fbpx

كيف وصلت قطع الآثار العراقية إلى متحف “نابو” اللبناني؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف وصلت القطع الأثرية العراقية إلى متحف “نابو”؟ يملك السؤال وجاهته لأسباب كثيرة، منها أن المتحف مملوك من عائلة تعمل في الشأن العام، وخرج منها مؤخراً وزيرة الدفاع والخارجية في حكومة حسان دياب السيدة زينة عكر وزوجها، وهو المالك الأول للمتحف جواد عدرا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 استعاد العراق ثلاثمئة وثلاثين قطعة أثرية، هُرِبت منه بطريقة غير شرعية، وهي كانت معروضة في متحف “نابو”، وهو المتحف الأنيق والحديث المشيد على شاطئ بلدة شكا في شمال لبنان، على قطعة أرض شاطئية، هي واحدة من مئات العقارات التي جرى استحواذها بطريقة غير شرعية على طول الشاطئ اللبناني. 

منسق حملة “الشاطئ لكل الناس” محمد أيوب قال لـ”درج” إن “متحف “نابو” متعدّ على الأملاك العامة وعلى الشارع العام وعلى سكة الحديد، أي على كل أملاك الدولة، وحاجب النظر عن البحر، وبالتالي مخالف قانون البيئة 444، ومانع الوصول الحر إلى البحر” وزود أيوب “درج” بوثائق تؤكد ما قاله. 

وبحسب معلومات “درج” فقد ساهم النحات العراقي العالمي ضياء العزاوي في تصميم المتحف، وهو عرض على مدخله اثنان من منحوتاته العملاقة والثمينة والجميلة.  

لكن كيف وصلت القطع الأثرية العراقية إلى متحف “نابو”؟ 

يملك السؤال وجاهته لأسباب كثيرة، منها أن المتحف مملوك من عائلة تعمل في الشأن العام، وخرج منها مؤخراً وزيرة الدفاع والخارجية في حكومة حسان دياب السيدة زينة عكر، علماً أن زوجها، وهو المالك الأول للمتحف السيد جواد عدرا، لطالما لاح اسمه وزيراً في عدد من التشكيلات الوزارية، ما يعني أن أصحاب المتحف معنيون بأن يشرحوا للرأي العام اللبناني، ولكن العراقي أيضاً، طريقة استحواذهم على أكثر من ثلاثمئة قطعة أثرية عراقية، من بينها بحسب مصادر رسمية عراقية ألواح مكتوبة باللغة المسمارية.

“درج” أرسل بالبريد الالكتروني أسئلة لإدارة متحف نابو لمعرفة كيفية استحواذه على هذه القطع وعن تواريخ الاستحواذ، وعما إذا كان يملك وثائق تثبت أن حيازتها تمت بطريقة قانونية، لكن إدارة المتحف لم تُجب! 

أما وزارة الثقافة العراقية فلم تتمكن بدورها من معرفة طريقة استحواذ “نابو” على قطعها الأثرية، وفضل وزير الثقافة العراقي حسن ناظم عدم الخوض بذلك حين سأله “درج” عن ذلك، مقدماً عليه إنجاز المهمة المتمثلة باستعادة القطع الأثرية. وبدوره وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى والذي من المفترض أنه رعى عملية التسليم لم يشأ الإجابة أيضاً.

تهريب الآثار العراقية

لكن التحقق من الطريق التي أوصلت القطع الأثرية والألواح المسمارية العراقية إلى متحف “نابو” على شاطئ شكا الجميل، قد يفضي إلى رصد طرق موازية جرى عبرها تهريب آثار بلاد ما بين النهرين خلال الحروب والمحن التي شهدتها تلك البلاد على مدى العقود الخمسة الفائتة. ففي العراق أكثر من 20 ألف موقع أثري جرى استباحة معظمها خلال الحروب المتناسلة بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية ووصولاً إلى الحرب على “داعش”، وغالبية المواقع الأثرية ما زالت غير محمية، وهي ما زالت عرضة للسرقة باستثناء المواقع الرئيسية. وفي العام 2021 نجح العراق باستعادة 17 ألف قطعة أثرية كانت هُربت إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال غزو الأخيرة العراق، ومن بين القطع المستعادة لوح غلغامش الذي يعتبر قطعة فريدة وثروة أثرية لا تقدر بثمن.

“القطع الأثرية العراقية منتشرة في كل العالم”، هذا ما أجابنا به حسن ناظم حين سألناه عما إذا حققت وزارته بالمصدر الذي زود “نابو” بالآثار العراقية. فهناك نوعان من الآثار المهربة، الأول هو المسجل في سجلات المتحف العراقي، والثاني هو خارج السجلات. والآثار في لبنان هي خارج السجلات، ما يعني أنها من ملقيات النبش العشوائي للمواقع الأثرية، ومن الأراضي غير المسيطر عليها. ويمكن الجزم بعراقيتها نظراً لتفرد بلاد ما بين النهرين ببيئة هذه الآثار الحضارية. فالعراق ينفرد بالآثار السومرية والبابلية والأكادية والأشورية، و”نابو” اعترف بعراقيتها، ولهذا استجاب حين راسله الـ”انتربول” بخصوصها، بعد أن كان أبدى ممانعة حين تقدم العراق بطلب استعادتها عبر السفارة العراقية في بيروت.

متحف نابو

ثروة العراق على شاطئ شكا

لكن كيف اهتدى العراق إلى ثروته الأثرية المعروضة على شاطئ شكا في شمال لبنان. يقول ناظم أن أصدقاء لبنانيين للعراق أبلغوا الوزارة، وأن مفاوضات الاستعادة بدأت منذ شهر حزيران من العام 2020، ووصل وفد حكومي عراقي إلى بيروت ضم خبراء من وزارات الثقافة والعدل والخارجية ومن جهاز المخابرات إلى بيروت وتحقق من هوية القطع الأثرية، وكانت وزارة الثقافة اللبنانية طرفاً في التفاوض. وأضاف ناظم: “لم ندفع فلساً واحداً، فهذه القطع من حقنا، وكل ما قدمناه هو تمديد فترة عرض القطع في المتحف لستة أشهر”. ولفت إلى أن “من حق العراق أن يطلب تعويضاً، لا سيما وأن النصوص المسمارية جرى استعمالها وترجمتها من قبل المتحف من دون إذننا ومن دون حماية حقوقنا”. قيمة مقتنيات “نابو” العراقية تكمن في النصوص المكتوبة عليها بحسب الوزير العراقي. أما جواب المتحف عن طريقة حيازته عليها حين سألته السلطات العراقية فاقتصرت على أن هذه القطع موجودة لديه منذ عشرات السنين بحسب المصادر العراقية. 

ناظم رفض التعليق على لقائه بوزيرة الدفاع اللبنانية السابقة زينة عكر حين زارت العراق وهي كانت على رأس الوزارة في نوفمبر من العام 2020، وحينها التقت نظيرها العراقي جمعة سعدون، وعرجت على وزارة الثقافة العراقية في خطوة أثارت استغراب المراقبين في حينها، ذاك أن لقاء وزير دفاع بلد بوزير ثقافة بلد آخر يصعب تفسيره إلا إذا كان الأول يملك متحفاً. علماً أن الوزير العراقي لم ينف حين سأله “درج” عما إذا شهد اللقاء تفاوضاً حول التحف العراقية الموجودة في “نابو”!  

وزير الثقافة العراقي أوضح لـ”درج” أن أحد أبرز طرق تهريب الآثار العراقية إلى الخارج يتم جواً عبر دبي والدوحة ومنها إلى أوروبا وأميركا، وتصنف الشحنات على أنها قطع سيراميك. لكنه لفت إلى أن العراق باشر حملات لضبط واستعادة آثاره المنهوبة عبر اتفاقات ثنائية مع أصدقائه الخليجيين. لكن من المرجح ان لا تكون التحف العراقية في “نابو” قد سلكت هذا الطريق، وهنا قد يكون من الصعب توقع شكل وصولها إلى لبنان، إلا إذا كشف المتحف نفسه عنها. 

ناظم قال “إن الحكومات العراقية السابقة كانت تتفادى مفاوضة السراق، بينما أنا قررت التفاوض معهم، وهذا ما جعلنا ننجح باستعادة 17 ألف قطعة من الولايات المتحدة”. 

حكاية تهريب

خلال سنوات المحنة في العراق شهد هذا البلد عمليات تهريب جوية وبرية لثرواته الأثرية. لبنان كان وجهة عدد من هذه العمليات، والبحث في أرشيف الصحف أوصلنا إلى عدد منها، من بينها عملية أحبطتها الجمارك اللبنانية عند نقطة شتورة القريبة من الحدود اللبنانية السورية في شهر تشرين أول (أكتوبر) من العام 2008، اذ ضبطت الجمارك 57 قطعة أثرية عراقية في سيارة مواطن سوري يدعى محمد عدنان حسن المطلق، والقطع بحسب محضر التحقيق مع الأخير هي سومرية وبابلية وعليها كتابات مسمارية بالإضافة إلى أوانٍ فخارية. علماً أن وزير الثقافة العراقي كان ذكر لـ”درج” أن القطع المستعادة من “نابو” تشمل لوحات عليها كتابة مسمارية. 

البحث في محضر التحقيق مع مطلق والذي سطرته النيابة العامة المالية في حينها قادنا مجدداً إلى متحف “نابو”، ذاك أن المحامية كارول الراسي وكانت موكلة في حينها من قبل صاحب المتحف جواد عدرا أكدت لـ”درج” أن موكلها طلب منها متابعة قضية محمد المطلق والسعي للإفراج عنه. وقالت الراسي لـ”درج”: ” بتاريخ 29 تشرين الأول من العام 2008 تم تكليفي من قبل السيد جواد عدرا للسعي للإفراج عن محمد المطلق من السجن، بعد أن ضبطت في سيارته في حينها قطع أثرية”.وحين سألها “درج” عن أسباب قبولها بالمهمة على رغم معرفتها بأن الرجل كان يقوم بتهريب الآثار، قالت أن عدرا قال لها في حينها أن ما عُثر عليه في سيارة المطلق ليس قطعاً أثرية، بل أدوات زينة وتحف مقلدة، وهي اقتنعت بذلك بحسب ما قالت.

وبحسب محضر التحقيق فقد سلمت المضبوطات في حينها، وكذلك الموقوف الذي عثرت القطع الأثرية في سيارته إلى مكتب مكافحة الجريمة الدولية في قوى الأمن الداخلي. 

العراق استعاد القطع الأثرية من متحف “نابو”، لكن مصير آلاف القطع الأخرى ما زال مجهولاً، وليست واقعة استعادة 17 ألف قطعة أثرية من أميركا سوى نموذجاً عن حجم الكارثة التي حلت بالثروة الأثرية في بلاد ما بين النهرين، كما أنها واحدة من حكايات الفساد في لبنان أيضاً.

إقرأوا أيضاً: