fbpx

عودة خالد يوسف وسقطات معارضين مصريين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استغل النظام ضعف حساسية يوسف حيال الحريات الجنسية، وتحويلها أداة ابتزاز انطلاقاً من موازين القوة التي تضمن له موقع المتفوق بوصفه مخرجاً يمتلك سلطة، لإسكاته في قضية الجزيرتين وهروبه، لاحقاً، من البلد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كشف تعامل معارضين مصريين، ناصريين ويساريين، مع عودة المخرج خالد يوسف، عن ضعف في بناء حساسيات تتعلق بالنساء، وكذلك، استخدام تحليلات ثقافية وسياسية واسعة، حول النظام والتفاوتات الاجتماعية، ليس لفهم ما حدث، بل لجعل الجاني، ضحية، مثله مثل ضحاياه.

هؤلاء المعارضون، وعلى رأسهم المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، احتفوا بعودة يوسف، من دون أي حساسية تتعلق بفعلته قبل 3 سنوات، حين حوكمت الشابتين، منى فاروق، وشيما الحاج، بتهمة “التحريض على الفسق” بعدما صورهما يوسف، وهما تمارسان الجنس معه، بحسب قولهما، وانتشار الفيديوات، على مواقع التواصل.

صحيح أن البعض أُحرج من استقبال يوسف، بعد حملات ناقدة، واعتذر لوجوده معه، إلا أن، ما حصل، قدم مدخلاً جديداً، لفهم طبيعة التركيبة المدنية المعارضة لنظام عبد الفتاح السيسي. هذه التركيبة، غالباً ما تعاملت مع السياسة بعدة كلاسيكية، وقصور عن تطوير مواقف تناسب تعقيدات الواقع والمواجهة مع الاستبداد. ففي خصومتها مع جماعة الإخوان المسلمين، مثلاً، لم تمتلك حساسية تجاه العسكر، على رغم أن الجيش، هو الخصم الصلب، والمتجذر في السلطة منذ الخمسينات. وحتى بعدما اكتشفت خدعة تحولها إلى واجهة لانقلاب عسكري، أعاد مصر إلى دولة شمولية، ظلت مواقفها تبسيطية حيال النظام السيساوي الجديد.

ومن يراقب بدقة معركتها بخصوص تيران وصنافير، يجد أن هدفها كان تصوير النظام بوصفه سلطة “خائنة” تتنازل عن أرض مصرية. حصلت تعبئة آنذاك، للرأي العام، وخيضت المواجهة بشكل متفاوت، في الشارع والقضاء والصحافة. ما جعل المشكلة مع النظام، مشكلة سلوك، لا مشكلة بنية عسكرية واستبدادية. ولعل التنبه إلى أن الكثير من المعارضين “المدنيين” لنظام السيسي، كانوا مؤيدين لجمال عبد الناصر، في القضايا الخارجية، على رغم استبداده في الداخل، يساعد على توضيح طبيعة الخصومة التبسيطية مع الاستبداد، وإحالة الخصومة معه، أو تأييده، إلى قضايا جُعلت كبرى، في حين أنها قد تكون أقرب إلى مشكلات حدودية، غالباً ما تحصل بين البلدان المتجاورة.  

امتلاك المعارضة القدرة على خوض معركة بخصوص تيران وصنافير، قبل سنوات، يدحض سردية صعوبة عملها في ظل نظام عسكري، كان آنذاك في طور استكمال عناصر سلطويته (الآن أصبحت تامة يصعب خرقها). لماذا لم تخض المعارضة معركة مشابهة بخصوص القوانين التي قضمت الحريات ومنعت التظاهر؟ طبعاً الجواب البدهي يتعلق بالنظام ونشاطه التدريجي في قضم الفضاء العام، ولكن ثمة أيضاً، جزئية تتعلق بوعي هذه المعارضة، وحساسيتها العالية تجاه القضايا الكبرى، مقابل حساسية أقل تجاه الحريات التي، وإن طالبت بها البيانات الصادرة عن أحزاب الداخل المناوئة للنظام، لكن المعركة من أجلها لم تكن كتلك التي خيضت من أجل تيران وصنافير.

إقرأوا أيضاً:

 ولترتيب الأولويات هذا، في وعي جزء من المعارضة المصرية، صلة ما بقضية خالد يوسف الذي، سرّب النظام، فيديواته مع الشابتين، للانتقام من موقفه المعارض لمنح السعودية تيران وصنافير. بمعنى أن النظام، استغل ضعف حساسية يوسف حيال الحريات الجنسية، وتحويلها أداة ابتزاز انطلاقاً من موازين القوة التي تضمن له موقع المتفوق بوصفه مخرجاً يمتلك سلطة، لإسكاته في قضية الجزيرتين وهروبه، لاحقاً، من البلد. أي أن السلطة، استغلت ثغرة في الوعي المعارض ضدها تتعلق بالحريات الجنسية والنساء، مكررة أسلوبها الرخيص في اختراق خصوصيات الناس. إدانة النظام، مطلوبة جداً، لكن ليس لمنح يوسف المبررات انطلاقاً من تعميم النظرة إلى السلطة بوصفها كلية تتحكم بكل شيء، وترسم التفاوتات في موازين القوة، التي استغلها يوسف، لا بد من التنبه إلى أن الأخير امتلك وعياً رجعيا حيال النساء والحريات الجنسية، سهّل مهمة النظام في الانتقام منه.

الفتاتان، اللتان، دمرت الفيديوهات حياتهما، أقرب إلى تفصيل عابر، في حسابات المعارضين الناصريين واليساريين، الذين احتفوا بعودة خالد يوسف بعد تغيير موقفه حيال النظام، وتسوية أوضاعه معه. فهؤلاء معاركهم كبرى، وتتوجه ضدّ الاستبداد، لكنها لا تتسع لفتيات استغلهن مخرج يستقوي بموقعه.

والاهتمام بالقضايا الكبرى، لدى هذه المعارضة، نتيجته ليست دائماً، خصومة النظام، بل أحياناً التقاطع معه وتأييده. فخلال مؤتمراتها بخصوص مسألة سد النهضة، زايدت أحزاب مصرية معارضة على النظام ودعته إلى عمل عسكري، إن اقتضى الأمر، في تكرار متواصل للوقوع في فخ التبسيط، وعدم تركيب موقف، يدعو إلى الحفاظ على “أمن مصر المائي” من دون منح النظام شرعية، والانتباه الدائم إلى سلطويته التي تستغل في تركيبتها أي قضية مهما كانت كبرى.

والأرجح، هذه المرة، وعلى وقع التقاطع بين النظام والمعارضة، في مسألة سد النهضة، أن النظام لن يحتاج إلى ممارسة لا أخلاقه، وتسريب فيديوات، مستغلاً ضعف حساسية المعارضين تجاه الحريات، واستغلال أجساد النساء. فالطرفان، على إيقاع واحد، ولن يحدث أي خرق، حتى إن كان هناك استغلال من معارض ما لامرأة، لا شيء يستدعي انتقام السلطة، طالما أن هناك اتفاقاً معها، لا تعكر صفوه بيانات تصدرها من وقت إلى آخر أحزاب مدنية حول ضرورة عودة الحريات، لا سيما أن الأخيرة لا ترقى لتكون مركزية، مثل قضايا “تيران وصنافير”، وسد النهضة.

إقرأوا أيضاً: