fbpx

الإبادة المستأنفة لشيعة أفغانستان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما من قبيل القسوة، القول إن الحدثين الدمويين الأخيرين لم يفاجئا أحدا، لا داخل أفغانستان ولا خارجها، وأولهم الشيعة الهزارة، ذلك أنهم لم يعرفوا مصيرا سوى القتل، منذ نشأة أفغانستان بحدودها الجغرافية الحالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الفوضى التي تعيشها أفغانستان على كل المستويات، إثر انسحاب القوات الأميركية هذا الصيف، وصعود حركة طالبان مجددا، عادت إلى الواجهة مسألة “الإبادة العرقية”، التي يتعرض لها الشيعة الهزارة، منذ أكثر من قرن، وذلك بعدما ضربت تفجيرات انتحارية، في غضون أسبوع واحد، مسجدين شيعيين، الأول في مدينة خان آباد في ولاية قندز في الشمال، والثاني في مدينة قندهار في الجنوب، تبناهما تنظيم داعش الإرهابي، فرع خراسان.

ربما من قبيل القسوة، القول إن الحدثين الدمويين لم يفاجئا أحدا، لا داخل أفغانستان ولا خارجها، وأولهم الشيعة الهزارة، ذلك أنهم لم يعرفوا مصيرا سوى القتل، منذ نشأة أفغانستان بحدودها الجغرافية الحالية، كما أن بينهم وبين الحركة، تاريخ طويل من العنف الدموي، إبان دولتها الأولى في التسعينيات، أما التنظيم فقد سبق أن أفتى مشايخه في أفغانستان، بقتل الشيعة عموما، والهزارة خصوصا، باعتبارهم مرتدين عن الإسلام.

الشيء المختلف، في دورة العنف الجديدة ضد الشيعة الهزارة، هو أن الحركة هذه المرة خارجها، بعدما تعهدت بحسن إدارة التنوع في أفغانستان، واعتماد سياسة التسامح والانفتاح مع الأقليات، رغم أنها في الأيام الأولى لسيطرتها، وجهت رسالة فاقعة إلى الشيعة الهزارة، بتفجير تمثال زعيمهم عبد العلي مزاري في باميان، الذي تكن له بغضا شديدا، على خلفية صراعهما الدموي في التسعينيات. 

أما الجديد فيها، فهو الفراق بين التنظيم والحركة، الذي بدأ يتحول تدريجيا إلى عداء علني، رغم أنه لم ينجم عنه بعد، أي أذية للحركة بشكل مباشر، سواء لجسمها التنظيمي أو لقواعدها الشعبية العرقية والمذهبية، فتفجير مطار كابول طال الأميركيين، أما الهجمات الانتحارية، فاستهدفت الشيعة الهزارة دون سواهم، رغم وجود شيعة من قوميات أخرى، وهذا لا يعني أن الحركة موافقة على الاستهدافات ما دامت بهذا الإطار، بقدر ما هي غير قادرة على وضع حد لارتكابات التنظيم.

وكردة فعل على هذه الأحداث، بدأت مجموعات عرقية مختلفة الأحجام، ترفع صوت قلقها من احتمال غرق البلاد في مستنقع الفتنة الأهلية، على رأسها بالطبع، الشيعة الهزارة، الذين تفيض ذاكرتهم، بصور القتل والإبادة والترحيل والتشريد، على اختلاف الحكومات التي مرت على أفغانستان، كونهم الأقلية الوحيدة في البلاد، التي تعرضت سابقا، وما زالت تتعرض، لحملات إبادة منظمة، منذ قرن من الزمان، بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، خلال حكم الأمير عبد الرحمن خان، الذي وحد أفغانستان، وأحكم قبضته عليها، بمساعدة الاحتلال البريطاني، مستخدما القمع الوحشي ضد كل المتمردين من القبائل والأقليات.

الشيء المختلف، في دورة العنف الجديدة ضد الشيعة الهزارة، هو أن الحركة هذه المرة خارجها، بعدما تعهدت بحسن إدارة التنوع في أفغانستان، واعتماد سياسة التسامح والانفتاح مع الأقليات، رغم أنها في الأيام الأولى لسيطرتها، وجهت رسالة فاقعة إلى الشيعة الهزارة، بتفجير تمثال زعيمهم عبد العلي مزاري في باميان، الذي تكن له بغضا شديدا، على خلفية صراعهما الدموي في التسعينيات.

في ذلك الوقت، انتفض عدد من زعماء العشائر الشيعية من الهزارة، على سياسات الأمير الإلغائية، ولم يعترفوا بحكمه، إذ إن مناطقهم كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي، فهاجمهم مستعينا بفتوى دينية، أعلنت خروج الشيعة عن الإسلام، فحصلت مذبحة رهيبة، وترتب على إثرها هجرة جماعية إلى كويته في بلوشستان الباكستانية وإلى مشهد في خراسان في الأراضي الإيرانية، ومن وقع منهم في الأسر من أطفال ونساء، بيع في أسواق كابل وقندهار كعبيد وجوار، أما الرجال فقد ذبحوا وعلقت رؤوسهم على أبراج خصصت لهذا الغرض.

في إيران جرى استيعاب الناجين، وتغييرهم عرقيا تحت اسم “خاوريان” أي الشرقيين، واحتفظت قلة منهم باسم هزارة، فيما من لجأ إلى باكستان، لحقته الإبادة إليها في زمن طالبان وداعش. 

هذه الحقبة الدموية، رسمت مستقبل الشيعة الهزارة في أفغانستان، كأقلية متمردة، ترفض مركزية الحكم، كما زرعت بذرة الشقاق الأولى، بين السنة والشيعة وبالتالي بين الهزارة والبشتون، فالأمير كان من الأكثرية السنية البشتونية، وأخذت تتنامى وتكبر بسبب الصراعات المستمرة على الحكم، التي كانت تغذيها في كل مراحلها عوامل خارجية، لا تخرج من دائرة العرق والطائفة.  

وحتى وصول ظاهر شاه إلى الحكم، وهو آخر ملوك أفغانستان قبل الانقلاب، الذي حول أفغانستان إلى الحكم الجمهوري، قتل من الشيعة الهزارة أكثر من 10 آلاف شخص، غير أن الجمهورية لم تكن أكثر رأفة بهم من الملكية، فتواصلت حملات الإبادة، وسجلت هذه الحقبة مزيدا من المجازر الجماعية.

بعد دخول السوفييت وقيام الحكم الشيوعي، توقفت الحروب الطائفية والعرقية، وتعاونت كل الجماعات الأكثرية والأقلية، السنية والشيعية معا، في “الجهاد” ضد المحتل السوفييتي والحكومة التابعة له في كابل، إلا أن هذه المرحلة لم تطل، حيث عاد المجاهدون بعد انسحاب السوفييت، في نهاية الثمانينيات إلى الاقتتال الداخلي، وشنوا هجمات دامية ضد الشيعة الهزارة، فشهدت كابل ومدن ومناطق أخرى مجازر رهيبة.

إلى أن جاء دور طالبان وحكومتها، مع مطلع التسعينيات، فارتكبت أفظع المجازر الدموية في تاريخ أفغانستان، التي لم تسلم منها أي عرقية أو طائفة، غير أن الشيعة الهزارة كانوا على رأس القائمة، حيث كان قتلهم واجبا دينيا وجهادا يوميا، فتعرضوا لمجازر وحشية تصل إلى مستوى التطهير العرقي، في كابل وهرات وقندهار ومزار شريف وباميان وغزنة وزابل ومالستان وبلخ وغيرها، راح ضحيتها كما يقال 18 ألف شخص، كما شهدت فترة حكم طالبان الأولى، تغييرا ديمغرافيا، حيث جرى تهجير مئات العائلات الشيعية الهزارية من مواطنهم الأصلية (هزاره جات) وإسكان عائلات من عرقيات أخرى مكانهم.  

تحسنت أوضاع الشيعة بعد الغزو الأميركي لأفغانستان وإسقاط حكم طالبان، لكن لم يمض وقت طويل، إلا وانتعشت مجددا، وعادت تقاتل الحكومة الأفغانية والجيش ومعهما قوات التحالف، ثم شهدت هذه الفترة صعود تنظيم داعش، فتعاونت الحركة والتنظيم في تنظيم المجازر بحق من تبقى من الشيعة الهزارة، فحصلت مجازر رهيبة في ميرزاولنك وباغچار وبهسود وغيرها، حصدت الآلاف كالعادة.

هناك إحصائيات وأرقام دقيقة وثقت هذه الجريمة المتسلسلة، تسعى النخب الأفغانية إيصالها إلى المجتمع الدولي، من أجل تحصيل اعتراف بالإبادة العرقية، إضافة إلى المطالبة بحق العودة، بعد أن تحول معظم الشيعة الهزارة إما إلى نازحين في بلادهم وإما لاجئين في بلاد الآخرين، وفي الحالين هم خارج موطنهم الأصلي هزاره جات.

هناك إحصائيات وأرقام دقيقة وثقت هذه الجريمة المتسلسلة، تسعى النخب الأفغانية إيصالها إلى المجتمع الدولي، من أجل تحصيل اعتراف بالإبادة العرقية، إضافة إلى المطالبة بحق العودة، بعد أن تحول معظم الشيعة الهزارة إما إلى نازحين في بلادهم وإما لاجئين في بلاد الآخرين، وفي الحالين هم خارج موطنهم الأصلي هزاره جات.

تاريخيا، يشار إلى أن الهزارة من أصول مغولية، قدموا إلى أفغانستان زمان غزو جنكيز خان للمنطقة، وسكنوا وسط أفغانستان، في منطقة جبلية وعرة وجرداء تطل على وديان ضيقة أشبه بالممرات، واشتغلوا بالزراعة والرعي، وسميت المنطقة لاحقا على اسمهم، هزاره جات أي أرض الهزارة، وهناك رأي آخر يفيد بأن أصل الهزارة بدو أتراك، قدموا من منطقة بحر الخزر (قزوين)، فهم خزارة، لكن اللسان التركي لا يلفظ الخاء، لذلك انقلب الاسم إلى هزارة، ورأي ثالت يؤكد أن أصولهم فارسية، واسمهم مشتق من كلمة هزار الفارسية التي تعني العدد ألف، وقد اكتسبوها من جغرافية مناطقهم الوعرة، التي تحوي ألف واد وألف حفرة وألف ممر وألف مرتفع، وما يدعم أرجحية هذا الرأي، أن الهزارة يتحدثون اللغة الفارسية المطعمة بمفردات مغولية وتركية، وينتمون بالغالب إلى المذهب الجعفري كأشقائهم الإيرانيين.

علما أنه ليس كل الهزارة شيعة، وليس كل الشيعة هزارة، الغالبية منهم على المذهب الجعفري، وأقلية منهم على المذهب الاسماعيلي، وهناك أقلية داخل هذه الأقلية من الأحناف والنورستانيين وعلي اللهي، وهم يتوزعون على عدد من القوميات مثل: قزلباش، سادات، هراتي، ومجموعات صغيرة من الطاجيك والبلوش وحتى البشتون وغيرها، ويشكلون بكل تقسيماتهم حوال ثلث السكان، يتوزعون على 34 مقاطعة من ضمنها 10 ولايات في منطقة هزاره جات، والتشيع هو ثاني أكبر مذهب بعد المذهب الحنفي في أفغانستان، بينما تشكل عرقية الهزارة حوالي 25% من السكان، وهي ثالث عرقية من العرقيات الأربعة الأساسية، وتأتي بعد البشتون والتاجيك وقبل الأوزبك، وقد ورد ذكرها في الدستور كواحدة من المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد.

إقرأوا أيضاً:


الإسماعيليون

الشيعة الاسماعيليون معروفون باسم كياني، نسبة إلى زعيمهم التاريخي سيد نادر شاه كيان، المنحدر من منطقة وادي كيان في إقليم بغلان، معقل الإسماعيلية، وهم يقطنون أيضا، نواحي متفرقة من منطقتي دوشي وكيله گي، وأجزاء من وديان صوف وبدخشان، وبعض مناطق باميان، شيبر، شنبل وعراق، ووادي الميدان في نواحي پروان، وفي منطقتي شيخ علي وسرخ پارسا.

الجعفريون

خارطة الشيعة الجعافرة من الهزارة والاثنيات الأصغر حجما، متوزعة على الشكل التالي:

هرات: يشكل الهزارة أغلبية سكانها.

هلمند: تحول الهزارة فيها إلى أقلية بعد مقتلة الأمير وما تلاها.

 ولايتا نيمروز وفراه: يعيش فيهما أثرياء الهزارة وبعض البلوش. 

قندهار: عاش فيها الهزارة آلاف السنين، قبل أن تصبح مقبرة لهم زمن طالبان، تضم إلى جانبهم تنوعا شيعيا عرقيا من بشتون وبلوش وقزلباش وغيرهم. 

كابل: تضم كابل أكبر مجموعة من التنوع العرقي الشيعي، بالأخص غربها، وبعض ضواحيها، ويعيش فيها الهزارة، قزلباش، چنداولي، كردي، خوافي وسادات، ويتجاوز عددهم الميلونين، أو يقارب نصف سكان كابل. 

لوگر وپكتيا: يعيش فيهما هزارة منحدرون من قبائل قلمود وخواجه ودايى مراد، إضافة إلى مجموعة من الشيعة السادات.

 بدخشان: يعيش في هذه المقاطعة مجموعة من التاجيك الإسماعيليين، جنب إلى جنب عدد كبير من قبائل الهزارة الجعفريين، الذين يسمون التاجيك الجعفريين.

قندز: تشكل هذه الولاية عصب الهزارة الاقتصادي، أغلبهم أتوا إليها مهاجرين، من مناطق هزاره جات، وفي هذه الولاية يعيش الهزارة الأحناف أيضا، وهم أقلية فقيرة مهمشة حتى من إخوانهم الشيعة.

– تخار: ينتشر الهزارة في مناطق مختلفة من هذه الولاية، وهم أقلية.

– جلال آباد، لغمان وكاپيسا: يعيش في هذه المناطق إلى جانب أقلية من الهزارة مجموعات من الشيعة النورستانية وعلي اللهي. 

– زابل: في هذه الولاية أيضا، تعيش أقلية من الهزارة مع مجموعات من الشيعة المعروفة باسم قلاتي.

إقرأوا أيضاً: