيدية دولياً، وبخاصة الناجيات الايزيديات والضحايا الآخرون من “داعش”، وتهدف الى الوصول إلى ما وصلت إليه الناشطة الايزيدية نادية مراد الحائزة جائزة نوبل للسلام عام 2018.

لم يكن أمام إيمان، بعد خلاصها من الأسر، إلا خيارين: البقاء في المنزل والانحدار إلى حالة نفسية صعبة أو العودة إلى مقاعد الدراسة.

قبل أقل من أسبوعين دخلت إيمان عامها العشرين وتعيش الآن برفقة عائلتها في منزل مستأجر من ثلاث غرف، في مجمع شاريا التابع لمحافظة دهوك ضمن إقليم كردستان شمال العراق، بعدما تهجّرت من مخيم شاريا حيث كانت تعيش مع عائلتها بعد الحريق الأخير الذي التهم 240 خيمة بسبب “تماس” كهربائي. 

وعلى رغم أن خيمة العائلة لم تحترق في الحريق الأخير، إلا أن الخوف من هذا المصير يؤرق إيمان، ولا ضمانات لعدم تكرار وقوع حوادث مأسوية مماثلة، ولم يعد الايزيديون قادرين على تحمّل المزيد من المآسي، فالصيف هنا، كما تقول إيمان، “يحمل مفاجآت كثيرة ولا نعلم ماذا يحمل لنا في المستقبل”.

لن تعود إيمان إلى سنجار في وقت قريب بسبب تعقيدات الوضع في المدينة، خصوصاً أن إعادة الإعمار لم تنفّذ بسبب خلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، فضلاً عن وجود جماعات مسلحة مختلفة الولاءات في سنجار بينها “الحشد الشعبي” والمقاتلون الايزيديون الموالون لـ”حزب العمال الكردستاني” إلى جانب الجيش العراقي والبيشمركة الذين تتقاطع توجهاتهم، وتثير مخاوف النازحين وتمنعهم من العودة.

لدى إيمان طموح في أن تدخل كلية الحقوق قريباً بعد أن تؤدي امتحانات البكالوريا في العراق لذلك تركت العمل في مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين للتفرغ للدراسة. تنكبّ على الكتب، لكنها تعاني من الحرّ والعتمة بسبب أزمة الكهرباء المترافقة مع صيف العراق اللاهب، لكن التي تحمّلت جحيم “داعش”، واستطاعت الخروج منه، لا تقلق في شأن قدرتها على تجاوز الصعوبات للنجاح في دراستها، والعمل مع أبناء شعبها على العودة إلى بيوتهم.

إقرأوا أيضاً: