fbpx

تحرير الدوائر الحكومية العراقية من الأحزاب:
مبادرة صادقة أم مناورة انتخابية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحرير دوائر حكومية عراقية من محاصصة الأحزاب المسيطرة. قرار جريئ لكن هل ينجح؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هي خطوة جريئة. لم يسبق أن أقدم عليها مسؤول عراقي من قبل. وهي خطوة تشكّل انقلاباً صريحاً على الأحزاب، وتصادماً مع منطق المحاصصة السياسية والطائفية، بمنطق الدولة. لكنها قد لا تكون إلا مناورة انتخابية. والأيام وحدها كفيلة بإظهار صدق النيات.

الخطوة الجريئة أقدم عليها مدير عام الصحة في محافظة ذي قار سعدي الماجد والذي تم تكليفه بإدارة المؤسسة الصحية بعد حادثة الحريق الذي لحق بمركز عزل الناصرية وراح ضحيته أكثر من 100 بين قتيل ومصاب. فاجأ الماجد الجميع بوثيقة رسمية تشير الى عزمه على انتزاع الصفة السياسية عن كل مسؤول داخل دائرته وأن يكون العمل خدمة للمواطن لا على أساس الميول الحزبية والانتماء السياسي، تحت طائلة إعفاء الموظفين المخالفين من مناصبهم. هي لغة جديدة تحدث بها المسؤول، لم تكن مألوفة من قبل في العراق. وجاءت ردود الأفعال عليها متفاوتة بين من شكك بقدرة المسؤول على تنفيذ ما يقوله، وبين من اعتبر أن هناك أمراً يدبّر من وراء هذه الخطوة، فيما شدّ كثيرون على يد الماجد الذي يقولون إنه يتمتع بمناقبية كبيرة، ويعوّلون عليه للإمساك بإحدى أهم المؤسسات الحكومية في مدينة الناصرية الأكثر سخونة في العراق والتي لم تهدأ منذ حراك تشرين 2019 وحتى الآن.

حملت الوثيقة الرسمية تحد واضح للأحزاب والكتل السياسية في الناصرية والبرلمان العراقي  وهو “تحرير الدوائر”، حتى تداول مدونون هذه الوثيقة باسم “حملة تحرير الدوائر” وابتدأت هذه الوثيقة في إشارة الى بنود الدستور العراقي الذي اعتادت الأحزاب الفائزة في كل انتخابات أن تفسره بحسب مصالحها الخاصة، عبر تأكيد أن “الدستور العراقي لم يشر الى المحاصصة في الدوائر الحكومية لذلك سيتم إعفاء جميع أصحاب المناصب الواضح ولائهم وانتمائهم الحزبي لتأثيرهم على كفاءة الإدارة وتسببهم بعدم العدالة” وعلى رغم التحدي الواضح في خطابه الرسمي ولكنه حاول الابتعاد من مجابهة الكبار عبر حصر الأمر في الدوائر الحكومية الصغرى، مع عدم الإشارة إلى أي رفض للمحاصصة على مستوى الوزارات والهيئات الحكومية الكبرى.



لم يسبق لمسؤول عراقي في موقع إداري عال أن اتخذ قرارات كهذه، يتوقع كثيرون أن تتسبب باصطدامه مع المؤسسات الحزبية ومنظومة المحسوبيات المتصلة بها.



سعدي الماجد طبيب عسكري تخرج من كلية الطب العسكري في السنوات التي سبقت سقوط صدام حسين، وظل طبيباً عسكرياً إلى حين تحويل الأطباء العسكريين الى أطباء مدنيين، بعد الاحتلال الأميركي. وهو بحسب عارفيه حازم ويمتلك الجرأة لتنفيذ قرارته والالتزام بها، وهو يعرف تمام المعرفة أن الدوائر الصحية واحدة من  أهم المفاصل  الحساسة في المحافظة، لا سيما بعد أزمة “كورونا” وارتفاع أعداد الإصابات وان المسؤولين فيها يجب أن يعملوا بحرية من دون ضغط سياسي او حزبي لضمان  خدمة صحية أفضل للمواطن، وسط معاناة البنى التحتية وحوادث الحرائق التي التهمت أحد مراكز العزل في هذه المدينة. 

لم يسبق لمسؤول عراقي في موقع إداري عال أن اتخذ قرارات كهذه، يتوقع كثيرون أن تتسبب باصطدامه مع المؤسسات الحزبية ومنظومة المحسوبيات المتصلة بها. 

الماجد أمهل نفسه شهرا، كما يقول لـ”درج”، لإتمام مهمته الأولى والتي سماها “تحرير الدوائر”، بعد اسبوعين على إصداره الوثيقة، وبعدها قد يقوم بتغيير المسؤولين ممن يثبت عملهم في خدمة الأحزاب التي ينتمون إليها داخل دائرته والمجيء بمن يمتلكون الكفاءة من المستقلين.

إقرأوا أيضاً:

سعدي الماجد دخل السباق الانتخابي كمرشح مستقل ضمن تحالف الفتح عام 2018 إلا أن هذا الترشيح، “لم يجعلني انتمي للتحالف سياسياً”، بحسب قوله، وإنما حاول الوصول الى البرلمان بالطرق التي يمكن أن توصله من خلال الانضمام لتحالف سياسي، والتي قد تسعفه الأصوات التي تحصل عليها القائمة الانتخابية، وبالتالي حجز مقعداً في البرلمان إلا أنه لم يتمكن من الفوز. وهذا الأمر يعتبره كثيرون مادة للتشكيك في صدقية الماجد، ويتهمونه بأنه يتحرك، عبر قراره هذا، من منطلقات انتخابية، خصوصاً أننا على أبواب انتخابات.

الكاتب احمد الحداد لا يستبعد أن تضطر الأحزاب السياسية الفاعلة في محافظة ذي قار إلى تقبّل قرار الماجد، مرغمة، بسبب الظروف التي تعيشها المحافظة من وضع اقتصادي وخدمي سيئ، ما يلقي باللائمة بشكل دائم على الأحزاب وأعضاء مجلس النواب ممن يمثلون المحافظة، لا سيما أن قرار اعتبار ذي قار مدينة منكوبة لم يطبق بشكل فعلي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019 وحتى الآن، إضافة إلى أن ممثلي الكتل السياسية يجدون أن الواقع الحالي الذي تعيشه الناصرية هو خارج سلطة الدولة ولا تمتلك الحكومة العراقية أي سيطرة عليها وأن الغلبة للمحتجين فيها، الذين كانت لهم قوة فعلية في الضغط من أجل تغيير محافظين لم يلتزموا بعملهم لمصلحة المحافظة.

الناشط المدني عدي الجابري يرى أن قرار تحرير الدوائر إذا ما تم تطبيقه سيكون تحقيقاً لحلم طال انتظاره منذ 2003 فلم يجرؤ مسؤول حكومي مهما كان منصبه، على أن يضع نفسه في مواجهة كهذه مع الأحزاب. لكن، وعلى رغم أن النشطاء والحراك الاحتجاجي يدعمون توجهاً كهذا، ولكن معظم المسؤولين في الدوائر متحزبون وذوو ميول سياسية، ما يجعل إمكانية تطبيق القرار صعبة جداً.

أسبوعان مرّا على الوثيقة. أسبوعان آخران قبل مرور مهلة الشهر التي وضعها الماجد لنفسه قبل تطبيق بنودها. وبعدها “يذوب الثلج ويبان المرج”.

إقرأوا أيضاً: