fbpx

الانتخابات الفرنسية: اليمين المتطرّف أقوى من أي وقت مضى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كلام كثير سيقال في تلك الانتخابات التشريعية التي شهدت نسبة مقاطعة كبيرة قاربت الـ 54 في المئة، وأفرزت مجلساً نيابياً لا يشبه أي مجلس سابق، لكن لتراجع الحزب الحاكم وخسارته عشرات المقاعد في قصر بوربون أسباباً عدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل 5 سنوات، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة النصر التي ألقاها احتفالاً بفوزه في الانتخابات الرئاسية، إنّه سيفعل المستحيل لمواجهة اليمين المتطرّف وإنّ عهده سيكون شاهداً على تراجع هذا اليمين. 

اليوم، حدث العكس تماماً، إذ شهدت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية خسارة ماكرون الأكثرية المطلقة، مقابل تقدّم ملحوظ لتحالف اليسار الذي يقوده جان- لوك ميلانشون وصعودٍ رهيب للتجمع الوطني بقيادة مارين لوبان.

للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة، سيكون شكل الندوة البرلمانية مختلفاً عمّا اعتاد عليه الفرنسيون، إذ تشكّل في الولايات السابقة مشهدين رئيسيين لا ثالث لهما: الاوّل يقضي بحصول الرئيس المنتخب على أكثرية مطلقة تمكّنه من الحكم وتمرير المشاريع في الجمعية الوطنية. أمّا الثاني فهو حصول المعارضة على أكثرية مطلقة تمكّنها من فرض حكومة “مساكنة”، تقيّد عمل الرئيس المنتخب وقد حدث ذلك إبّان حكم الرئيس جاك شيراك الذي فرض عليه تحالف اليسار الموحّد بقيادة الاشتراكي ليونيل جوسبان حكومةً، عزلته وقيّدت مشاريعه.

لا يخفى على أحد أنّ مصير الرئيس ماكرون كان ليكون شبيهاً بمصير شيراك في ولايته الأولى (1997- 2002)، لكنّ جان- لوك ميلانشون وقوى اليسار كافة، فشلوا حينها في الحصول على الأكثرية النيابية، برغم تسجيلهم نتيجة ممتازة، حاصدين نحو 150 مقعداً (بانتظار النتيجة النهائية الصادرة عن وزارة الداخلية)، ما يعني أنّ ماكرون مع الاكثرية النسبية التي حصدها (245 نائباً) سيجد نفسه مضراً لخطب ودّ كتلة اليمين الجمهوريّ التي تقدّر بحوالى 65 نائباً. فرضية ما لبس أن طرحها البعض حتى علت أصوات من داخل معسكر اليمين لترفضها بشكل قاطع. إريك سيوتي، نائب الألب ماريتيم، قال إنّ “اليمين لن يكون طوق نجاة لماكرون”، وأردف “هنالك اجتماع عاجل واستراتيجي لحزبنا سنقرّر على إثره خطة طريق للمرحلة المقبلة”. كل ذلك وسط ترجيحات بأن يعتمد اليمين خطة “المعارضة البناءة” ما يعني عدم التحالف مع حزب ماكرون وإنما اللجوء إلى التصويت معه أو ضده استناداً إلى نصوص المشاريع التي سيطرحها نوابه.

اذا كانت الشعبوية السياسية والعداء للاتحاد الأوروبي والدعوة للخروج من الناتو هي السمة الأساسية التي تجمع بعض مرشّحي أقصى اليسار وأقصى اليمين، فإنّ المقارنة لا تستوي في ما يخصّ مواضيع الهجرة والاندماج

وإذا كان الجميع ينتظر قرار الرئيس، في حال سيبقي على اليزابيت بورن كرئيسة للحكومة الحالية، فإنّ وزراء ماكرونيين سيجدون أنفسهم خارج قصر ماتينيون عملاً بالقاعدة- الشرط الذي وضعه ماكرون قبل بدء الحملة الانتخابية: كل وزير يترشّح ويخسر في دائرته، عليه أن يضع استقالته بتصرفّ بورن صباح اليوم التالي. وعليه فإنّ وزيرة البيئة أميلي دو مونشالان، ووزيرة الصحة بريجيت بورغينيون، ووزيرة الدولة لشؤون ما وراء البحار جوستين بينان، أصبحن وزيرات سابقات بعد خسارتهنّ في الجولة الثانية من الانتخابات. وليس بعيداً من الوزراء، تلقى المعسكر الماكروني صفعة كبيرة بخسارة وجوه تاريخية في الحزب مقاعدهم النيابية ككريستوف كاستانير (رجل الحلقة الضيقة القوي) وريشار فيران (رئيس الجمعية الوطنية الحالي ومن أوائل الشخصيات المؤسسة لحزب ماكرون عام 2016).

وإذا أردنا العودة إلى الأرقام والمقاعد التي حصّلتها الأحزاب السياسية كافة، يكفي النظر إلى الـ89 مقعداً، التي حصدها التجمع الوطني لنتأكّد أنّ اليمين المتطرف وصل إلى القمّة وأنّ كتلته البرلمانية التي لم تكن تتجاوز الـ7 نواب قبل 5 سنوات باتت الأكبر، إذا ما استثنينا كتلة الرئيس وإذا اعتبرنا أنّ كتلة اليسار عبارة عن كتل متحالفة يشكّل فيها ميلانشون الرقم الأكبر مع 72 نائباً منتخباً. ويعيد البعض هذا الصعود الكبير لليمين المتطرف وقدرته على تحصيل مقاعد لم يكن يحسبها في الجولة الثانية إلى التزام المرشحين الماكرونيين الخاسرين الصمت وعدم دعوتهم إلى التصويت لمرشحي تحالف اليسار (NUPES) في بعض الدوائر.

جدلٌ كبير فتح حول معنى “القوس الجمهوري” وأهميته وجدواه بعد الخلاف الذي نشب داخل البيت الحكومي حول ضرورة الدعوة من عدمها إلى انتخاب مرشّح محسوب على ميلانشون، في وجه مرشّح محسوب على مارين لوبان. واذا كانت الشعبوية السياسية والعداء للاتحاد الأوروبي والدعوة للخروج من الناتو هي السمة الأساسية التي تجمع بعض مرشّحي أقصى اليسار (الميلانشونيين) وأقصى اليمين، فإنّ المقارنة لا تستوي في ما يخصّ مواضيع الهجرة والاندماج، وهي مواضيع جعلها التجمّع الوطني في صلب برنامجه الانتخابي من خلال التركيز على مجتمع أكثر تماسكاً اجتماعياً واقتصادياً، ركيزته اليد العاملة البيضاء والحدود الوطنية المقفلة.

المعارك التي فتحت منذ الأمس حول اللجان النيابية والمشاريع المقترحة لا سيّما قانون القدرة الشرائية وقانون التقاعد، الذي بات تمريره صعب المنال وسط معارضة اليسار وأقصى اليمين، إلا في حال وجد ماكرون ضالّته عند نواب اليمين الجمهوري، استكملت اليوم بعدما أعرب “حزب التجمع الوطني” عن رغبته في ترأس لجنة المال والموازنة. رغبة قابلها وزير الزراعة الحالي بالقول، “تلك اللجنة من حق التكتّل الأكبر في المعارضة وهذا ما ينصّ عليه الدستور”. كلام تلقّفته كليمانتين أوتان (تحالف اليسار) باستياء كبير، إذ “إنّ الدستور لا ينصّ على شيء يخصّ الاحقية في اللجان وأنّ الأمر يتعلّق بالنظام الداخلي. لذلك فإنّنا الأجدى بتسلّم رئاسة تلك اللجنة”.

إقرأوا أيضاً:

كلام كثير سيقال في تلك الانتخابات التشريعية التي شهدت نسبة مقاطعة كبيرة قاربت الـ 54 في المئة، وأفرزت مجلساً نيابياً لا يشبه أي مجلس سابق، لكن لتراجع الحزب الحاكم وخسارته عشرات المقاعد في قصر بوربون أسباباً عدة، لعلّ أبرزها:

1- تصويت جزء لا بأس به من الفرنسيين بشكل عقابي، إذ صبّت أصوات يسارية في صناديق أقصى اليمين في الجولة الانتخابية الثانية عند اجتماع مرشّح ماكروني وجهاً إلى وجه مع مرشّح للتجمّع الوطنيّ، لا سيّما في الأرياف والمناطق العمّالية التاريخية التي شهدت نسب تصويت كثيفة لمرشحي الحزب الشيوعي، بخاصة في الشمال وشمال غربي البلاد إضافة إلى بعض الضواحي التاريخية للحزب في السين سان- دونيس. ويمكن فهم ظاهرة التصويت العقابي كشكل من أشكال السخط على نتائج الانتخابات الرئاسية بالدرجة الأولى وكنوع من اللامبالاة والاكتراث بتأمين استقرار للحياة السياسية بدرجة ثانية.

2- سوء تقدير الرئيس الحالي وفريقه لتلك الانتخابات وعدم تركيزه على حملة انتخابية حقيقية، إذ لم يشارك بزخم في اللقاءات الكبيرة بين الدورين وتعمّد المغادرة إلى كييف قبل ساعات قليلة من الصمت الانتخابي. تجاهل ماكرون فكرة سائدةً في هذه البلاد: الفرنسيون يحبّون ويقدّرون من يستمع إليهم ويتشارك همومهم ومن يبقى ظاهراً في الساحات والندوات واللقاءات…غاب ماكرون وهو الذي لم يغب أبداً في حملة عام 2017، ويبدو أنه دفع ثمن ذلك خسارة وجوه تاريخية لحزبه على فارق ضئيل جداً من الأصوات لم يتجاوز المئة في بعض الحالات.

3- تكريس بعض وجوه الماكرونية خطاباً معادياً للتيارات اليسارية واستهدافها بشكل شبه يوميّ يفوق التصويب على الخطر الأكبر القادم من اليمين المتطرّف. تناسى هؤلاء أنّ القاعدة الأساسية للماكرونية، تتشكّل من كوادر سوسيو- ديموقراطية وليبرالية- جمهورية وأنّ خطاب استهداف اليسار على حساب اليمين المتطرّف بات حملاً ثقيلاً في معركة انتخابية استطاع فيها اليسار أن يعود رقماً صعباً في المعادلة السياسية.

لتلك الأسباب وغيرها، لن تكون مهمة ماكرون سهلة في السنوات الخمس الآتية، وقد يضطرّ إلى اللجوء لتحالفات غريبة، لتمرير مشاريع قوانين التقاعد والقدرة الشرائية وغيرها من مواضيع عالقة، وهو لذلك بدأ باستهداف النوّاب “المتطابقين” الذين قد يمنحون مشاريع رئيسة حكومته اليزابيت بورن أصواتهم، هذا اذا بقيت بورن رئيسة حكومة ولم يتمّ استبدالها بوجه حزبي من اليمين الجمهوري لخطب ودّ كتلتهم البرلمانية. لا أحد يعرف ما يجول في خاطر ماكرون اليوم، وإذا كان الحديث عن حلّ الجمعية الوطنية بعد فترة السنة والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، بات مطروحاً، فالأكيد أنّ رئاسيات 2022، أصبحت ضرباً من النسيان وأنّ الرجل الذي حكم البلاد دون عناء لخمس سنوات خلت، قد يجد نفسه رئيساً من دون صلاحيات كبيرة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.