fbpx

محاولات “دينية” لمنع الغناء في بابل:
فتّشوا عن السياسة أيضاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اعتراض المجموعات لا يتعلق بالجانب الديني فقط بل هناك مخاوف من انفتاح عراقي تجاه المجتمعات العربية وزيادة مستوى الوعي، مقابل محاولات لإبعاد العراق من محيطه العربي وطمس هويته الفنية التي لا ترتبط بالغناء فقط، بل بالفنون المسرحية والتمثيلية وغيرها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد أكثر من 18 عاماً من توقفه بسبب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وعلى رغم الحملات الدينية لإيقاف فقراته الغنائية وما رافقها من نقاشات حادة بين العراقيين، وعلى رغم محاولات قطع الطرق المؤدية إليه من قبل معتصمين أحرقوا الإطارات في وجه الوفود الآتية، انطلق مهرجان بابل، في 28 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وشهد إقبالاً كبيراً، ونفدت بطاقات الدخول إليه منذ اليوم الأول، وقد وصل سعر البطاقة إلى 25 ألف دينار عراقي (ما يقارب 17 دولاراً أميركياً).

المهرجان الذي كانت أولى انطلاقته عام 1985 على أرض محافظة بابل وسط العراق، وتحديداً في المدينة الأثرية التابعة لها، يختص بعرض جميع أشكال الفنون المحلية والعالمية كالمسرح والغناء والموسيقى، وتجتمع من خلاله 50 دولة تقريباً في كل عام، فضلاً عن حضور شخصيات فنية من الوسط العربي والعالمي، لينافس بحجمه مهرجانات أخرى كمهرجان القاهرة وقرطاج.

وظفته الحكومة العراقية خلال السنوات التي سبقت عام 2003 للترويج للمواقع الأثرية وأهميتها، فضلاً عن إبراز المواقع السياحية والدينية، وجعلته منطلقاً سياسياً للحديث عن مشكلات الشعب العراقي وما لحق به من آثار الحصار الاقتصادي إبان حرب 1991.

وتضم مدينة بابل التاريخية التي تبعد من مركز المحافظة قرابة 10 كلم، التمثال الشهير لأسد بابل ومرقدين للنبيين أيوب وذي الكفل، واثاراً كثيرة تعود للإمبراطوريات التي حكمت ارض العراق منذ الاف السنين.

هجمة تجاه المهرجان

اصطدم منظمو المهرجان، وعلى رأسهم الحكومة العراقية، بدعوات، تصدرتها جماعات دينية وأخرى سياسية محلية، تطالب بإلغاء الفعاليات الغنائية في المهرجان، وذلك تحت ذرائع مختلفة، أبرزها احتضان المدينة المراقد والمزارات الدينية وقربها من مدينتين دينيتين هما النجف وكربلاء، والتذرع برفض طلبة العلوم الدينية في تلك المدن لإقامة هكذا مهرجان.

لم يقف الأمر عند هذا الحد. إذ أقدمت مجموعة من الشباب يتصدرهم بعض رجال الدين على إقامة صلاة المغرب مساء 27 تشرين الأول 2021 (عشية انطلاق المهرجان) عند الطريق المؤدي إلى بوابات مدينة بابل الاثرية كنوع من أنواع الرفض المعلن لإقامة المهرجان فيها.

صدر الدين القبانجي، وهو رجل دين وخطيب جمعة في النجف، غرد عبر “تويتر” قائلاً، “نشجب ونستنكر ونستغفر الله تعالى من المهرجانات التي تقام في بغداد وبابل” ووصفها بـ”الخليعة” ودعا الحكومة إلى تحمّل عواقب ذلك.

وتداولت مجموعات دينية مقاطع فيديو يظهر فيها رجال دين يطالبون الجمهور بمنع إقامة المهرجان محاولين توظيف ما حصل من هجوم إرهابي على مدينة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى شرق العراق لمصلحتهم، وذلك من خلال مواساة ذوي القتلى والجرحى في هذا الحدث، معتبرين أن ما يقام من فعاليات فيه إهانة للدماء التي سالت لأجل البلاد.

يذكر أن تاريخ الموسيقى والفن في العراق يعود الى حضارات سومر وبابل وآشور وتم العثور على عدد من القطع الأثرية، تعود إلى حقبات ما قبل التاريخ فيها دلائل لاستخدام الآلات الموسيقية مثل القيثارة، حيث يعتقد أن أقدم قيثارة وجدت في العالم حتى الآن هي قيثارة أور الشهيرة التي وجدت في أور جنوب العراق.

إقرأوا أيضاً:

جهات رسمية تعترض ثم تنفي

أكملت إدارة المهرجان استعداداتها لانطلاقة المهرجان، وبعد وصول معظم الفنانين العرب إلى العراق، وأبرزهم هاني شاكر وشمس الكويتية وشذى حسون وحاتم العراقي ونوال الزغبي وآخرون.

لكن الحكومة المحلية في بابل خرجت وبشكل مفاجئ وقريب جداً من موعد انطلاق المهرجان بوثائق ومخاطبات رسمية تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بطلب عاجل للشركات الراعية للمهرجان بإيقاف الفقرات الغنائية للمهرجان لأنها “تتعارض مع المطالبات الشعبية والدينية في المدينة”، وسرعان ما قامت السلطات الرسمية بنفي ما نُشر. 

النشطاء والمدونون كانت لهم مواقف صريحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشبه ما تكون بحملة مضادة وبطريقة ساخرة تجاه تلك الدعوات التي تعمل على الغاء فقرات المهرجان. فمنهم من كتب أن فقرات المهرجان ستقتصر على الأناشيد الدينية والالتزام بالتباعد ما بين النساء والذكور. ومنهم من كتب منشورات جادة وناقمة على الوضع الحالي الخاص بالتعامل مع المهرجان، وسُجّل اعتراض على مفهوم الكيل بمكيالين في التعامل مع مجريات الوضع العراقي من قبل الجهات الدينية وطالبوها بمحاسبة الفاسدين في البلاد بدل الانشغال بمهرجان بابل وغيره من الفعاليات الترفيهية.

فيما سخر مدونون آخرون من الوضع، ناشرين صوراً لفنانين وهم يرتدون ملابس الحزن ويندبون الحظ لمجيئهم إلى العراق.

واستهجن صحافيون في منشوراتهم طريقة التعامل مع الفن العراقي بالتضييق والتدخل فيه من قبل جهات دينية.

وقارنوا بين ما يحصل في العراق وما شهدته السعودية في الفترة الأخيرة من حفلات ومهرجانات في الرياض وجدة ولم تعترض على ذلك المؤسسات الدينية في مكة المكرمة أو المدينة المنورة.

رسائل المهرجانات

يرى مراقبون للشأن الفني والثقافي العراقي أن إقامة المهرجانات والمؤتمرات الفنية تعيد الزخم الفني العراقي من جديد الى موقعه السابق، إذ كان ينافس بلدان المنطقة في نشاطات كهذه.

الناشط صلاح نصر يجد أن اعتراض تلك المجموعات والجهات لا يتعلق بالجانب الديني فقط بل هناك مخاوف من انفتاح عراقي تجاه المجتمعات العربية وزيادة مستوى الوعي، مقابل محاولات لإبعاد العراق من محيطه العربي وطمس هويته الفنية التي لا ترتبط بالغناء فقط، بل بالفنون المسرحية والتمثيلية وغيرها.

 ويرى الكاتب وسام الموسوي ان ما تفعله الجماعات الدينية يعد مؤشراً خطيراً قد يثير مشكلات في المستقبل إذا ما تم الانصياع لها، فهي تحاول اقتياد الناس عبر العواطف مع تغذية عقولهم بأفكار متطرفة وهذا ما قد يخلق حالات تذكّرنا بنهج تنظيم “داعش”. 

نقيب الفنانين في العراق جبار جودي يرى في فعاليات المهرجان صورة تعكس الوجه الفني الحقيقي للعراق وصورة أخرى للمدن المستقرة أمنياً، بعدما خاضت المؤسسة العسكرية العراقية معركة ضد تنظيم “داعش” استمرت لثلاث سنوات.

أما المتخصص في علم النفس محمد أمين، فيجد في التجمعات الفنية والثقافية رسائل إيجابية، لا سيما أن هناك من يرى أن الداخل العراقي غير مستقر وأن إقامة هذه المهرجانات يعطي صورة مختلفة عما يشاع، أي أن العراق مضطرب ومنغلق.

إقرأوا أيضاً: