fbpx

إلغاء خانة الديانة في مصر:
محاولات مبتورة للقضاء على التمييز

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

“على جهات الدولة ترك الحرية للفرد لتكون العلاقة بينه وبين ربه علاقة خاصة لا دخل لمؤسسات الدولة بها”. الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى، ألقى بحجارة  صغيرة في المياه الراكدة بمطالبته بحذف خانة الديانة عن البطاقات الشخصية، أثناء كلمته أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جلسة النقاش في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وخلال كلمته أشار إلى أن خانة الديانة حديثة العهد في مصر، إذ فرضت على البطاقات الشخصية للمواطنين  عام  1956، و”لا يمكن ونحن نتحدث عن استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان أن نبقي على خانة الديانة… لا علاقة للحكومة بديانة المواطن”. محاولة عيسى في هذا الشأن والتي اعترض عليها وزير العدل عمر مروان، لم تكن الأولى؛ فهناك محاولات كثيرة مماثلة وئدت في مهدها بسبب تمسك صُناع القرار بهذه الخانة، بزعم ما يترتب عليها في التعاملات بين المواطن والحكومة في أمور الزواج والميراث والإجراءات الرسمية التي تحتاج إلى توضيح هوية صاحبها الدينية. عدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين في الأوراق الرسمية والتعاملات الحكومية وإلغاء المعوقات الحائلة دون تحقيق المساواة بين كل المصريين بغض النظر عن قناعاتهم الدينية، أصبح مطلباً ضرورياً. الأقليات الخاسر الأكبر دائماً ما تدفع الأقليات الدينية ثمن تمسك العقل الجمعي بتغليب الدين على حساب المواطنة في التعاملات اليومية، سواء بين المواطنين أو بينهم وبين الجهات الحكومية، فتكون هذه الأقليات…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“على جهات الدولة ترك الحرية للفرد لتكون العلاقة بينه وبين ربه علاقة خاصة لا دخل لمؤسسات الدولة بها”.

الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى، ألقى بحجارة  صغيرة في المياه الراكدة بمطالبته بحذف خانة الديانة عن البطاقات الشخصية، أثناء كلمته أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جلسة النقاش في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وخلال كلمته أشار إلى أن خانة الديانة حديثة العهد في مصر، إذ فرضت على البطاقات الشخصية للمواطنين  عام  1956، و”لا يمكن ونحن نتحدث عن استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان أن نبقي على خانة الديانة… لا علاقة للحكومة بديانة المواطن”.

محاولة عيسى في هذا الشأن والتي اعترض عليها وزير العدل عمر مروان، لم تكن الأولى؛ فهناك محاولات كثيرة مماثلة وئدت في مهدها بسبب تمسك صُناع القرار بهذه الخانة، بزعم ما يترتب عليها في التعاملات بين المواطن والحكومة في أمور الزواج والميراث والإجراءات الرسمية التي تحتاج إلى توضيح هوية صاحبها الدينية.

عدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين في الأوراق الرسمية والتعاملات الحكومية وإلغاء المعوقات الحائلة دون تحقيق المساواة بين كل المصريين بغض النظر عن قناعاتهم الدينية، أصبح مطلباً ضرورياً.

الأقليات الخاسر الأكبر

دائماً ما تدفع الأقليات الدينية ثمن تمسك العقل الجمعي بتغليب الدين على حساب المواطنة في التعاملات اليومية، سواء بين المواطنين أو بينهم وبين الجهات الحكومية، فتكون هذه الأقليات الخاسر الأكبر في هذه المعركة غير المتكافئة بين أغلبية مسلمة وأقلية تجد نفسها عرضة لانتهاكات، يغطيها القانون، تحت دعوى الحفاظ على الدين من المتلاعبين.  

عام 1960 صدر القرار الجمهوري 263،  بإلغاء المحافل والإدارات البهائية، لم يكن ذاك مؤثراً على حقوق البهائيون المصريون المدنية، لكن مع الوقت ازدادت الضغوط التي واجهوها، فوجدوا أنفسهم تدريجياً مخيرين بين التخفي من انتمائهم الديني بتسجيل أنفسهم في الأوراق الثبوتية بأحد الأديان “الإسلام- المسيحية”، أو عدم استخراج بطاقات هوية، ما يترتب عليه تعطيل أي إجراء رسمي، والتحايل لإتمام أبسط المصالح اليومية من إنهاء معاملات بنكية، وتوثيق قسائم الزواج، واستخراج شهادات ميلاد للأطفال، وغيرها من الإجراءات التي تمثل تحدياً أمام كل بهائي.

وبحسب “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، كانت مصلحة الأحوال المدنية منذ 2004، تجبر المواطنين البهائيين على التظاهر باعتناق الإسلام أو المسيحية وفقاً لاسم العائلة مقابل منحهم أي وثائق رسمية، بعدما دأبت على كتابة “أخرى” أو وضع (-) أمام خانة الديانة في أوقات سابقة. 

عدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين في الأوراق الرسمية والتعاملات الحكومية وإلغاء المعوقات الحائلة دون تحقيق المساواة بين كل المصريين بغض النظر عن قناعاتهم الدينية، أصبح مطلباً ضرورياً.

المحامي نجيب جبرائيل، رئيس “منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان”، في دعواه القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالب بإلزام وزير الداخلية ومساعده لقطاع الأحوال المدنية بإلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية.

وأوضح جبرائيل في دعواه أن علاقة الإنسان بربه لا تحتاج إلى إقرارها في البطاقة الشخصية التي ينحصر دورها في التعامل مع مؤسسات الدولة، ما يعني أن إيمان المواطن لا يصح أن يكون مجرد لفظ مكتوب على بطاقة الرقم القومي، مشيراً إلى الكثير من الممارسات السيئة التي ترسو بتضييق الخناق على المواطنين المسيحيين نتيجة الإبقاء على خانة الديانة، مثل عدم التعيين في الوظائف الكبرى، أو رفض التحاقهم في الأندية والفرق الرياضية، وصولاً إلى التحكم بعقود الإيجار ورفض المشاركة في السكن بسبب الدين. 

الحالة الأخيرة تحديداً المتعلقة بالسكن فتحت باباً للنقاش على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما سجلت شيرين شريف -صاحبة الاسم المحايد الذي لا يظهر ديانتها- واقعة تمييز تعرضت لها أثناء ذهابها لشراء شقة، كان يمكن تجنبها لو أن البطاقة لا تحمل هويتها الدينية.

 كتبت على “فايسبوك”: “ذهبت لمعاينة شقة في شارع الحجاز في مصر الجديدة مع مندوبين من شركة للعقارات قابلنا هناك صاحب الشقة وأخته.,. أشخاص في عمر والديّ .. عاينت الشقة وأعجبتني، ثم تناقشنا في السعر وأوراق الملكية وحتى تفاصيل موعد تسليم الشقة”.

توضح شريف أنها عقب مغادرتها اتصلت صاحبة الشقة بمندوب الشركة و كانت لا تزال معه، “سألته عن ديانتي قال لها إني مسيحية”، وفي المساء أبلغه مُلاك الشقة أنهم يرفضون بيع الشقة لها كونها مسيحية، وهي بدورها اتصلت للتأكد منه فأخبرها بأنهم خائفون من ألا ترتاح هناك وسط المسلمين.

تقول شيرين: “شعرت بالغضب والاستياء من دولة وشعب يتعايشان مع مثل هذا الموقف باعتيادية شديدة ما يعني أن التخلف والإرهاب الفكري والطائفية متجذران في مجتمعنا ليس فقط بين المهمشين وغير المتعلمين”.

إقرأوا أيضاً:

 واقعة أخرى سلط الإعلام عليها الأضواء،  كانت من نصيب مجموعة طلبة في جامعة القاهرة، قدموا شكاوى متكررة لممارسة أعضاء هيئة التدريس تمييزاً دينياً ضدهم، حتى قرر بعدها دكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة عام 2016 إلغاء خانة الديانة من الشهادات والمستندات والأوراق التي تتعامل بها الجامعة مع طلابها، ما أثار ضجة كبيرة وقتها، ولاقى القرار هجوماً عنيفاً من المتابعين وأصحاب الآراء التي تتمسك بإظهار الهوية الدينية، إذ اعتبروا أن إلغاءها تغيير في ثوابت اعتاد عليها المجتمع.

في هذا الوقت، غرد نصار منفرداً بعيداً من السرب، وتمسك بالقرار الذي اتخذه بعد التأكد من قيام رؤساء أقسام إحدى كليات الجامعة بتوزيع استمارة على الطلاب الراغبين في إتمام الدراسات العليا، فيها خانة تعريفية بالديانة والطائفة، ما اعتبره إجراءً متطرفاً وغير دستوري. 

محاولة رئيس الجامعة التي قوبلت بترحيب كبير ودعم من المؤسسات الحقوقية، وعدد من النواب المؤيدين لهذه الخطوة لم ترقَ لتغيير شيء، وانضمت إلى نظيراتها من المحاولات السابقة، وظل الوضع كما هو عليه. 
في العام نفسه 2016، طرح النائب علاء عبد المنعم، مشروع قانون المواطنة وعدم التمييز بين المصريين، وجاء في إحدى مواده المطالبة بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي والوثائق الرسمية، وعدم فرض إفصاح المواطنين عن ديانتهم إلا في حالات الإجراءات القانونية كالزواج والميراث. واستطاع أن يحصل على توقيع 60 نائباً في البرلمان، مستنداً في ذلك إلى المادة 53 من الدستور التي تنص على “مساواة المواطنين أمام القانون ولا تمييز بينهم على أساس الدين أو العقيدة أو الجنس أو العرق أو اللون..”
أعلنت وقتها “المؤسسة المصرية لحماية الدستور”، تأييدها قرار جابر نصار، واعتبرت أن إلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية تدبيراً مطلوباً في طريق احترام الدستور الذي ألزم مؤسسات الدولة العامة والخاصة، باحترام المواطنة وتحقيق تكافؤ الفرص بين المصريين، وعدم التمييز بينهم إلا على أساس الكفاءة وليس الدين أو الجنس أو اللون. 
لكن على الجانب الآخر، حسمت “هيئة كبار العلماء في الأزهر” موقفها، معلنة رفض إلغاء خانة الديانة من البطاقة، كونها تدخل ضمن المستندات التي تثبت شخصية وهوية الناس أمام الدولة، وتكشف عن الديانات السماوية وغيرها لحماية المجتمع من نسب المختلفين في العقيدة الدينية ومصاهرتهم.

إشكالية وجود خانة الدين في الأوراق الرسمية لا تؤثر في معتنقي الديانات المغايرة للإسلام فحسب، ولكنها أيضاً تلزم غير المعتنقين للأديان من الأساس على الإدعاء والكذب.

 إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، قال: “التمسك بإظهار الهوية الدينية للمواطنين نابع من رفض الاعتراف بحق المواطن في اختيار دين بعيد من الأديان السماوية، هذا بخلاف الانطباع الذي تعطيه الدولة بالاهتمام بمعرفة ديانة الشخص، وبالتالي يمكن أن يمارس الموظف المسؤول على إتمام إجراء حكومي ما، تمييزاً بناء على ديانة المواطن الماثل أمامه”. 

“على جهات الدولة ترك الحرية للفرد لتكون العلاقة بينه وبين ربه علاقة خاصة لا دخل لمؤسسات الدولة بها”.

الواقع أجدر بالتغيير 

على رغم تأكيد كمال زاخر المفكر بالشؤون القبطية  أهمية حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية، إلا أنه يجد تغيير الواقع أولى وأهم بالحديث عنه، فهذه الخطوة وإن كانت ضرورية غير أنها لن تكون مؤثرة إذا ظلت ممارسات التمييز الديني شائعة بين المواطنين، لا سيما أن هناك مظاهر أخرى كاشفة عن ديانة الشخص دون الحاجة لفحص أوراقه، مثل الأسماء الدالة على الدين المسيحي أو الإسلامي، أو الأزياء النسائية بخاصة الحجاب، أو وشم الصليب. كل هذه الدلالات تقدم للموظفين والمسؤولين الحكوميين تعريفات عن طبيعة معتقد المواطن، وهنا لن يجدي معها نفعاً حذف خانة الدين إذا كانت عقلية الموظف لا تزال تفرق بين المسيحي والمسلم.

 يقول كمال زاخر لـ”درج”: “الأفضل والأولى بالاهتمام تغيير الذهنية العامة للمواطنين، وحثهم على التعامل مع الآخر كشريك في الوطن بعيداً من ديانته، والأهم ترسيخ قواعد حقوق الإنسان في المؤسسات الإعلامية والمدنية، وأيضاً لدى الجهات الرسمية المنوطة بإعمال القوانين وتنفيذها”.

مع أهمية حذف خانة الديانة، يشدد إسحاق إبراهيم  على قيمة سن القوانين التي تجرّم التمييز وتحول دون وقوعه، مؤكداً أنه في حال إلغاء خانة الدين من البطاقة لن نستيقظ على مجتمع بلا تمييز وتنمر، ففي النهاية لا بد من التوعية بجانب تطبيق القوانين الصارمة على المخالفين.

الحاجة إلى تغيير الواقع حقيقة لا خلاف عليها، وهو الاتجاه العام السائد حالياً والرأي الأكثر انتشاراً بين عموم المواطنين والمسؤولين أيضاً، وحتى ذلك اليوم، تظل خانة الديانة في البطاقات والأوراق الثبوتية مرادفاً للإصرار على إبقاء أحد مظاهر التمييز بين المواطنين والتفرقة بينهم على أساس الدين والمعتقد.

إقرأوا أيضاً: