fbpx

العراق: أمر قضائي بـ”محاصرة” وسائل التواصل الاجتماعي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل هي مطية جديدة للسلطات العراقية تستخدمها لملاحقة ومحاسبة ومعاقبة كل من يتكّلم ضدها على وسائل التواصل الإجتماعي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا السؤال هو أول ما يتبادر إلى ذهن قارئ الأمر القضائي الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء العراقي، استناداً إلى معطيات حصل عليها مما يسمى “خلية الإعلام الأمني”، التي رصدت “حالات تجاوز في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام”.

يحمل هذا الأمر القضائي في طيّاته “قنابل” موقوتة، يرى كثيرون أنها قد تنفجر في وجه كل من يعبر عن رأيه في قضايا تتعلق بالفساد أو بانتقاد الأداء الحكومي، وكل ذلك بحجة أنها قد تشكّل خطراً على “منظومة الأخلاق العامة التي تبث الفسق والفجور والترويج للأفكار الهدامة تتنافى مع الالتزام الديني والأخلاقي إضافة إلى المحرضين على النعرات الطائفية لتحقيق مكتسبات انتخابية”، كما جاء حرفياً في نصّ الأمر القضائي.

وبحسب الكتاب الرسمي الذي يحمل توقيع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان تقرر تشكيل لجنة مشتركة من المجلس نفسه ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني وخلية الإعلام الأمني وهيئة الاتصالات والإعلام بالإضافة إلى نقابتي الصحافيين والفنانين. وتتولّى هذه اللجنة مهمّة رصد المخالفات في مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام. 

عبارات مطّاطة

هذا القرار القضائي بحاجة إلى قانون بالاتفاق مع السلطة التشريعية (البرلمان) لتجنب الوقوع في هفوات، بحسب إبراهيم السراج، رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين.

السراج وفي حديثه إلى “درج” يصف المصطلحات المستخدمة في الأمر القضائي كـ”منظومة الأخلاق العامة” و”الأفكار الهدّامة” وسواها، بـ”المطاطة”، وقد تستخدم من السلطة، لـ” مصادرة حرية التعبير أو تقييدها، أو التضييق على استخدام شبكات الإنترنت وهذا الأمر مرفوض وغير مسموح به وفق المادة 38 من الدستور العراقي التي تنص على حرية الصحافة والتعبير”.

ويرى السرّاج أن “مجلس القضاء العراقي قد أوقع نفسه في خطأ كبير من خلال هذا القرار”. 

إقرأوا أيضاً:

قرار بصبغة دينية

رسل الخفّاجي، مراسلة قناة NRT عربية التي تعرضت للغلق والاعتداء على كوادرها وموظفيها مرات عدّة في مكاتبها بإقليم كردستان والعاصمة بغداد بسبب كشفها لقضايا الفساد، وهي تشعر بمخاوف تشبه مخاوف السرّاج من اساءة استخدام القرار للتضييق على الصحافيين والناشطين.

تشبّه الخفاجي هذا القرار القضائي بقانون الجرائم المعلوماتية الذي يسعى البرلمان العراقي لتشريعه والذي توقف عند حدود معينة بسبب معارضته من قبل بعض أعضاء البرلمان. يتشابه الأمر القضائي مع القانون الذي حاول مجلس النواب تمريره، و”هما يأثّران في مفاعليهما التطبيقية سلباً على الحياة الاعلامية والصحافية والحريات على السوشيل ميديا في العراق” بحسب الخفّاجي. 

لدى الخفاجي يقين بأن هذا القرار يأتي لخدمة الكتل والأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات أيلول/سبتمبر هذا العام في محاربة من ينقل الحقائق للرأي العام، والتضييق على الصحافيين ووسائل الاعلام المزعجة، واقتصار الخطاب الاعلامي على ما تبثه القنوات التابعة للأحزاب، التي ستعمل على تلميع صورة أحزابها بعيداً من نقل الحقائق والوقائع. 

وترى الخفاجي أن الأمر القضائي يحمل صبغة دينية، يبدو معها العراق “كأنه جمهورية اسلامية”، إذ يستهدف بوضوح ما أسماها “أفكاراً هدامة تتنافى مع الالتزام الديني والأخلاقي”، وهذا يتنافى، كما تقول الخفاجي، “مع مدنية العراق الحاضن لجميع الأديان السماوية والمذاهب الإسلامية”.

ويضع الخبير القانوني عادل البدري خطوطاً تحت ما ورد في القرار القضائي بخصوص “الالتزام الديني”، مشدّداً على أن “الدستور العراقي كفل حرية المعتقد الديني لكل مواطن و لا يمكن إجبار أحد بحكم القرار الأخير على الالتزام بتعاليم دين معين”. 

الباحث العراقي منير العذاري يقلل من خطورة الموضوع على الأغلبية العامة التي تشكل نحو 20 مليون نسمة من سكان العراق الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بجميع صنوفها”.

ويضيف العذاري لـ”درج” بان “الغاية من الأمر القضائي هي ملاحقة أشخاص معينين لهم تأثيرهم المباشر على الشارع العراقي”. 

ردود سريعة

وانقسمت ردود الأفعال حول الأمر القضائي الذي جرى تداوله بين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بين تأييده والقبول بإجراءاته من جهة، وبين رفضه والاستهزاء به من جهة أخرى. فقد علّقت سيدة على فايسبوك قائلة إن “هذا القرار يحمي الطبقة السياسية فقط ومدخل لاعتقال كل شخص يقوم بانتقاد عملهم أو فسادهم و محاصصاتهم”, مشيرة إلى أن “فيسبوك هو المتنفس الوحيد للعراقيين للتعبير عن غضبهم تجاه الانهيار المستمر في البلاد”.

فيما يعبّر سدير علاء وهو خريج جامعي عاطل من العمل، عن سخريته من القرار متسائلًا: “لماذا لم تقم السلطات بتوفير شوارع وخدمات وفرص عمل قبل التفكير بمحاسبة كل من يتكلم بكلمة خادشة للحياء العام؟”، مطالبًا الجهات القضائية بمحاسبة أصحاب الثراء الفاحش من الرشاوي والصفقات المشبوهة والمشاريع المتعثّرة والعصابات المبتزة للمواطنين قبل البدء بمحاسبة الناس على كتاباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تشكل حرية التعبير اليوم إحدى الركائز الأساسية للنظم الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. فيما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 ان “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”. ونصّ هذه المادة يشكّل تحدّياً مباشراً للأمر القضائي العراقي الذي ينزلق إلى تضاد مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

إقرأوا أيضاً: