fbpx

من أبين إلى عدن لحضور محاضرة : معاناة مع التعليم والتنقل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“نخرج من أبين الساعة السادسة صباحًا، يستغرق الطريق قرابة ساعة إلى ساعة ونصف، إذا لم يحدث طارئ، نصل في التاسعة كأعلى تقدير، غالبًا ما يفوتنا نصف المحاضرة، وفي بعض الأحايين نصل وقد شارفت المحاضرة الأولى على الانتهاء”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحاول رقية العزعزي أن تسعى لهدفها، مكرسة جُلّ جهدها للوصول إلى مبتغاها، ومتجاوزة العقبات التي اعترضت وتعترض طريق أحلامها مذُ كانت في مرحلة دراستها الابتدائية. 

رقية واحدةٌ من عشرات الطلاب الذين أصروا على دراسة التخصصات التي يرغبون بها، إذ لم يستسلموا للممكنات المحدودة من التخصصات في جامعة أبين. 

تستهل رقية حديثها لـ”خيوط” قائلة: “كانت دراستي منذ المرحلة الابتدائية حتى الثانوية حافلة بالجد والاجتهاد؛ لأن رغبتي في دراسة الطب هي الحلم الذي أسعى جاهدةً لبلوغه مهما كانت الصعاب”.

العزعزي كانت كثيرة الاهتمام بشؤون الجامعة، فيما لم يكن لجامعة أبين أثرٌ بعد، ما يعني أن إمكانية تحقيق حلمها داخل المحافظة تبدو غير ممكنة.

تقول العزعزي: “لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لي، فقد صرفت أسرتي النظر عن فكرة التحاقي بالطب، بسبب طول المسافة من أبين إلى عدن التي تقدر بـ63 كيلو مترًا تقريبًا”، مضيفة: “لكن إصراري ومحاولاتي المستميتة لإقناعهم جعلتهم يقتنعون مؤخرًا، بعدها سجلت في كلية الطب، لكن نتائج امتحان القبول وضعت اسمي ضمن قائمة الاحتياط؛ الأمر الذي أصابني بالإحباط والخوف من رفض أهلي للفكرة مجددًا، لذا أجبرت على الالتحاق بجامعة العلوم والتكنولوجيا رغم تكاليفها الباهظة”.

وتأسست كلية التربية سنة 1979، وحتى 2018 كانت تابعة لجامعة عدن، مما جعل خيارات الطلاب في محافظة أبين مقتصرة على التربية فقط، لكن مؤخرًا أصبح لأبين جامعة تضم ثلاث كليات: التربية، الشريعة والقانون، الحاسوب والعلوم الإدارية، وبالرغم من توسع دائرة الخيارات بالنسبة للطالب إلا أن بعض التخصصات ظلت غير متاحة حتى الآن. 

تعب الطريق وحده كفيل بأن يجعلهم كطلاب غير قادرين على التركيز في المحاضرة، ومواصلة الدراسة في عدن، إضافة إلى الإنهاك الذي يصيبهم عند العودة إلى المنازل وعدم القدرة على أداء الواجبات أو المذاكرة للاختبارات.

رحلة شاقة 

رحلةٌ مضنيةٌ يتكبدها طلاب أبين خصوصًا الفتيات، بغية الوصول إلى أهدافهم التي يؤمنون أنها ستتحقق، ووحدها نشوة الوصول من تعينهم على احتمال المشقة التي يقاسونها بمختلف صنوفها.

“نخرج من أبين الساعة السادسة صباحًا، يستغرق الطريق قرابة ساعة إلى ساعة ونصف، إذا لم يحدث طارئ، نصل في التاسعة كأعلى تقدير، غالبًا ما يفوتنا نصف المحاضرة، وفي بعض الأحايين نصل وقد شارفت المحاضرة الأولى على الانتهاء”، يتحدث لـ”خيوط” أحمد ناصر، طالب في قسم الأغذية العلاجية بكلية الطب والعلوم الصحية. 

الأمر ليس سهلًا ألبتة لهذا الطالب، فتعب الطريق وحده كفيل بأن يجعلهم كطلاب غير قادرين على التركيز في المحاضرة، ومواصلة الدراسة في عدن، إضافة إلى الإنهاك الذي يصيبهم عند العودة إلى المنازل وعدم القدرة على أداء الواجبات أو المذاكرة للاختبارات.

يتابع: “قمت بإجراءات الالتحاق بسكن الطلاب في الجامعة بعد سنة من المعاناة، وجدت الكثير من الطلاب القادمين من محافظتي ومحافظات أخرى أيضًا، جميعنا جاء هنا بهدف توفير الجهد والمال اللذَين نستنزفهما في رحلتنا اليومية”، “لقد كان خيار الالتحاق بالسكن الجامعي بديلًا مناسبًا لنا إلى حدٍّ كبير رغم المشكلات التي نعانيها هنا”، ينهي ناصر حديثه.

إقرأوا أيضاً:

تكاليف باهظة

إلى جانب الرحلة المتعبة التي يعيشها الطلاب يوميًّا، هناك أيضًا المصاريف الدراسية التي تثقل كاهل الأهالي، خاصة في ظل موجة الغلاء الفاحش التي ضربت البلاد مؤخرًا، وأثرت على المواطنين في مختلف الأصعدة.

تقول حياة الهليبي، إحدى طالبات كلية الطب في جامعة عدن، لـ”خيوط”: “أصرف كل يوم حوالي سبعة آلاف ريال تقريبًا، تذهب جميعها للمواصلات وشراء الملازم ووجبة خفيفة مكونة من ساندوتش وعصير فقط، حتى إنني في بعض الأوقات أُؤجل شراء الملازم لعدم امتلاكي ما يكفي من المال وقتها، وقد أستغني أحيانًا عن الأكل وأكتفي بشرب الماء فقط لشراء الملازم الطارئة والضرورية”.

تضيف: “أخجل من أهلي كثيرًا أن أطلب من أهلي أكثر، رغم مكافحتهم في توفير كل ما يمكّنني من إكمال دراستي والوصول إلى حلمي؛ فظروف الحياة مؤخرًا الناجمة عن ارتفاع الأسعار تمنعني من الضغط على أهلي بشكل أكبر”. 

وعلى الرغم من التعافي النسبي لسعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، إلا أن الطلاب يؤكدون أنهم لم يلمسوا على الإطلاق إي فارق يذكر في تعرفة المواصلات بالتوازي مع هذا التحسن في سعر صرف العملة المحلية.

إن استمر تعافي العملة وانخفضت أسعار المواصلات بشكل ملحوظ، فسأستغلّ فارق سعر المواصلات في شراء احتياجاتي الدراسية، ما يعني أن معاناتنا لن تنتهي كليًّا”.

في السياق، يقول نائب رئيس جامعة أبين للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور صالح عقيل بن سالم، لـ”خيوط”، إن جامعة أبين من أفضل المكاسب العلمية والتنموية والخدمية والاقتصادية التي تحققت لأبناء محافظة أبين، فقد كانت حلمًا وأصبحت حقيقة على الواقع، إذ خففت الجامعة بوضعها الحالي بعض معاناة الشباب في السنوات السابقة.

ويضيف بن سالم: “مئات من قصص المعاناة عاشها طلاب وطالبات محافظة أبين ومعهم أسرهم منذ عقود من الزمن، لكن نحسب وجود الجامعة في أبين تغيير إيجابي وحدث عظيم، ساعد الكثير من الطلاب على تحقيق أحلامهم، ووفّر على أسرهم الكثير من التكاليف”.

مؤكدًا على أن الطموح كبير من قبل الطلاب المتفوقين في افتتاح كليات نوعية في جامعة أبين، مثل كليات الطب والهندسة وغيرها، وهذا الجزء من الحلم الكبير على أمل أن يتحقق في القريب العاجل.

على مدى أربعة عقود ظل أبناء محافظة أبين في صراع مع واقعهم الذي حرم الكثير منهم الظفر بأحلامهم وأجبرهم على الرضوخ للمعطيات المتاحة، القليلون ممن حاربوا وتحملوا صعوبات شتى في سبيل تحقيق الحلم، لكن إنشاء جامعة أبين وافتتاح الكليات الجديدة شكل فارقًا للكثير من الطلاب الذين كانوا تائهين بين رغباتهم وإمكانيات المحافظة المحدودة جدًّا، وبالرغم من إنشاء جامعة في أبين إلا أن المعاناة لم تنتهِ بشكل جذري، خاصة أن الكليات النوعية كالطب والهندسة والآداب التي يقصد دراستها الكثير من طلاب أبين ما زال إنشاؤها قيد الدراسة حتى الآن.

وإلى أن يتم افتتاح بقية الكليات التي ستنهي أزمتهم، سيظل الكثير من الطلاب في أبين عالقين بين سندانة أحلامهم ومطرقة الظروف الصعبة.

عبير علي – موقع خيوط

إقرأوا أيضاً: