fbpx

بعد سقوط كابول:
أعداء أميركا في كماشة الجهادية العالمية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعيش الجهادية المسلحة والحركية فورة جديدة وتكتسب انتعاشاً واضحاً مع فوز “طالبان” وهزيمة القوات الأميركية وتحتفل المواقع الإسلامية على الانترنت والتجمعات السلفية في أوروبا والمواقع الإسلامية بهذا الانتصار الجلل الذي تعتبره إلهياً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تخفي الدول المجاورة لأفغانستان ومن بينها أعداء ألداء لواشنطن قلقها من انهيارات أمنية وتداعيات جيوبوليتيكية ستنجم لا محالة عن الانسحاب الأميركي، بعد 20 سنة من حرب طويلة ومؤلمة وفاشلة أنفقت خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة أكثر من تريليون دولار. 

العالم كله يراقب بذهول تداعيات الانسحاب الأميركي- الأطلسي الذي سيبقى حاضراً بما يرافقه من مشاهد معيبة ومثيرة للغضب في أوساط مصدقي الغرب وشعاراته بالدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية في العالم. هذا الفشل المريع الذي يحدث للمرة الثانية بعد العراق، بل وللمرة الثانية بعد الذي حصل ويحصل منذ عشر سنوات في ليبيا من حرب أهلية انفجرت بعد انسحاب “حلف شمال الأطلسي”، من دون أن يجمع ملايين الأسلحة التي وزعها بالتنسيق مع قطر من أيدي شعب وقبائل منفلتة، يكشف بوضوح عقم الفهم الغربي لذهنية هذه المجتمعات وثقافتها.

أهذا هو السبب إذاً في عجز الولايات المتحدة المريع والفاضح في تطبيق المشروع الذي كان أطلقه جورج بوش وإدارة المحافظين الجدد قبل عشرين عاماً لبناء الأمم والمجتمعات النموذجية الجديدة، والذي حمل عنوان “نشر الديموقراطية في الشرق الاوسط الكبير”؟ 

الأميركيون ومعهم حلفاؤهم الأوروبيون والأطلسيون أظهروا فشلهم وانتهازيتهم في اللحظات الحاسمة. المشاهد التي تنقلها شاشات القنوات التلفزيونية الدولية تتكرر وتعيد إلى الذاكرة الجماعية الفشل الذي رافق الانسحاب الأوبامي من العراق عام 2011، وتداعياته التي تكللت بعودة تنظيم “القاعدة” وانبثاق “داعش” على أطلالها، ومن ثم سقوط البلاد بقبضة ميليشيات شيعية إيرانية الصنع لا تقل إجراماً ودموية وتدميراً عن أبو بكر البغدادي وقبله أبو مصعب الزرقاوي.

ما فعله الرئيس الأميركي جو بايدن هو إتمام سحب القوات الأميركية حتى قبل أن يفرض على “طالبان” التفاوض مع الحكومة في كابول لتشكيل حكومة انتقالية تقوم على تقاسم السلطة وتأمين انتقال سلس للحكم يحمي المؤسسات الديموقراطية والحريات العامة والمكتسبات التي حققها الشعب الأفغاني، من حق النساء في التعليم والعمل والتعددية السياسية وحرية التعبير والصحافة وبناء منظمات المجتمع المدني، وكان سلفه دونالد ترامب أبعد هذه الحكومة من مفاوضات الدوحة ذاعناً بشكل أحمق لشروط “طالبان”. هل نسينا أن مستشاره للأمن القومي جون بولتون احتج على مسار المفاوضات، وأداء الوفد الأميركي وتمت معاقبته بطرده من طاقم التفاوض ومن ثم من منصب المستشارية؟ 

السؤال الأهم الآن هو هل ستعود أفغانستان عاصمةً للإرهاب المعولم بعدما كانت الحاضنة الأهم والأكبر لكل جماعات العنف والتطرف قبل عشرين عاماً؟

تزدحم وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاسلامية، ويتسابق كتاب الممانعة للتعبير عن فرحتهم بالانتصار “العظيم” على الامبريالية والصهيونية وأعتى جيوشها أي الأميركي والأطلسي، وتنقل قناة “الجزيرة” لحظة بلحظة انتصارات “طالبان” ومظاهر الفرح العارمة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تحتفل بالانتصار الإلهي الذي طال انتظاره. 

كل هذا يبشر بانتعاش الجماعات الإسلامية الأخرى المتطرّفة مثل “داعش” و”القاعدة” وخلاياها وأنصارها وعناصرها المنتشرين في دول العالم. 

تحريض الإيغور؟

السؤال الآخر الذي يتردد في وسائل الإعلام الدولية وعلى لسان المحللين الأميركيين والأوروبيين هو:هل الخروج الأميركي- الأطلسي سيؤدي إلى إعادة تصنيع الإرهاب في هذه الدولة الملاصقة لأعداء أميركا المترصين بها منذ عقود وفي مقدمهم الصين العدو الصاعد اقتصادياً وعسكرياً وتنظيمياً؟ بكين تراقب ما يحصل بقلق على حدودها. بكين تكتم حتى الآن تيقنها من أن هذا الانسحاب الأميركي سيستهدف آجلاً أم عاجلاً أمنها الوطني، لا سيما مع وجود الجماعات الجهادية المسلحة في أفغانستان، وتلك التي تنتظر الانقضاض عليها، بتحريك المسلمين أي أقلية الإيغور، التي يصل تعدادها إلى 50 مليون نسمة يعيشون في مقاطعة شينجيانغ الصينية على الحدود الدولية مع أفغانستان.

إحدى أقوى واخطر الجماعات المسلحة، هو “الحزب الإسلامي التركستاني“، وهو منظمة مسلحة انفصالية تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية في إقليم شينجيانغ. وينشر هذا الحزب الذي يمتلك ميليشيات مسلحة من حين إلى آخر مقاطع فيديو توثق وجوده في أفغانستان. وتنتشر كتائب من هذه الميليشيا الجهادية في سوريا وبالتحديد في المناطق التي تقع تحت سيطرة تركيا، وهي تقاتل النظام السوري منذ 10 سنوات. انتصار “طالبان” ينذر ببدء هجرة قادة هذا الحزب والكثير من مقاتليه أينما كانوا إلى أفغانستان. وتتعزز مخاوف الصين من تحولها إلى هدف للمتشددين، بعد مقتل تسعة مواطنين صينيين في تموز/ يوليو الماضي، إثر انفجار في حافلة تقل العمال إلى موقع بناء سد في جبال باكستان الشمالية، وجهت فيه الاتهامات إلى المسلحين القوميين البلوش.

روسيا المستهدفة والجهادية والمخدرات 

 روسيا مستهدفة أيضاً على رغم أنها لا تريد التورّط مجدّداً في أفغانستان كما ورد على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، لكنها لا تريد أن تتلقّى الإرهاب الذي ارتبط بـ”داعش” و”القاعدة”، لا في عقر دارها، ولا في دول آسيا الوسطى مثل تركمانستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغستان. الدول الأساسية في الجيرة المباشرة.

ولهذا سارعت إلى عقد اجتماع في بداية آب/ أغسطس، مع زعماء خمس دول في وسط آسيا، بما فيها البلدان المجاورة لأفغانستان في الشمال وهي أوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان. وأعرب المجتمعون عن قلقهم إزاء تطورات أفغانستان وانعكاساتها على أمن منطقة آسيا الوسطى، كما أعلنوا أنهم سيواجهون هذا التحدي معاً، لمحاربة جماعات اسلامية جهادية سرية ترتبط بعلاقات مع “القاعدة” و”داعش” ودول ومخابرات وشبكات مصالح تمولها لتقويض الاستقرار ونشر التطرف الإسلامي في المنطقة، وفي القوقاز كله. 

 روسيا أجرت أيضاً مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة مع الطاجيك والأوزبك بالقرب من الحدود مع أفغانستان .وبرأي المحلل الروسي في مكتب معهد “كارنيغي” الأميركي في موسكو ديمتري ترنين، فإن “المشكلة الأساسية بالنسبة إلى روسيا ليست فقط طالبان أو المجموعات الجهادية أو داعش أو الجماعات المماثلة التي تعبر الحدود إلى آسيا الوسطى. المشكلة الكبرى هي المخدرات، وما يعنيه تحول أفغانستان إلى بؤرة لانتاج المخدرات وتهريبها”. ووفقاً لما ذكرته صحيفة “نيزافيسمايا غازيتا” الروسية، فإن “مشكلة المخدرات الأفغانية تستفحل وتنمو بشكل غير عادي، بعدما أصبح حوض بحر قزوين واحداً من أهم طرق تهريب الهيرويين وغيره من المواد المخدرة إلى روسيا، ومنها إلى دول أخرى، وبات توزيع هذه المخدرات في روسيا وانتشارها بشكل مفزع بين الشباب من الجنسين مشكلة كبيرة تؤرق الدولة وأجهزتها والمجتمع بأكمله”.

فقد ثبت بالإحصاءات الرسمية أن عدد ضحايا المخدرات المهربة من أفغانستان إلى روسيا يصل سنوياً إلى حوالى 30 ألف شخص، علماً بأن المصيبة ذاتها موجودة في الصين التي تدخلها كميات من مخدرات أفغانستان شبيهة بقرينتها في روسيا، ومن المتوقع أن تزداد هذه القضية تعقيداً.

من الواضح أن إدارة بايدن الديموقراطية قلبت الطاولة الأفغانية على رؤوس كل القوى الاقليمية فها هي الهند وباكستان وإيران، تتأهّب وتستنفر طاقاتها وجيوشها لمواجهة التهديدات والتحديات المقبلة لا محالة، منها ما له علاقة بأفغانستان، ومنها ما يقع في خانة العداء المباشر بينها على نسق العداء بين الهند وباكستان.

إقرأوا أيضاً:

باكستان صانعة “طالبان” 

باكستان هي الأخرى اضحت مهددة على رغم أنها التي مولت وسلحت ونظمت صفوف “طالبان”، بإشراف مباشر من جهاز الاستخبارات العسكرية طيلة العشرين عاماً المنصرمة وقبلها بالطبع، إلا أنها اصبحت الآن عارية أمام إرهاب “داعش” و”طالبان” الباكستانية التي تشن العداء لنظام إسلام آباد.

 ومن المتوقع أن تؤجج سيطرة “حركة طالبان” المشاعر الدينية المحافظة والمتطرفة في باكستان التي تنظر إلى عناصر “طالبان” الباكستانية كأبطال يعزز نجاحهم فرص الحكم الديني المتشدد في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان المسلمين في العالم. وقال مسؤول باكستاني كبير، “سوف يتشجع جهاديونا؛ سيقولون: إذا كانت هزيمة أميركا ممكنة، فمن هو الجيش الباكستاني ليقف في طريقنا؟”.هنا يكمن الانتقام الأميركي من عبث إسلام اباد بالأمن والاستقرار الإيراني طيلة العقدين الماضيين، بالانسحاب من أفغانستان. 

 فالجميع كان مرتاحاً عندما قامت الولايات المتحدة بمهمّة أثبتت استحالة الانتصار الساحق، لكنها حاربت “القاعدة” و”طالبان” بغية احتواء الإسلام المتطرّف والإرهاب ووقف تهديده للامن القومي والمصالح الأميركية في العالم.

أفغانستان بؤرة الجهاد المعولم مجدداً

  تجاهلت الاتفاقات الأميركية في الدوحة موضوع طاقة “طالبان” وقدرتها على احتواء حركة المجموعات الإسلامية الأخرى عبر الحدود الأفغانية، وما إذا كانت مشاريع تلك المجموعات ضمن مسؤوليتها بعد الانسحاب. باحثون في شؤون الجماعات الجهادية المسلحة يتحدثون عن وجود تفاهمات بين “طالبان” و”داعش”- منها اتفاق عام 2019- قوامه  ألاّ يسعى تنظيم “داعش” إلى أي سلطة ونفوذ في المسألة الداخلية الأفغانية، في المقابل، لن تقيّد “طالبان” حركته من أفغانستان إلى الأراضي المجاورة. وبحسب تقديراتهم، فإن لتنظيم “داعش” 5000 مقاتل في 9 قواعد في أفغانستان مملوءة بالسلاح والذخيرة.

السؤال الأصعب هو، هل “داعش” لا يمانع سيطرة “طالبان” على أفغانستان، ويتعاون معها بوساطة حليفه جلال الدين حقاني (أحد رموز الجهاد الأفغاني)، أم يريد أن يكون منافساً للحركة في تشييد اعمدة نظام للخلافة الإسلامية يتبنى الشريعة الإسلامية ليكون امتداداً لمشروعه في العراق وسوريا الذي قوضته الولايات المتحدة؟ يتفق المحللون على أن ما يريده تنظيم “داعش” من أفغانستان اليوم هو أن تكون قاعدته الجديدة لغاياته الاستراتيجية في دول آسيا الوسطى، والصين، وبحر قزوين. وبحسب مصادر تراقب تحركات “داعش”، هناك مؤشرات إلى حشد المقاتلين من سوريا والعراق وليبيا وحتى من الجهاديين الأوروبيين الذين عادوا إلى بلدانهم، وتجنيد آخرين جدد للتوجّه إلى أفغانستان حيث ستكون القاعدة الجديدة للإرهاب المعولم. 

إيران المهددة بالعدو الأيديولوجي

لطالما سعت إيران خلال السنوات الأخيرة إلى نوعٍ من الاتفاقات مع “طالبان” لأسباب متعدّدة، تجارية وأمنية، وبشكل أساسي إقامة تعاون مشترك وتنسيق استخباراتي” لمنع حركة “داعش” من تقويض الأمن القومي في الأقاليم السنية في إيران. هل تثق إيران بالوعود التي تقدمها “طالبان” بأنها لن تسبب مشكلات لها ولجيران أفغانستان؟

يتفق محللون على أن معطيات الأحداث والتطورات في المستقبل القريب قد تفرض أوضاعاً مختلفة. طهران تخشى من تحول أفغانستان إلى بؤرة جديدة للجهاد السني المسلح، لا سيما أن العداوة الطائفية- الايديولوجية المتبادلة بن الجانبين ما زالت قوية بغض النظر عن الابتسامات الديبلوماسية الخادعة بين الجانبين، فأحدهما يعتبر الآخر كافراً بالمفهوم المذهبي. إضافة إلى أن علاقتهما تتخللها حياكة مؤامرات ونصب كمائن قاتلة متبادلة، وما كان يجمعهما في فترة محددة، هو العمل المشترك لتقويض المشروع الأميركي في أفغانستان.

يرى مراقبون أن أحد أهداف الانسحاب الأميركي وتسليم أفغانستان لـ”طالبان”، هو ربما إرغام الملالي على تحويل قسم كبير من موارد الحرس الثوري المالية والعسكرية واللوجستية من العراق واليمن و لبنان وسوريا وغزة إلى أفغانستان. ويبدو أن معطيات تشير إلى أن هذا ما يحدث، إذ أشارت معلومات إلى أن إيران تزمع نقل كتائب عدة من ميليشيا “فاطميون”، التي شكلتها قبل سنوات من لاجئين شيعة من أفغانستان وباكستان للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد في سوريا، إلى أفغانستان لحماية ما تسميه الاقلية الشيعية “الهازارا”، في سيناريو مشابه لما سوقته في سوريا عن حماية مقام السيدة زينب. 

إيران تعي جيداً الفخ الذي نصبته لها واشنطن بالانسحاب، انتقاماً لدورها في تقويض مشروعها في العراق، ومواصلتها استخدام ميليشياتها لتقويض دورها في الشرق الاوسط والعبث بهيبتها الدولية. الآن “طالبان” تحتل حدودها مع باكستان، الجهاديون والمخدرات واللاجئون سيتدفقون على حدود البلدين الطويلة. انظروا إلى الاحتجاجات الضخمة التي تشهدها المدن السنية ضد آيات الله ونظام طهران منذ أسابيع، إنها الجولة الأولى في الانتقام الأميركي لأرواح مئات الجنود الأميركيين، الذين قتلتهم إيران بأياد عراقية طيلة العقدين الماضيين. 

مع انطلاق الانسحاب الاميركي قبل أشهر بدأت تتجلى بوضوح التحركات الجهادية في المنطقة.

الهند في حضن الإرهاب المعولم

الهند هي الأخرى قلقة من استخدام “داعش” وإخوته، قاعدته الجديدة لتأجيج المسلمين في كشمير، وهي لا تخشى من “طالبان” و”داعش” وأخوتهما، فقط، بل من باكستان التي تمنع أي علاقات طبيعية مع أفغانستان، وظلت طيلة السنوات الماضية تضع حواجز وألغاماً أمام علاقات متميزة بين البلدين.

أيام عصيبة تنتظر الهند بعدما وقعت أفغانستان تحت السيطرة الكاملة لصنيعة باكستان، “طالبان”، التي استثمرت في تأسيسها وتسليحها وديمومة وجودها المليارات من الدولارات وتنتظر الآن الحصول على عوائد هذا الاستثمار.

القضية الأخرى المهمة تتمثل كما تدلل التطورات الراهنة في حتميّة فشل كل تلك المحاولات الديبلوماسية والكلام عن المصالحة واقتسام السلطة في أفغانستان، وتشكيل حكومة وطنية واسعة، فـ”طالبان” تعرف مدى قوتها وهي التي تفرض شكل الحكم والنظام ومحتواهما، وهي التي تقرر دور الآخرين، إن كان يمكن أن يكون لهم أي دور. 

انتعاش الجهادية

تعيش الجهادية المسلحة والحركية فورة جديدة وتكتسب انتعاشاً واضحاً مع فوز “طالبان” وهزيمة القوات الأميركية وتحتفل المواقع الإسلامية على الانترنت والتجمعات السلفية في أوروبا والمواقع الإسلامية بهذا الانتصار الجلل الذي تعتبره إلهياً. 

يقول أسفنديار مير، المحلل الأمني لجنوب آسيا في “المعهد الأميركي للسلام”، “إنه مزيج خطير عندما ترتفع التهديدات فيما تتضاءل جهود مكافحتها”، مضيفاً: «التهديد قائم، ونحن نتحدث عن تصعيد من هذه النقطة فصاعداً».

 انهيار الجمهورية الأفغانية بعد رحيل الولايات المتحدة ستكون له أهمية إقليمية كبيرة مثل غزو ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، أو انسحاب القوات السوفياتية وسقوط النظام الشيوعي الذي كانت تؤيده موسكو. «هذا تحول مزلزل من شأنه أن يغير وجه السياسة برمتها في هذا الجزء من العالم بأساليب يصعب التنبؤ بها».

يتوقع مير “أن يكون الخطر المباشر إقليمياً- في جنوب آسيا ووسطها- لأن الجغرافيا والإمكانات تجعل الواقع مكشوفاً والخطر قائماً”. 

مع انطلاق الانسحاب الاميركي قبل أشهر بدأت تتجلى بوضوح التحركات الجهادية في المنطقة، إذ تلقت المصالح الصينية في باكستان ضربة بالفعل. ففي نيسان/ أبريل، انفجرت سيارة مفخخة في فندق فاخر يستضيف سفير بكين في مدينة كويتا الباكستانية، وهي ليست بعيدة من معاقل «طالبان» وجماعة خراسان في مناطق مختلفة في أفغانستان.

وراهناً، أسفر انفجار قنبلة في حافلة متجهة إلى سد ومشروع كهرومائي في داسو، بالقرب من الحدود الباكستانية مع الصين، عن مصرع 12 شخصاً، بينهم تسعة مواطنين صينيين. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث. وباتت مشاريع بقيمة 60 مليار دولار في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان على المحك، وهي جزء أساسي من مبادرة «الحزام والطريق» الأوسع نطاقاً، والتي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى جانب مصالح التعدين الصينية الكبيرة داخل أفغانستان.

بعد عشرين عاماً من الحرب العالمية على الإرهاب، بدأت عملية صناعة الإرهاب وإنتاج الإرهابيين، وبعدما كان العدو الإرهابي يتمثل في تنظيم “القاعدة” التي كان عدد مقاتليها بالالاف، نشهد حتى الآن كيف أنه خلال العقدين الماضيين نمت الحركة الجهادية وتوسعت من مجموعة صغيرة في أفغانستان إلى شبكة عالمية واسعة ممتدة على نطاق العالم، تتمتع بقدرة جذب تنظيمية وايديولوجية وإعلامية. تراجعت الحركة لتعود أقوى مما كانت، ولهذا فهي لن تتوقف عن حمل السلاح ما دام خصومها خائفين، مرتبكين، والنتيجة المؤلمة أن كل طرف، أي هذه الجماعات والدول التي تحاربها، يلجأ إلى الإرهاب لمكافحة الإرهاب الذي يتعرض له. ويتجاهل الجميع الأسباب الفعلية التي تعيشها المجتمعات والدول في الشرق الأوسط الكبير التي أصبحت كلها فاشلة بسبب اللاعبين المحليين ومنظومات الفساد السياسي وضعف الحوكمة والكراهية والصراع المذهبي والاثني والديني والثقافة الدينية المستندة إلى الدوغما المتأصلة في الوعي الجماعي. هؤلاء اللاعبون يرتبطون بشبكات مافيا ومصالح في أحيان كثيرة، تكون لها امتدادات إقليمية ودولية ذات مشاريع متضادة تدفع أثمانها في النهاية بيئات هؤلاء اللاعبين المجتمعية. هكذا إذاً توسع التطرف الديني- الجهادي المسلح وانتشر بكثافة مكتسباً مصطلحاً جديداً هو الجهاد العالمي المسلح إلى درجة أنه أصبح بمثابة شركة معولمة تنتج علامات تجارية متعددة تتواءم مع كل دولة وبيئة وتستعين بوسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات المتطورة لسياسات “الماركتينغ” المعاصر.

إقرأوا أيضاً: