fbpx

بعد هزيمة “العدالة والتنمية”:
هل أفل قوس الإسلام السياسي في المغرب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المتغيرات الحاصلة في المغرب وتونس وليبيا، ستشجع على إخراج الإسلاميين من الحكم، لا سيما أن هذه الجماعات خيبت آمال الشعوب وفشلت في إدارة الأزمات في هذه البلدان، حيث تضاعف الفقر والتهميش والفساد والانتهازية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مني “حزب العدالة والتنمية الإسلامي” بهزيمة مدوية في الانتخابات التي أجريت الأربعاء 8 أيلول/سبتمبر، التي فقد خلالها 90 في المئة من الأصوات التي حصدها في انتخابات 2016. 

هزيمة أعادت تشكيل المشهد السياسي في المغرب برمته، إذ وضعت حداً لعشرية كاملة من هيمنة الإسلاميين على الحكم مع إبعاد نظرائهم في تونس (حركة النهضة) من السلطة، عقب إقدام الرئيس قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو الماضي على تجميد البرلمان وحل الحكومة، اللذين تسيطر عليهما الحركة فضلاً عن بداية تشظي الإسلاميين في ليبيا. 

أحداث بعثت رسائل كثيرة مفادها أن المنطقة (المغرب العربي) تسير نحو معادلة سياسية جديدة، ضعف دور الإسلاميين فيها الذين هيمنوا على المشهد لعقد كامل في المغرب وتونس، وكانوا حاضرين بقوة في ليبيا، على رغم الحرب والاقتتال.

بحسب المعطيات التي أعلنها وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت، تصدر “حزب التجمع الوطني للأحرار” برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش المشهد البرلماني والسياسي في البلاد، بعدما انتزع 97 مقعداً برلمانياً من أصل 395 مقعداً. يليه “حزب الأصالة والمعاصرة”، برئاسة عبداللطيف وهبي في المرتبة الثانية بـ82 مقعداً، و”حزب الاستقلال” برئاسة نزار بركة، في المرتبة الثالثة بـ78 مقعداً، ثم “حزب الاتحاد الاشتراكي” برئاسة إدريس لشكر بـ37 مقعداً، و”حزب الحركة الشعبية”، برئاسة امحند العنصر بـ26 مقعداً. فيما حل “حزب العدالة والتنمية” برئاسة سعد الدين العثماني في المرتبة الثامنة بـ12 مقعداً، مسجلاً بذلك تقهقراً كبيراً، إذ فقد 113 مقعداً من مقاعده في البرلمان المنتهية ولايته والذي ظفر فيه بـ125 مقعداًعام 2016. ولحقت الهزيمة أيضاً برئيس الحكومة والأمين العام المستقيل للحزب سعد الدين العثماني الذي فشل في نيل مقعد برلماني.

“على الحزب أن يعترف بهزيمته وأن يتدارس أسبابها، لقد عاقب المغاربة الحزب هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في معظم القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه. “

قد تكون هزيمة “العدالة والتنمية” منتظرة نظراً إلى عوامل عدة، لكن لا أحد كان يتوقع هذه الهزيمة المدوية التي ستبعد الحزب من المشهد السياسي برمته لعدم قدرته حتى على التأثير وهو على دفة المعارضة لمحدودية عدد مقاعده.

وعلى رغم أن الحزب الإسلامي استطاع منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية عام 1997 تحقيق نتائج تصاعدية انتهت بسيطرته على الحكومة لعشرية كاملة، إلا أن الانتخابات الأخيرة شهدت سقوطاً غير مسبوق له. هذه النتيجة غير المنتظرة حتى من أكثر الأحزاب المغربية تفاؤلاً برحيل الإسلاميين، مردها جملة من الأسباب. 

أبرز هذه الأسباب قد يكون مرتبطاً بخطاب الحزب الذي كرس مقاربات دينية من خلال شعار “الإسلام هو الحل”، ولقي هذا النهج تفاعلاً وتأييداً كبيرين لعقد من الزمن من مجتمع محافظ توقع أن هذا الحزب سيضطلع فعلاً بهذه المهمة. لكن سنوات الحكم العشر كانت كفيلة بالكشف عن أن الدين مجرد مطية للوصول إلى السلطة والتمكن في المشهد السياسي. 

وعد الحزب الإسلامي المغربي بأنه سيلتفت بقوة إلى الطبقات المسحوقة في البلاد وسيحقق مطالبها المشروعة في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، لكن بمجرد الوصول إلى الحكم أقدم الحزب على تبني بعض الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المرهقة على غرار رفع الدعم عن المحروقات ورفع سن التقاعد، وغيرها من القرارات التي انهكت الطبقة الفقيرة، فضلاً عن سوء إدارة أزمة كورونا التي فاقمت أزمات هذه الطبقة والطبقة الوسطى. 

عاين المغربيون على مدار محطات انتخابية متتالية التضارب الكبير بين شعارات الحزب ووعوده وأفعاله على الأرض. كانت البداية مع ملف الفساد الذي رفع الحزب شعار مقاومته منذ بداية ظهوره في المشهد السياسي. وكان هذا الملف أحد أسباب دعم الحزب في الانتخابات منذ عام 2011 لكن لا شيء من ذلك حصل، بل بدأت قضايا الفساد تلاحق الحزب حتى إن شخصيات كثيرة متهمة بقضايا الفساد تقلدت مناصب مهمة في فترة حكم الإسلاميين، على غرار صلاح الدين مزاور وزير الخارجية في حكومة عبد الإله بنكيران الثانية.

إقرأوا أيضاً:

لاحقا أتت مسألة التطبيع مع إسرائيل في عهد رئيس الحكومة والأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء الغربية. مناهضة التطبيع مع إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، من الشعارات الرئيسية لكل جماعات الإسلام السياسي. وأحدثت هذه المحطة قطيعة كبيرة بين الحزب ومريديه، بخاصة في صفوف الشرائح المتعلمة التي كانت تدعم الحزب بقوة، إذ اعتبرت أنه انقلب على أحد أبرز ثوابته. علماً أن مسألة دفع العثماني للإشراف على هذه الاتفاقية مع إسرائيل كانت على الأرجح مصيدة، وضعها العاهل المغربي، الذي يبدو أنه أراد إنهاء حقبة تصدر الإسلاميين في بلاده للمشهد السياسي بدقة أمام الرجل لإدراكه أن موافقته ستؤلب الرأي العام المغربي الذي يرفض مسألة التطبيع ضد الحزب والتي ستتسبب في انشقاقات داخله، وهو ما حدث فعلاً. 

بعد الهزيمة المدوية اعترفت بعض القيادات داخل الحزب بهذه الاخلالات الكبيرة وأقرت بأنها كانت سبباً مباشراً في الهزيمة الساحقة. كتبت البرلمانية عن الحزب، أمينة ماء العينين على صفحتها على “فايسبوك”: “على الحزب أن يعترف بهزيمته وأن يتدارس أسبابها، لقد عاقب المغاربة الحزب هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في معظم القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه. عند تحوله من حزب معارض إلى حزب داخل السلطة، لم يف بوعوده مثل محاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي المجالات التي اختير من أجلها خلال فترة الربيع العربي”.

سامي براهم، الباحث الإسلامي التونسي يرى أن “حزب العدالة والتنمية” المغربي جنى ثمار خضوعه لإرادة المخزن وعدم انتصاره للمطالب الاجتماعية ومكافحة الفساد.  

ويضيف لـ”درج”، “هناك درس يجب استخلاصه مما حصل في انتخابات المغرب، إذ تراجع حزب حاكم من كتلة برلمانية تضم 125 مقعداً إلى أقلية تضم 12 مقعداً، بل خسر رئيس الحزب نفسه مقعده، لذلك لا بد من الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي سقط أخلاقياً وسياسياً، مذ ساهم بشكل بارز في إجهاض انتفاضة 20 شباط/ فبراير 2011 التي انطلقت بعد شهر من الثورة التونسية رافعة مطالب إصلاح شامل وعميق للمنظومة السياسية تحت شعار (حرية، كرامة، عدالة اجتماعية)، وكان يمكن أن تنقل المغرب إلى ملكية دستورية مقيدة. كان المطلب البارز لحركة 20 فبراير 2011 هيئة تأسيسية منتخبة أو محل توافق على غرار الهيئة العليا التي تشكّلت في تونس بعد الثورة، أو على غرار المجلس التأسيسي بقصد إعادة بناء المنظومة السياسية بشكل يجسد ديموقراطيّة حقيقية تحرر الإرادة العامة وتحقق عدالة اجتماعية، ولا يكون فيها للمخزن ولوبياته اليد الطولى والسّلطة المطلقة في الشّأن العام المغربي”. ويستدرك: “لكن الملك قطع الطريق على هذه الحركة بتعيين لجنة استشاريّة لإعداد إصلاحات دستوريّة جزئيّة شكلية. وصيغ دستور عارضته مكونات حركة 20 فبراير، ولكن حزب العدالة والتنمية لم يكتف بعدم الانحياز لحراك 20 فبراير، بل ساند ما سمي بالإصلاحات الدستورية الفوقية التي هندسها المخزن وشارك في مخرجاتها من خلال المشاركة في انتخابات 2011، وفاز بالمرتبة الأولى وحصل على رئاسة الحكومة لتبدأ سياسة العصر والتذويب، التي خضع لها طيلة عشر سنوات حيث مسحت الاتفاقيات والقوانين المشبوهة التي قررها المخزن وانتهى الأمر باتفاقية التطبيع المهينة التي لم يحصل منها المغرب شيئاً في قضية الصحراء”. 

ويردف براهم: “لقد انتهى الدور الذي قرره المخزن لحزب العدالة والتنمية الذي كان يجهد نفسه في تبرير الخضوع لإملاءات المخزن ولوبياته، وسقط سياسياً بفشله في الاستجابة للمطالب الشعبيّة في الملفين الاجتماعي ومكافحة الفساد”.

أحداث بعثت رسائل كثيرة مفادها أن المنطقة (المغرب العربي) تسير نحو معادلة سياسية جديدة، ضعف دور الإسلاميين فيها الذين هيمنوا على المشهد لعقد كامل في المغرب وتونس، وكانوا حاضرين بقوة في ليبيا، على رغم الحرب والاقتتال.

ومن المرجح أن تكون لهذه الهزيمة القاسية التي مني بها “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي ارتدادات في الداخل والخارج. في الداخل، من المرتقب أن يواجه المشهد السياسي المغربي تحولات كبيرة، فبعد عشر سنوات من سيطرة الحزب الإسلامي على البرلمان والحكومة، ستكون البلاد على موعد مع حكومة خالية تماماً من الإسلاميين. وسيكون المغرب على موعد مع حكومة يمكن وصفها بالليبرالية اليسارية، في حال مشاركة الحزب الاتحاد الاشتراكي في التحالف الذي سيشكله عزيز أخنوش، كما تتحدث بعض المصادر الخاصة من العائلة اليسارية في البلاد. لن يكون للحزب الذي كان الأكثر نفوذاً وسلطة حتى وقت قريب، أي تأثير يذكر حتى في صفوف المعارضة لضعف عدد مقاعده. ومن شأن هذا التحول أن يقطع مع عودة الإسلاميين للحكم على المديين القصير والمتوسط في ظل عدم تحقيقه إنجازات تذكر، طيلة عشرية حكمه، فيما تعتزم الأحزاب التي ستشكل الحكومة تنفيذ برامج تنموية واضحة، وفق ما صرحت. وفي حال تنفيذ هذه الوعود فإنها ستكون كفيلة بغلق الباب أمام عودة الإسلاميين إلى السلطة، بخاصة في ظل الخلافات القائمة التي فاقمت مشكلات الحزب.

أما خارجياً، فقد تزامنت هزيمة الحزب الإسلامي المغربي مع المستجدات الطارئة في تونس منذ 25 تموز/ يوليو، والتي أزيحت خلالها “حركة النهضة الإسلامية” من الحكم، بعد تجميد البرلمان الذي تسيطر عليه، وحل الحكومة التي تأتمر بأمرها وعزم الرئيس قيس سعيد على عدم العودة إلى الوراء، وتوجهه إلى تغيير النظام السياسي إلى رئاسي، فضلاً عن حالة الغضب الشعبي من الحركة بعد فشلها في إيجاد حلول لأزمات البلاد خلال سنوات حكمها. وهو تزامن أحداث لن يمر من دون ارتدادات، إذ ستعزز خسارة إخوان المغرب مع تصميم سعيد على المضي في برنامجه القاضي بإبعاده الحركة عن الحكم. كما سيساهم ذلك في ارباك إخوان ليبيا الذين استفادوا من حالة الحرب ودعم تركيا العسكري للبقاء في الحكم، إذ تقول كل المؤشرات في هذا البلد إنه في حال إجراء الانتخابات الليبية المقررة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، فإن الإسلاميين سيمنون بهزيمة مدوية أيضاً. فهذه المتغيرات الحاصلة في المغرب وتونس وليبيا، ستشجع على إخراج الإسلاميين من الحكم، لا سيما أن هذه الجماعات خيبت آمال الشعوب وفشلت في إدارة الأزمات في هذه البلدان، حيث تضاعف الفقر والتهميش والفساد والانتهازية.

إقرأوا أيضاً: