fbpx

محاكمة عامر عيّاد: هل تقع تونس
في فخ القضاء العسكري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وضع الحقوق والحريات في تونس بات يقلق الجميع ليس بسبب عدد المحاكمات العسكرية في ما يتعلق بالرأي وحسب، بل أيضاً بسبب تواصل حملات السحل الإلكتروني ضد منتقدي قيس سعيد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“سيدي آكل الدستور لا تستطيع أن تغطي انقلابك بفستان امرأة… هل سمعت أيها… أيها الحانث بيمينك…

ليس لديك إلا نهايات ثلاث، نهاية أخيك هتلر الذي اختار الانتحار على العار أو نهاية مشرفة تستقيل فيها احتراماً لدولتك أو سترى عاصفة تجتاحُ قصرك”.

كانت هذه مقتطفات من الكلمة التي وجَّهها الإعلامي التونسي في قناة “الزيتونة” الفضائية عامر عيَّاد إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال حصته “حصاد 24″، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وأرفقها بقصيدة للشاعر أحمد المطر. 

حلقة تلفزيونية أصدر على إثرها  قاضي التحقيق العسكري التونسي بطاقة إيداع بالسجن في حق عيّاد في قضية ما يعرف إعلامياً بـ”قصيدة أحمد مطر”. 

مقدمة عيّاد، والتي وصفها أنصار “حركة النهضة” بالنارية وكذلك فعل معارضو سعيّد، خلقت جدلاً واسعاً في الأوساط الصحافية والحقوقية التونسية بين من اعتبرها تجاوزاً لحرية الرأي والتعبير والصحافة، ورأى أنها سباب وشتم يستوجب المساءلة والعقاب، وأن خطابه يرتقي فعلاً إلى تحريض الجماهير على الفوضى والاقتتال ومهاجمة رأس الدولة أي رئيس الجمهورية، وبين من دعمَ حق عياد في التعبير عن رأيه والنقد اللاذع، واستغرب كمية الهجوم على شخص الرجل لمجرد إلقائه قصيدة لأحمد مطر “بتصرف” كما استهلها هو، أو لتشبيهه رئيس الجمهورية بهتلر.

مالك بن عمر وهو محام  وعضو فريق الدفاع عن عامر عيَّاد، يوضح لـ”درج” أنَّ أي صحافي أو إعلامي ليس فوق القانون، وإن قام  بخطأ خلال ممارسته مهنته، فتجب محاكمته وفق المرسوم 115 المؤرّخ في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. وليس إحالته على محاكمة عسكرية.

يقول، “المحاكمات العسكرية تذكرنا بممارسات نظم ديكتاتورية وحكم الفرد الواحد، ومن المعروف أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يثق في القضاء العدلي (المدني)، لذلك يلجأ إلى محكمة العسكرية”. 

ويشدّد بن عمر على وجوب عدم  الاعتماد على المحكمة العسكرية لأنها محكمة استثنائية، والقضاة فيها يتبعون السلطة التنفيذية أي في كل الأحوال سينفذون أوامر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهم عسكريو التكوين والانتماء، مؤكداً أن استقلالية القاضي أمر صعب في ظل محكمة عسكرية.

ويواجه عامر عياد جملة من التهم وهي “التآمر على أمن الدولة الداخلي” والمقصود به تبديل هيئة الدولة والدعوة إلى العصيان وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة، ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي (حكومي) دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك والمس بكرامة الجيش الوطني وسمعته والقيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم وانتقاد أعمال القيادة العامة والمسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس من كرامتهم.

وينص الفصل 72 من المجلة الجزائية التونسية والذي بموجبه يحاكم عياد على أن يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي.

إقرأوا أيضاً:

الكاتبة السياسية منية العرفاوي ترى محاكمة عيَّاد عسكرياً وحبسه، مسألة خطيرة جداً، ويجب ألا تحدث في ديموقراطية يفترض أنها تجاوزت عهداً من الديكتاتورية والقمع والتضييق على الكلمة، وتؤكد العرفاوي لـ”درج”، أن الشخصيات العامة والأشخاص الذين يشغلون المناصب السياسية  العليا  كرؤساء الدول والحكومات، عليهم تقبل المعارضة السياسية والنقد مهما كان حجمهما ولا يمكن تقييد حرية الرأي والتعبير بعقوبات توضع في خانات  “المس بكرامة” او  “التشهير” و”القدح بشخصية عامة” او “مؤسسة عامة”، مثلما تم الزج بعيَّاد واتهامه بالاعتداء على رئيس الجمهورية وعلى المؤسسة العسكرية.

“أن تكون سياسياً يعني أنك وافقت على أن يتم شتمك طوال حياتك، بمعنى أن من يمارس السياسة ويكون تحت الأضواء، عليه ألا يتوقع أن تفرش له الزهور بل سيجد من يصفق له ومن يريد أن يبصق في وجهه. لذلك أنا أحبذ ألف مرة حرية فوضوية لا تخلو من الخروقات على الوقوف في طابور الأخلاق الحميدة بانضباط وراء حاكم لا يريد أن يسمع إلا  هسيس الفراشات من حوله”، تضيف.

وجاء في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكلِّ شخص حق التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء من دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود. كما نص الدستور التونسي في الفصلين 31 و32 والمعتمد منذ عام 2014، على أن حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر مضمونة. كما تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة وتسعى إلى ضمان النفاذ إلى شبكات الاتصال.

“النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين” أصدرت بياناً عبَّرت فيه عن رفضها المحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم، واعتبرت   ذلك انتكاسة لحرية التعبير وضرباً للديموقراطية وحق الاختلاف.

كما عبرت عن رفضها التام لتتبع الصحافيين وأصحاب الرأي على خلفية آرائهم وأفكارهم، من دون أن تسمّي عامر عياد صراحة. ورأت أن الأخطاء المهنية وقضايا النشر مجالها الهيئات التعديلية للمهنة الصحافية إضافة إلى المرسومين 115 للصحافة والطباعة والنشر و116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري،  كإطار وحيد لتنظيم الصحافة في تونس.

“المحاكمات العسكرية تذكرنا بممارسات نظم ديكتاتورية وحكم الفرد الواحد”

عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين وجيه الوافي يوضح لـ”درج” إنه من المحتمل أن يكون عامر عياد قد تجاوز القانون بشكل ما خلال برنامجه، لكن هذا ليس حجة لمحاكمته عسكرياً وسجنه لأجل كلمة أو رأي، وعبَّر الوافي عن قلقه على واقع الحريات الصحافية والإعلامية في تونس بعد استخدام القضاء العسكري أداة لمحاصرة المعارضين والمنتقدين لرئيس الجمهورية.

أما “جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات” وعلى رغم ما جاء في بيانها من رفض لما اعتبرته خطاباً ذكورياً ومعادياً للحقوق الإنسانية للنساء والذي تناول به الإعلامي عامر عياد شأن رئيسة الحكومة المعينة حديثا نجلاء بودن، إلا أن الجمعية أدانت بشدّة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وطالبت بإطلاق سراح الإعلامي عامر عياد ودعت السُلطات التونسية إلى التوقف عن استغلال القضاء العسكري لتصفية المنتقدين والمعارضين لرئيس الجمهورية قيس سعيد.

المحامي مالك بن عمر يرى أن رئيس الجمهورية مسؤول بشكل مباشر عن هذه المحاكمات العسكرية، مشيراً إلى وجود أكثر من 5 قضايا الآن في المحاكم تدور في فلك حرية الرأي والتعبير والخصم فيها هو قيس سعيد.

الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عندما ساءه ما كتبه مواطن في حقه رفع قضية لدى القضاء المدني وخسرها… الوضع قبل 25 تموز/ يوليو لم يكن وردياً، لكنه أقل خطراً من اليوم، فكل ناقد لقيس سعيد قد يجد نفسه في السجن، ومن الغريب ألا يتنازل رئيس الجمهورية عن كل هذه القضايا إذا كان حقاً مثلما يدّعي، يحترم حرية الرأي والتعبير، هذا إن لم تكن كل هذه القضايا في الأصل بإيعاز منه.

وضع الحقوق والحريات في تونس بات يقلق الجميع ليس بسبب عدد المحاكمات العسكرية في ما يتعلق بالرأي وحسب، بل أيضاً بسبب تواصل حملات السحل الإلكتروني ضد منتقدي قيس سعيد، إضافة إلى الانتهاكات البوليسية ضد المواطنين والنشطاء الحقوقيين التي تمر من دون عقاب، كان آخرها اعتداء رجال الشرطة بالضرب المبرح على الناشط الكويري بدر بعبو ليلة 21 تشرين الأول، ما يؤكد أن الدولة التونسية ترزح حالياً تحت حكم النظام البوليسي إنما بأذرع جديدة، منها القضاء العسكري.

إقرأوا أيضاً: