fbpx

وفيق صفا… ورقة “حزب الله” الرابحة ومفاوضه الأول

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قصص كثيرة تتناقلها المناطق اللبنانية التي بسط عليها الحزب سيطرته، تحكي عن نفوذ الرجل وسطوته على الأجهزة الأمنية فيها. والأكيد أنه بات لصفا رجاله داخل هذه الأجهزة وأنه لا يمكن معاقبة أحد من دون موافقته ورضاه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا كتير مرتاح”… 

بابتسامة عريضة أجاب مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا وهو يخرج من لقاء جمعه بزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ومعاون أمين عام “حزب الله” حسين خليل. 

ظهور سريع عابر لكنه خلف الكثير من الأسئلة والتكهنات، فمجدداً يبرز صفا كإحدى الأوراق التفاوضية البارزة التي يعتمدها الحزب لصوغ تفاهمات وعلاقات تبدو للوهلة الأولى مستحيلة، لكن الاجتماعات المغلقة والنقاشات البعيدة من الأضواء تقول أمراً آخر.

الظهور الأخير لوفيق صفا نفى تسريبات عن تعليق مهماته في سياق أزمة في مواقع قيادية في الحزب يعاني منها منذ سنوات بسبب خسارة أسماء بارزة إما اغتيالاً أو بسبب الحرب في سوريا. 

ووفيق صفا اسم برز في السنوات الأخيرة، فهو نسج علاقات مع أطراف سياسية ومع وجوه إعلامية وشخصيات عامة. إنه أقرب عناصر الحزب إلى أمينه العام حسن نصرالله، بعدما خسر الأخير الكثير من المقربين إليه كمعاونه العسكري عماد مغنية وخلفه مصطفى بدرالدين، إضافة إلى قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والذين قضوا اغتيالاً في السنوات الماضية. كما خسر آخرين اختاروا خيانته، كمحمد شوربة، رئيس وحدة العمليات الخارجية.

لا معلومات كثيرة يتيحها الحزب عن رجل المهمات الصعبة. وفيق صفا هو المفاوض الذي يفاخر بقدرته على جمع معلومات عن مفاوضيه لاستخدامها واستعراضها خلال المفاوضات. وصفا من أهم أذرع حزب الله السياسية-الأمنية التي تواكب مهام الحزب العسكرية، في الداخل والخارج، لاستثمارها في المفاوضات.  

الظهور الأخير لوفيق صفا نفى تسريبات عن تعليق مهماته في سياق أزمة في مواقع قيادية في الحزب يعاني منها منذ سنوات بسبب خسارة أسماء بارزة إما اغتيالاً أو بسبب الحرب في سوريا. 

المفاوض ومهمة قبع بيطار

في الفترة الأخيرة، برز اسم وفيق صفا، بشكل فاقع، بعد زيارته الشهيرة إلى قصر العدل في بيروت، في أيلول/ سبتمبر 2021، لتوجيه رسالة تهديد واضحة إلى قاضي التحقيق بقضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار. بعد الحادثة صار اسم وفيق صفا يتكرر على لسان كثر ممن لم يعرفوه من قبل، لعدم اكتراثهم سابقاً بدهاليز السياسة وتسوياتها. لكن هذه المرة كان لنزول صفا شخصياً إلى قصر العدل ليضع حداً لبيطار، الذي تجاوز توجيهات نصرالله في خطاباته العلنية، وقع مختلف عن تحركاته السابقة، فالخطوة ترتبط بجريمة دمرت منازل مئات الآلاف من سكان العاصمة وحصدت أرواح أكثر من 200 شخص. وتشير حركة الرجل السياسية الأخيرة مع تعطيل حزبه الحكومة، إلى أن “قبع بيطار” هي المهمة الموكلة حالياً إلى رجل الصفقات السياسية.

ولد وفيق عبد الحسين صفا، والذي يحب أن ينادى بالحاج وفيق، في الأول من أيلول/ سبتمبر 1960 في بلدة زبدين قضاء النبطية جنوب لبنان. انضم إلى صفوف “حزب الله” عام 1984، متأخراً سنتين عن تاريخ تأسيس الحزب، وعين رئيساً للجنة الأمنية عام 1987. ليصبح بعد انتهاء الحرب الأهلية رئيساً للجنة التنسيق والارتباط التي نشأت بهدف التنسيق مع الأجهزة الأمنية. 

برز اسم صفا في المفاوضات حول ملف الأسرى لدى إسرائيل. لكنه قبل ذلك، وعام 1991 نسق عملية تبادل أسرى بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، أشرف عليها في حينها ميشال المر الذي كان وزيراً للدفاع.

وعام 1996 شارك في أول عملية تفاوض بين “حزب الله” وإسرائيل عبر الوسيط الألماني، وكان صفا من ضمن اللجنة التي استقبلت جثث مقاتلي الحزب والأسرى الأحياء. في مقابلة تلفزيونية يقول صفا إن نصرالله كان المفاوض الأساسي في اللجنة في ذلك الوقت. وتتالت بعدها عمليات التفاوض. فتبعتها صفقة عام 1998.

عام 2000 وبعد أسر الحزب ثلاثة إسرائيليين في مزارع شبعا، أنشأت لجنة للتفاوض ضمت نصرالله وصفا ومغنية وبدر الدين، وقد نجحت عام 2004 في إنجاز عملية تبادل أكبر. وتمت آخر عمليات التبادل عام 2008، وبعد أسر “حزب الله” جثتي جنديين إسرائيليين، في العملية الشهيرة التي أدت إلى اندلاع حرب تموز 2006. خلال فترة التفاوض هذه خسرت اللجنة أحد أفرادها، عماد مغنية في عملية اغتيال في سوريا، فسميت الصفقة “عملية الرضوان” تيمناً باسمه العسكري. وباغتيال بدر الدين عام 2016 تكون اللجنة قد خسرت نصف أعضائها.

إقرأوا أيضاً:

اغتيال الحريري وصعود صفا

قبل حرب تموز، برز اسم صفا في الملف الداخلي اللبناني عام 2005، بعيد اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري. صار المفاوض مع الأعداء مفاوضاً مع الخصوم والحلفاء، ومع الخصوم الذين صاروا حلفاء. ويستمر اليوم بالاجتماع بهم عند كل خصومة. تجمع صفا لقاءات كثيرة مع سياسيين من مختلف الانتماءات كموفد من نصرالله عند كل أزمة أو تسوية.  

لعب المنسق مع الأجهزة الأمنية والحلفاء والخصوم، دوراً أساسياً في أحداث السابع من أيار، حين استخدم “حزب الله” وبشكل علني سلاحه في اقتتال لبناني- لبناني، بهدف إسقاط قرارين صدرا عن الحكومة اللبنانية ينصان على إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي في حينها، العميد وفيق شقير من منصبه، وقرار آخر يهدف لنزع شبكة الاتصالات الهاتفية السلكية التي أنشأها “حزب الله” والتي اعتبرتها غير شرعية. فكان لـ”حزب الله” يومها ما أراده وفرض تسوية سياسية، عبر اتفاق الدوحة، مكنته من السيطرة على المؤسسات الدستورية.

المسؤول في “حزب الله” تولى بنفسه مهمة التنسيق بين المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي حققت بجريمة اغتيال الحريري، وكان “حزب الله” متهماً بارتكابها قبل إدانة سليم عياش، أحد قيادي الحزب، والذي يرفض الحزب إلى اليوم تسليمه للعدالة الدولية.

يردد اليوم اسم وفيق صفا في ملفات داخلية كثيرة، بينما بات يكثر من إطلالاته الإعلامية. ولا تخفى علاقة صفا بعدد من الإعلاميين الذين يمدهم بما يريد من معلومات وبما يريد قوله بطريقة غير مباشرة، تحت اسم “مصادر”، لتنشأ بين الطرفين علاقة مكنت “الحاج وفيق” من امتلاك منابر في وسائل إعلام محلية عدة، خصمة وصديقة.

إطلالات إعلامية تنقصها الحنكة

في إطلالته عبر قناة “الاتجاه” الفضائية، لمناسبة الذكرى الثانية لمقتل سليماني، لا يظهر صفا متمكناً من الكلام. يحكي أحياناً بعفوية أقرب إلى البساطة منها إلى الحنكة السياسية. تحليله لأسباب “النصر” في سوريا يتناقض وخطاب قائده نصرالله، والذي يكرر الحديث عن قوة الحزب التي هزمت داعش. يعترف صفا بأن “حالة الانقسام والقتال بين “النصرة” وبين “داعش” هي السيف الذي قطع ظهرهم وإلا لو لم يكن هذا الأمر… ما في… بدك جيوش المنطقة كلا تجي حتى تخلص”. كما يعترف المسؤول الحزبي بالانقلابات التي حصلت في صفوف الجيش السوري والتي مكنت داعش من الحصول على كمية كبيرة من العتاد، وهو ما حاولت لسنوات نفيه أو تهميشه وسائل الإعلام الممانعة.

في المقابلة ذاتها لا يستخدم صفا إلا صفة “القائد” للإشارة إلى خامنئي في تأكيد على ولائه للولي الفقيه، وهو ما لا يحمل جديداً. يحكي عن علاقته بسليماني، عن إمكاناته التي وضعها “في خدمته”، إذ جمعه “أول لقاء عملي بسليماني سنة 2005 بوجود عماد مغنية، وكان هناك مسار عمل معين كان يفترض أن يكون موجوداً فيه، شغل له علاقة بأنماط مختلفة من العمل”. 

خلال المقابلة أيضاً، كان المسؤول الحزبي كثير الابتسام، على عكس مقابلته التي تلتها على المنار للحديث عن الموضوع نفسه. هدفت المقابلتين اللتين استضافتا صفا كقيادي من الصف الأول، يمكنه الظهور إعلامياً، للحديث عن مزايا سليماني وعن العمل معه ضمن حملة أسطرته. لكن لا تبدو علاقة صفا بسليماني كعلاقة نصرالله به. تبدو علاقة عمل، ولا تعكس الحرارة ذاتها التي يعكسها حديث نصرالله عن سليماني.

“أنا كتير مرتاح”… 

بابتسامة عريضة أجاب مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا وهو يخرج من لقاء جمعه بزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ومعاون أمين عام “حزب الله” حسين خليل. 

نفوذ و”بيزنيس”

ومن حيث النفوذ على الأرض، ربما يفوق صفا نصرالله سلطة، نظراً إلى قدرته على التحرك وعلى صياغة العلاقات الأمنية والسياسية التي سمح له منصبه بنسجها على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، وقدرته على الاستثمار فيها في مصالحه الشخصية وفي “البيزنيس”. 

قصص كثيرة تتناقلها المناطق اللبنانية التي بسط عليها الحزب سيطرته، تحكي عن نفوذ الرجل وسطوته على الأجهزة الأمنية فيها. والأكيد أنه بات لصفا رجاله داخل هذه الأجهزة وأنه لا يمكن معاقبة أحد من دون موافقته ورضاه.

عام 2019 أدرج اسم صفا على لائحة العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية. يومها ترافق اسمه مع اسمي صديقيه النائبين أمين شري ومحمد رعد. واتهمته الوزارة الأميركية، قبل سنتين من انفجار ميناء بيروت، “باستغلال موانئ لبنان وحدودها في عمليات تهريب وتسهيل السفر لأعضاء في حزب الله، وقد شملت المواد التي هربها صفا، مخدرات وأسلحة، قام بإدخالها عبر ميناء بيروت”. 

الثروة المخفية

يعرف عن صفا اهتمامه بإنفاقه على ملابسه. وتجمعه علاقات قوية بالعديد من رجال الأعمال الشيعة والذين وضع بعضهم على لائحة العقوبات الأميركية. ويحكى عن أعمال يديرها من دون استخدام اسمه عبر شراكات مع مقربين منه. ولا يمكن معرفة كم تبلغ ثروة الرجل المعاقب أميركياً، لكن في محاولة لتقدير شيء منها ضمن المتاح من المعلومات، عرض برنامج يسقط حكم الفاسد عدد العقارات التي يمتلكها المسؤول الحزبي والمسجلة باسمه في السجل العقاري. فتبين امتلاكه، حتى نيسان/ أبريل 2020، 10 عقارات. ثلاثة منها اشتراها، تبلغ مساحتها وحدها نحو 30 ألف و600 متر مربع، ولا تقل قيمتها،  حين ابتاعها، عن 600 ألف دولار وفق تقدير أحد المخمنين. واللافت تصنيف أربعة من العقارات يملكها صفا على أنها أراض أميرية، أي أن ملكيتها تعود للدولة اللبنانية.

لأحد أبناء صفا الثلاثة شركة مسجلة باسمه تقوم بمختلف أنواع التجارة من استيراد وتصدير مواد البناء والنفط الخام وغيرها من الأعمال التجارية. وعادة ما تكون شركات كهذه واجهة لأعمال أخرى، كتبييض الأموال. 

ربما صوّر صفا وصيته مرتدياً البدلة العسكرية بشريط مصور، كما يفعل قادة الحزب، وربما وثقت الكاميرات الكثير من لحظاته التي لن تكشف الآن، وربما أبلغ المعنيين بنشر سيرته، واختار ما يحب أن يقال ويكشف عنه. وبانتظار تلك اللحظة يرسم صفا من خلال حركته السياسية، تفاوضه، مقابلاته، تهديداته، وتسريباته الإعلامية صورة له غير مكتملة المعالم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.