fbpx

المشايخ يرجمون “فاتن أمل حربي” : قلق أزهري من حرية المرأة والشيوخ “المودرن”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجرأة التي صوّر بها “فاتن أمل حربي” رجل الدين الأزهري غير مسبوقة، ولذلك كان ردّ فعل مشيخة الأزهر غير مسبوق، فالقلق الأزهري ليس من ظهوره هذه المرة فقط، إنما ممّا سيخلفه ذلك على المشيخة من تجرؤ أفلام ومسلسلات أخرى على عمامتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى، التابع لمشيخة الأزهر، بياناً يفرض فيه الوصاية على حرية الفن والإبداع، ويحذر مما قال إنه استهزاء بآيات القرآن، وهدم مكانة السُّنة النبوية، وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالِم الدين في المجتمع، وتقديمه في صورة “الجاهل الإمعة، معدوم المروءة، دنيء النفس” في بعض الأعمال الفنية. 

اعتبر الأزهر- في بيانه الطويل– تقديم عمل عن حقوق المرأة، تستّراً خلف لافتات لتقسيم المجتمع وبثاً للشقاق بين الرجال وزوجاتهم بدلاً من محاولة زرع الود والمحبة وعرض النماذج المثلى للأسرة الصالحة والمجتمع المصري، وتصوير التراث الإسلامي كعدو للمرأة. 

البيان شديد اللهجة احتوى على الكثير من التشكيك في صناع الأعمال الفنية، الذين اتهمهم بـ”الشحن السلبي الممنهج تجاه الدين واتهامه بضيق الأفق والقصور”، واحتكر “تجديد الفكر وعلوم الإسلام” لعلمائه فقط، منكراً على الآخرين التعبير عن وجهات نظرهم بهذا الشأن على الشاشات. 

كان الغضب يختمر داخل مؤسسة الأزهر طوال النصف الأول من رمضان، مع بداية عرض مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي يتناول أوضاع النساء تحت سطوتي قانون الأحوال الشخصية والفقه الإسلامي الذي يضعه رجال الدين استناداً إلى تراث حافل باحتقار المرأة ووضعها في مراتب دونية مقارنة بالرجال، لناحية الحقوق الزوجية، قبل أن ينفجر الغضب على شكل هذا البيان، الذي يضع للفن حدوداً دينية يجب ألا يتجاوزها، تحديداً في التعامل مع رجال الدين، لا النصوص الفقهية والقرآنية فقط. 

قدَّم الفنان المصري محمد الشرنوبي شخصية شيخ أزهري شاب، يحاول مساعدة فاتن أمل حربي، بعدما التقته مصادفة في أحد مراكز الفتوى الأزهرية، وبدا بعمامته البيضاء الزاهية نموذجاً للشيخ الشاب الذي يتلمَّس طريقه في عالم محفوف بالعمائم الضخمة الرابضة على إرث كبير من الفتاوى العنيفة التي تعادي الحضارة والمدنية، فبدأ يبحث وينقّب عما تريده فاتن ويجد فتاوى متضاربة وأقوالاً مختلفة وآراء متناقضة، ويقدم لها ما تريده، لكن الأزهر ومشايخه لا يعترفون به. وحين كان يقدّم لها ما تعارف عليه باعتباره رأي المشيخة، وتعارضه، يقول لها: “ده الرد اللي أنا حافظه”، وتسأله: “يعني ربنا بنفسه قال كده؟ مش معقول ربنا يقول كده”. 

يعصى على مشيخة الأزهر، التي تعتبر نفسها المعبّر الأول عن الدين في مصر- وقد ظلّت على هذا الوضع لسنوات دون منافسة- استيعاب معارضيها، أو محاورتهم ومناقشتهم والتوصل إلى حل وسط، لأنها تعتبرهم “يشوّهون الدين”، وتترفّع عن الحوار معهم، أو حتى استيعاب “المختلفين” بداخلها. 

تثبيت “قدسية الفقهاء”

يتصارع حول مسلسل فاتن أمل حربي فريقان، الأول يدافع عن المرأة والحرية، والثاني يرى بمهاجمة المسلسل والتشكيك في نياته منعاً لخطر يزعزع ثقة المسلمين في القرآن والسنة والمشايخ، فكان المعتاد في رمضان، أن ينتفض الممتهنون لمهنة بعينها ضد عمل فني، يصوّر ضمن قصته شخصاً فاسداً، ويكون هذا الشخص طبيباً، أو مضيفة طيران، ليعتبر الأطباء ومضيفو الطيران العمل مهيناً لهم بشكل شخصي ومهني.

الثورة هذا العام كانت من نصيب رجال الدين، حين وجدوا زميلهم– الذي ظهر في أحداث المسلسل- بمظهر المتهاون في ما تعلمه في الأزهر، والمفرّط في صورة مشايخ الأزهر. يظهر صديقاً لسيدة، يحاول تسهيل كل شيء لها، يقابلها ويجلس معها بزيه الرسمي. 

يبدو ذلك سبباً واضحاً للهجوم، لكن ما هو أكثر من ذلك يقف وراء الحملة الأزهرية على المسلسل، فرجال الدين كانوا يتربّصون به قبل عرضه، لكونه من تأليف إبراهيم عيسى المعروف بعدائه الشديد لرجال الدين، والأزهريين منهم تحديداً. وعُرفت ذروة خلافاتهما بـ”أزمة إنكار معجزة المعراج” في شباط/ فبراير 2022، حين نقل عيسى عبر برنامجه نصوصاً تنكر المعراج، فثارت القوى الدينية في مصر، حتى ردّ شيخ الأزهر عليه.

كما أنّ المسلسل يحتوي ما يزعج معظم رجال الدين، بدءاً من نقد كتب التراث الحافلة بالفتاوى العنيفة والهادرة لحقوق الإنسان، مروراً بإيجاد ثغرات للأحكام الشرعية، وصولاً إلى تجديد الخطاب الديني عبر جهات وأشخاص لا تعترف بهم مشيخة الأزهر والتابعين لها، فالمؤسسة لا ترى أن غير الدارسين بها والحاصلين على شهادات وإجازات منها صالحين لتصحيح الفكر الديني أو نقده، بحسب البيان. وأخيراً، المسلسل يعرض قضيتَها بكل ما في محاكم الأسرة وخلافات الأزواج المُنفصلين من عنف وكراهية وفجاجة ومحاولات ابتزاز وآثار نفسية سيئة على الأطفال، وكل تلك المأساة الإنسانية صنيعة قوانين الأحوال الشخصية، التي تُرفض مناقشتها أو تعديلها لتصحيح أحوال المرأة، فدائماً ما تُطوّع تلك القوانين لقهرِ النساء، وإبقاء الأمور على ما هي عليه، فعدم وضوح القانون أو حسمه يفتح الباب أمام عشرات القضايا في كل بند من حقوق المطلقة، وتلك القضايا تتطلّب نفقات وطاقة نفسية لا تقدر عليها كثيرات، لينتهيَ الأمر بالتنازل والتسامح. 

إقرأوا أيضاً:

تعتبر قوانين الأحوال الشخصية الرجل صاحب الحق في تقرير مصير الأبناء والزوجة، طبقاً لتفسيرات المشايخ للنصوص الدينية والأحاديث النبوية، التي تمنح الرجل الحق الأصيل في كل شيء، أما الأزهر فباعتباره مؤسسة ذكورية يحكمها مشايخ، يرفض تمرير كل ما يهزّ عرش الرجال في مصر، بل إنه يعتبر الحامي الأول له.

يثبّت الأزهريون “قدسية الفقهاء” عبر الدفاع المستميت ضد كل من يتعرّض لفتاواهم المستمرة منذ مئات السنين، فالمساس بالفقهاء القدامى والمشايخ الحاليين يهز سطوتهم الدينية على المسلمين والدولة حالياً، برغم أن شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، يرى أن “إضفاء قدسية الشريعة على اجتهادات الفقهاء السابقين من معوقات التجديد”، لكن المؤسسة الأزهرية تنتفض ضد من يحاول تفنيد اجتهادات الفقهاء السابقين، أو مناقشتها، طالما أنه جاء من خارجها. 

لكن مسلسل “فاتن أمل حربي” حاز مراجعة فقهية من جانب سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر (أي أن الطعنة جاءت من الداخل وهو ما يزعج المشيخة أكثر)، ويكشف أن هناك جناحاً داخل الأزهر يتبنّى رؤية مغايرة للسائدة في قضايا المرأة، لكن هذه الرؤية ممنوعة من تصدّر المشهد الديني في مصر لمخالفتها رأي الغالبية.

ويقول الهلالي لـ”درج”، إن كل ما ورد من آراء فقهية في المسلسل “على مسؤوليته”، وأضاف: “راجعت المسلسل بجميع تفاصيله بتركيز وتدقيق، وكل كلمة مدروسة وخلفها الكثير من الكتب والأدلة”. 

تناول المسلسل في نصفه الأول حضانة الأطفال للزوجة المنفصلة، ويشير الهلالي إلى أن الأزهريين اختلفوا في ما بينهم في قضايا فقهية كثيرة: “حينما يكون هناك أمر مختلف عليه، فلا حق لأحد في إنكار اختيار الآخر، والاختلاف يثري المشهد الديني، بخاصة أن هناك 4 مذاهب وآراء متعددة للعلماء والجهات التي يمكن الرجوع لها”. ونسب الجدل حول المسلسل إلى “رغبة البعض في عدم نشر الوعي والمعرفة”.

المرأة أقل من الرجل؟.. ماذا تقول مناهج الأزهر عن “النساء والزوجات”؟ 

لا يمكن الاندهاش من توجّه الأزهر ضد “فاتن أمل حربي”.. فكل ما يقدّمه المسلسل من قيم دينية واجتماعية يتعارض مع ما جاء في المناهج الأزهرية، التي درسها المشايخ القائمون على المشيخة وأمورها ويحكمون القرارات والفتوى بها. 

وبينما يتغنّى المشايخ بتكريم الإسلام للمرأة، تحطّ مناهج الأزهر من قيمتهنّ، وتعاملهن نصوصها باحتقار، وهو ما يتعارض مع التوجّه القرآني، الواضح في آلة “ولهنّ مثل الذي عليهنّ”، أو في تسمية إحدى سور القرآن، “النساء”.

وفي الكتب التي تُدرّس بالأزهر، تبث فكرة دونية المرأة مقابل فوقية الرجل، ومن ذلك المنطق يصرّ رجال المشيخة على تأكيد ذلك المعنى، والتحريض عليه، كلما انفجرت إحدى قضاياها، ووضع أمرها في يد الرجال، فذلك ما درسوه ويدرّسونه. يؤكد كتاب “الروض المربع في زاد المستقنع” أن “دم المرأة وحياتها أرخص من دم الرجل وحياته ولا تغليظ إلا في الإبل، ودية المسلم والذمي سواء”. 

ويجيز كتاب “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع” إجبار المرأة على الزواج: “البكر يجوز للأب والجد إجبارها على النكاح”، أما كتاب “الروض المربع بشرح زاد المستنقع”، الذي يُدرس في الصف الثالث الثانوي، “لا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب إذا مرضت وإن أراد منها تزييناً أو قطع رائحة كريهة وأتى به لزمها”، أي أنه يجوز للرجل أن يتخلّى عن زوجته حين تمرض، وأن يجبرَها على وضع المساحيق التي يأتي بها الزوج رغماً عنها.

وفي أحكام النفقة بالكتاب نفسه، يأتي النصّ صريحاً: “ومن حُبِسَت ولو ظلماً أو نشزت أو تطوعت بلا إذنه بصوم أو حج، أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت نفقتها، وإن أنفقت الزوجة فى غيبة الزوج من مال، فبان أنه ميت غرّمها الوارث لانقطاع وجوب النفقة بعد موت الزوج”. و”لا نفقة على من تم اغتصابها”، كما ورد في كتاب “الاختيار لتعليل المختار”. وهو ما يزيد فيه كتاب “الروض المربع”- المقرّر في الدراسة الأزهرية ما قبل الجامعية- ويرى أن “من غصبها غاصب فلا نفقة لها، ولو سُلّمت له مريضة فلا نفقة لها”. 

يقرّ الأزهريون ذلك في مناهجهم، بخلاف الكثير الذي يتمّ تدريسه حول قوامة الرجل، وأفضليته على المرأة، وكمال عقله مقارنة بنقص عقلها، والفرق الكبير بينهما، وهو ما يجعل الأزهريون يعتبرون الحقوق التي تنالها المرأة تدريجياً بحكم تعديلات القوانين أو الاهتمام العام شيئاً مخالفاً للدين.

خليط الأفكار الذكورية التي تحفل بها كتب الأزهر ومقرراته الدراسية وعقول مشايخه، تجعله يرى أن المساواة بين الرجل والمرأة في علاقة زوجية تشاركية، هو هدم للأسرة، والترويج لمصطلح “حقوق المرأة” والمطالبة بالمزيد منها، هو، بحسب بيان مركز الفتوى بالأزهر– الذي استهدف “فاتن أمل حربي”- “تغذيةُ روح العدائيَّة والنديَّة في الأسرة جريمة وإذكاء للصراعات الأسرية والمجتمعية، في وقتٍ تسعى فيه مُؤسسات الدولة للحفاظ على الأسرة، حجر الزاوية في المجتمع، وركنه الركين”.

يعرّي ذلك البندُ جانباً من الفكر الأزهري حيال المرأة، فيعتبر المساواة “ندية”، والمشاركة بين الزوجين صراعاً أسرياً، ليجعل محاولات المرأة للحصول على مستوى أفضل حين تصل إلى مرحلة الانفصال أو الخلاف، رغبة هدّامة، وهو يخيف كثيرات من المُتعبات في حياتهنّ مع الرجال، من العقاب الديني إذا قررن المواجهة والتمرّد على سلطة الزوج. ويأتي ذلك في سياق حراسة الذكورية. 

تحريم تجسيد الشخصيات الدينية… الأنبياء ثم العشرة المبشرون بالجنة فهل تصل للمشايخ؟

ترفض مشيخة الأزهر منذ نحو قرن ظهور الأنبياء على شاشات السينما والدراما، وآخرها ثورته على فيلم “نوح” الذي عُرض في هوليود، حين أصدر بياناً مشتركاً من المشيخة وهيئة كبار العلماء لرفض تجسيد أنبياء الله ورسله واعتبر أن “من يشاهد الفيلم آثم”، وفي البيان، أضيف “صحابة الرسول”، فهؤلاء أيضاً، “لا يجوز ظهورهم”. وبالفعل، مُنع عرض فيلم “نوح” في مصر، لكن المشيخة أصدرت قراراً جديداً إلى جانب ذلك، وهو منع تجسيد “الصحابة”. 

كان الأزهر منذ بداية القرن العشرين أول المعترضين على تجسيد الشخصيات الدينية في الأفلام، فعام 1926، عرضت إحدى شركات الإنتاج الأوروبية على يوسف وهبي تجسيد شخصية النبي محمد، بتمويل من الحكومة التركية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان يكرهه الملك فؤاد، ولم يكن الأزهريون يعلمون كثيراً عن فن السينما حديث العهد، لكنهم يعرفون الملك، الذي لجأ إليهم مطالباً بمنع هذا الفيلم، فأرادوا مساعدته وأصدروا فتوى بتحريم تجسيد النبي على الشاشة، فانتهى مشروع الفيلم قبل أن يبدأ، وكان غرضه تقديم صورة طيبة عن الإسلام ونبيه أمام العالم.

تحوّل الأمر إلى رغبة لدى رجال الدين في الحفاظ على قدسية الشخصيات الدينية، والخوف من أن ظهورها على الشاشة قد يُلصِق بها صفات سيئة، فأضافوا للنبي محمد بقية الأنبياء تدريجياً ثم أضافوا الصحابة، ثم سنّ الأزهر قانوناً آخر، حرّم فيه تجسيد بنات الرسول وزوجاته، ثم أضاف لهم “العشرة المبشرين بالجنة” حين علم بأنّ المخرج المصري الشهير صلاح أبو سيف يجهّز فيلماً جديداً باسم “القادسية” يتناول الصحابي سعد بن أبي وقاص، وبرغم أن الفيلم كان يقدم رؤية أزهرية للإسلام وصورته، منعته المشيخة دون نقاش.

بنعومة، يمنع الأزهر تجسيد الشخصيات الدينية حفاظاً على فكرة القداسة، التي يريد أن يضفيها على جميع من انتسب إلى الإسلام ديناً وفقهاً، وهو أمر لا يتهاون فيه، وقد تكون الفكرة الأساسية في ذلك هي منع وصول التجسيد السيئ إلى المشايخ مباشرةً، حتى إن ظهور مجلة “صوت الأزهر” في فيلم “سالم أبو أخته” دفع وكيل مشيخة الأزهر السابق، عباس شومان، إلى مهاجمة الفيلم، فدائماً ما كانت هناك اعتراضات على تصوير الشخصيات الملتحية والمتدينة والرموز الدينية بمظهر سيئ، لكن الجرأة التي صوّر بها “فاتن أمل حربي” رجل الدين الأزهري غير مسبوقة، ولذلك كان ردّ فعل مشيخة الأزهر غير مسبوق، فالقلق الأزهري ليس من ظهوره هذه المرة فقط، إنما ممّا سيخلفه ذلك على المشيخة من تجرؤ أفلام ومسلسلات أخرى على عمامتها. 

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.