fbpx

صفقة عراقية مشبوهة: عفو خاص عن تاجر
مخدرات مقابل تعيين محافظ “صدري”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جرائم المخدرات هي من الجرائم المضرة بالأمن القومي وتهدد أمن المجتمع بأكمله و العصابات التي تتاجر بها تمتلك غطاءً سياسياً يحميها ويجنّبها العقاب مثلما حصل للمدان جواد الياسري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مرور نحو 20 يوماً على مقتل قاضي مكافحة المخدرات في محافظة ميسان جنوب العراق، على أيدي مسلّحين مجهولين، قيل إنهم ينتمون إلى عصابة تتاجر بالمخدرات، فوجئ العراقيون بصدور عفو رئاسي عن تاجر مخدرات كان يمضي حكماً مؤبداً بالسجن، وأطلق سراحه بعد ثلاث سنوات فقط من سجنه. 

المفارقة، أن رئاسة الجمهورية تراجعت عن قرار العفو بعد 40 يوماً من إصداره، بعدما أثيرت ضجة حوله في وسائل الإعلام وتقدّم نواب بطعون في دستوريته. وذكر بيان الرئاسة أن الرئيس برهم صالح عقد اجتماعاً عاجلاً مع اللجنة التحقيقة المشكّلة في رئاسة الجمهورية حول المرسومين الجمهوريين 1 و2، ووجّه بسحبهما والايعاز إلى الجهات القضائية باتخاذ الإجراءات اللازمة، معترفاً في البيان بأن قرار العفو “لم يُدقق من الناحية الموضوعية ولم يتم الالتزام بالضوابط”، قبل اصداره. وهو ما قد يعني صدور مراسيم عفو سابقة عن مجرمين، لم تخرج إلى العلن ولم تثر حولها ضجة في الإعلام.

ووسط الأنباء التي تشير إلى احتمال هروب المتهم الى جهة مجهولة، من طريق أحد المطارات بعد قرار الإعفاء عنه خصوصاً أن المرسوم تم تسريبه إلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام بعد مرور أكثر من 40 يوماً على صدوره، أعطى صالح تعليماته إلى وزارتي العدل والداخلية لإلقاء القبض على المُدانين وايداعهم في المؤسسات الإصلاحية.

بعد مرور نحو 20 يوماً على مقتل قاضي مكافحة المخدرات في محافظة ميسان جنوب العراق، على أيدي مسلّحين مجهولين، قيل إنهم ينتمون إلى عصابة تتاجر بالمخدرات، فوجئ العراقيون بصدور عفو رئاسي عن تاجر مخدرات كان يمضي حكماً مؤبداً بالسجن، وأطلق سراحه بعد ثلاث سنوات فقط من سجنه. 

رئيس الجمهورية اصدر أمراً رئاسياً جديداً بتشكيل لجنة تحقيقية مكونة من خمسة أعضاء للوقوف على حيثيات إصدار المرسوم الخاص بالعفو عن تاجر المخدرات ومحاسبة المقصرين في ذلك.

لكن ما قصة هذا العفو؟ وما هي آليات إصداره؟

العفو الرئاسي الذي أصدره صالح في هذه القضية كان بتوصية من رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي وحمل في طياته صفقة سياسية غير واضحة المعالم بحسب مراقبين الا انها اثارت حفيظة العراقيين لصدوره بالتزامن مع عمليات عسكرية ومداهمات لأوكار تجار المخدرات في عدد من مدن العراق.

المدان بتهمة الإتجار بالمخدرات، والذي نال العفو الخاص، يدعى جواد وهو ابن محافظ النجف السابق لؤي الياسري الذي استقال من منصبه نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021 وتم القبض على ابنه في احدى ضواحي جنوب بغداد عام 2018 مع اثنين آخرين وبحوزتهم كميات من المواد المخدرة للمتاجرة بها وهو يعمل برتبة عسكرية في جهاز المخابرات وأصدرت محكمة جنايات الكرخ في بغداد، في وقت لاحق من عام 2018 حكماً بالسجن المؤبد عليه بعد إدانته بالاتجار بالمخدرات وألزمته بدفع غرامة مالية قدرها 30 مليون دينار عراقي (ما يعادل 25 ألف دولار أميركي).

الدستور العراقي الذي تم التصويت عليه في استفتاء شعبي عام 2005 تضمن في أحد بنوده أن من صلاحيات رئيس الجمهورية إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري.

فور تسريب وثيقة العفو الخاص وانتشارها، أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً توضيحياً قالت فيه إن المرسوم الجمهوري صدر بناء على التوصية الواردة إلى رئاسة الجمهورية بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث تُصدر رئاسة الجمهورية مراسيم العفو وفق سياقات دستورية وقانونية محددة استناداً إلى الدستور ورئيس الجمهورية وجه بإجراء تدقيق وتحقيق عاجل للوقوف على أولويات إصدار هذا المرسوم وستتم معالجة اي خلل قانوني مترتب عليه واعلان نتيجة التحقيق للرأي العام في أسرع وقت.

خبراء في مجال القانون يجدون أن قرارات رئاسة الجمهورية لا تتم بشكل مباشر إن لم يكن هناك طلب أو توصية من إحدى السلطات الثلاث القضائية أو التشريعية أو التنفيذية سواء  على صعيد العفو العام أو الخاص، وحتى مراسيم تنفيذ حكم الإعدام لا يمكن إصدارها بشكل مباشر. 

الحقوقي احمد الموسوي يجد أن مراسيم العفو الصادرة عن رئاسة الجمهورية هي في غالباً ذات صبغة سياسية وهذا ما شهدته الفترة التي أعقبت عام 2006 إذ صدرت عشرات المراسيم في هذا الاتجاه، وكان أبرزها العفو الخاص عن النائب السابق محمد الدايني عام 2016 الذي تم اتهامه بحادثة تفجير كافتيريا البرلمان العراقي عام 2007 وأصدرت المحكمة المركزيّة في منطقة الكرخ في بغداد حكماً غيابيّاً عليه بالإعدام عام 2010.

إقرأوا أيضاً:

أستاذ العلوم السياسية نديم الجابري يرى أن قرار العفو هذا يقوض مستويات السعي الى ولاية ثانية من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح وربما هذا الأمر يؤثر فيه، والبيان التوضيحي الذي أصدرته رئاسة الجمهورية كان سلبياً، فبدل طرح مسوغات ومبررات القرار أظهر محاولة دفع التهم عنه وأنه كان ضمن السياقات القانونية ووفقاً للتوصية التي وصلت إليه.

برلمانيون من المستقلين بشكل خاص وجهوا أسئلة الى رئاسة مجلس الوزراء لبيان المسوغ القانوني في إصدار توصية بحق مدان بجرائم المخدرات، فيما لا تمتلك الحكومة الحالية أي صلاحية كونها حكومة تصريف أعمال. ولا يدخل ضمن مهماتها إصدار التوصية بهذا الخصوص وجريمة الاتجار بالمخدرات هي من الجرائم الدولية العابرة للحدود ومن الأفعال الجرمية المتصلة بالقانون الدولي. 

الأستاذ الجامعي ياسر البراك وصف الصلاحيات التي تستخدم في غير محلها بأنها تتعارض مع بنود الدستور والقوانين النافذة لمكافحة المخدرات، والمرسوم الجمهوري أوصل رسائل إلى المحكومين من تجارة المخدرات وغيرهم بأن لديهم الحق في المطالبة بالعفو الخاص وهناك رسائل سلبية إلى القضاة بعد مقتل أحدهم في محافظة ميسان. وبإمكان قرارات العفو الخاص أن تنسف جميع الأحكام التي يصدرها قضاة مستقلون.

ولم يستبعد البراك أن هناك صفقة سياسية تم تدبيرها لإصدار هذا العفو، لذا تم تجاوز القانون والدستور واستخدام الصلاحيات في غير محلها.

عضو اتحاد الحقوقيين في العراق محمد راضي يجد أن جرائم المخدرات هي من الجرائم المضرة بالأمن القومي وتهدد أمن المجتمع بأكمله وأن العصابات التي تتاجر بها تمتلك غطاءً سياسياً يحميها ويجنّبها العقاب مثلما حصل للمدان جواد الياسري، إذ تم إصدار مرسوم العفو الخاص عنه وتعد جريمته جريمة جنائية.

الباحث صلاح الموسوي يترجم ما حدث على الشكل التالي: صفقة سياسية قضت بشكل واضح بتقديم استقالة محافظ النجف من منصبه، كي تتقلد هذا المنصب شخصية من التيار الصدري، في مقابل إصدار عفو خاص عن ابن المحافظ السابق، خصوصاً أن التوصية التي رفعت إلى رئاسة الجمهورية جاءت بعد يوم واحد من المصادقة على طلب الاستقالة من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

تراجع رئيس الجمهورية متأخراً عن قراره، بعد إبرام الصفقة وتنفيذ بنودها: ابن المحافظ السابق فرّ إلى جهة مجهولة، وأفلت من العقاب. ووالده ترك منصبه لمحافظ يوالي التيار الصدري.  

إقرأوا أيضاً: