fbpx

قانون “الحماية” في إيران:
  لماذا يقلق المرشد من الانترنت والمعارضين الافتراضيين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حكومة الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، سوف تنتقل من عملية التقييد الممنهج للإنترنت إلى قوننة الحجب والمنع، بغية فرض المزيد من التبعية “الولائية” على الفضاء الافتراضي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

برغم فشل البرلمان الإيراني في تمرير مشروع قانون لتقييد الإنترنت، إلا أنّ حيل النظام لا تتوقف لجهة فرض المزيد من القيود على شبكات التواصل الاجتماعي.

ومع الصعوبات التي رصدها نشطاء عند محاولتهم الوصول إلى موقع “انستغرام”، في الفترة الأخيرة، فتلوح محاولات عدة لتطبيق القانون الذي يشرعن الحجب، دون صخب وبشكل خفي وغير معلن ليضحي أمراً واقعاً. يأتي ذلك بعدما تمّ رفعه من أجندة البرلمان الذي يسيطر عليه المتشددون والجناح القريب من المرشد الإيراني، علي خامنئي، بينما عارضه وزير الاتصالات الإيراني، عيسى زارع بور. 

وقال بور، في آب/ أغسطس العام الماضي، أثناء جلسة البرلمان (العلنية) التي خصصت لمناقشة مشروع القانون الخاص بتقييد الإنترنت، إنّ “فرص الاستفادة من الفضاء الإلكتروني تفوق بكثير أضراره”. 

غير أنّ المساعد التنسيقي في الحرس الثوري الإيراني، محمد رضا نقدي، هاجم النواب المعارضين للقانون ووصفهم بـ”حفنة من المنافقين”، بينما طالبهم بـ”إنهاء سلطة الأجانب على الفضاء الافتراضي في إيران”. 

ويكاد لا يختلف الموقف المتشدد للقيادي بالحرس الثوري عن ما صرح به المرشد الإيراني، ذاته، والذي وصف الفضاء الافتراضي بـ”الطليق”. بل إنّ خامنئي أبدى امتعاضه من تعطل المشروع الذي تبنّاه النظام منذ عام 2005. 

مشروع “الشبكة الوطنية للمعلومات”، يعود لفترة حكومة محمود أحمدي نجاد، تحديداً بعد احتجاجات الحركة الخضراء المعارضة على خلفية رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها أحمدي نجاد وطاولتها اتهامات بالتزوير. ويهدف المشروع إلى تدشين شبكة إنترنت محلية (وطنية) و”تقليل الاعتماد على شبكة الإنترنت العالمية… وتقليل الإنفاق بالنقد الأجنبي”. وكان من المتوقع أن يتم تنفيذه، العام الماضي، كما ذكر قانون البرنامج التنموي السادس.

وفي أعقاب مناقشة البرلمان القانون (تمّ تقديمه بمسميّات مختلفة) الذي لم يحظ بالموافقة، قال خامنئي، خلال اجتماعه وأعضاء المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي، إنّ الانترنت “يُدار في الخارج من دون إرادتنا. ولذلك أنا أشدد على مسألة الشبكة الوطنية للمعلومات. لا يمكن ترك هذه المسألة، لكنّني أرى أنّها لا تحظى بالاهتمام الكافي”. 

وتزامنت جلسة نقاش مشروع القانون مع أزمة المياه والاحتجاجات العنيفة التي شهدها إقليم خوزستان (الأحواز)، جنوب غربي إيران. بينما ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في توثيق الأحداث التي رافقت التظاهرات وعنف الشرطة بحق المحتجين. أدى ذلك إلى نقل عدوى التظاهرات إلى مناطق أخرى، وبخاصة التي تعيش فيها الأقليات وتعاني من واقع مماثل. ووفق وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، فإنّ طهران ومناطق أخرى قد شهدت انقطاعاً هائلاً في الإنترنت.

وعلى ما يبدو، فإنّ هناك أزمة حادة داخل النظام بخصوص مشروع قانون تقييد الإنترنت، والمعروف باسم “مشروع الحماية”. وذكرت صحيفة “شرق” المحسوبة على التيار الإصلاحي أنّ “المشروع ينفذ حالياً، بصورة تدريجية، كل يوم، بشكل مختلف، بما يضع حياتنا نحن الإيرانيين أمام صعوبات وتحديات”. 

كما لمح موقع “زوميت” الإيراني، المعني بالأخبار الرقمية، إلى أنّ هناك عملية حجب تتم بشكل مرحلي لمنصات إلكترونية في إيران. فيما عانى مستخدمو الإنترنت في إيران، في الفترة الأخيرة، من صعوبات في الوصول إلى تطبيقات مثل “انستغرام” و”تلغرام”، مع الأخذ في الاعتبار أنّ وزارة الاتصالات الإيرانية، والتي لم تذكر أيّ معلومات بشأن حجب مواقع أو تطبيقات إلكترونية جديدة، ضاعفت أسعار باقات الانترنت (100 في المئة). وذلك من دون زيادة النطاق الترددي الضعيف.

منع وصول مستخدمي الإنترنت إلى موقعي “تلغرام” (عدد أعضائه في إيران قرابة 45 مليون إيراني)، و”انستغرام” (عدد أعضائه 47 مليوناً)، وفق تقرير رسمي لمركز الإحصاء الإيراني، نهاية العام الماضي، لا يعدو كونه أمراً عرضياً أو مباغتاً. إذ تمّ حجبهما، مؤقتاً، على خلفية احتجاجات عامي 2017 و2019، الأمر الذي سبق وتكرر مع مواقع أخرى مماثلة. ومع احتجاجات الحركة الخضراء، عام 2009، حجبت، تماماً، منصات مثل “تويتر” و”يوتيوب”. 

إقرأوا أيضاً:

كما حجبت الحكومة الإيرانية الإنترنت، لمدة أسبوع كامل، إثر اندلاع احتجاجات عام 2019، على خلفية تضاعف أسعار البنزين. وفي هذه الفترة سجلت منظمة “نت بلوكس”، المختصة بمراقبة أنشطة الإنترنت، تراجعاً لافتاً في إمكانية الوصول للانترنت لنحو 4 في المئة، واستمر حتى أواخر العام ذاته. 

ويقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة إنّ “التعتيم المعلوماتي بعد الإغلاق (حجب الإنترنت عام 2019) سهّل من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 324 شخصاً”.

في المقابل، أوضحت منظمة العفو الدولية، أنّ السلطات الإيرانية حجبت الإنترنت، عمداً، خلال الاحتجاجات في نهاية عام 2019، بغية التعمية عن الحجم الحقيقي لعمليات القتل، خارج نطاق القانون، على أيدي قوات الأمن الإيراني ضد المحتجين.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنّه “عندما بدأت أنباء حملة القمع الدامية في الظهور في إيران نهاية عام 2019، صدم العالم من مستوى العنف الوحشي الذي تمارسه

قوات الأمن”.

ومع انهيار مبنى متروبول في مدينة عبادان جنوب غربي طهران، عاودت طهران تنفيذ سياستها التي تواجه بها الاحتجاجات والكوارث بقطع خدمات الانترنت. 

ولا تراوح إيران، في ظل حكم آيات الله، موقعها في التصنيف العالمي باعتبارها ضمن “أسوأ منتهكي حرية الإنترنت في العالم”. 

وفي التقرير الأخير لمؤسسة “فريدوم هاوس” البحثية، والذي يغطي الفترة بين عامي 2020 و2021، ذكرت أنّ “السلطات الإيرانية أعدمت روح الله زم، الذي كان يدير قناة شعبية على تلغرام، إثر اتهامه بالتحريض على الاحتجاجات والانتماء إلى أجهزة استخبارات أجنبية”. 

ووفق التقرير ذاته، فإنّ الاستخبارات الإيرانية، استدعت عدداً من الصحافيين بسبب تقاريرهم عن ملابسات الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران/ يونيو العام الماضي. وفي هذه الانتخابات التي تزامنت مع بدايات انتشار فايروس “كورونا” في العالم، بينما عمدت الحكومة إلى التكتم على وجود حالات بالبلاد، وشهدت، رغم ذلك، أدنى مشاركة، وقعت انتهاكات بالجملة منها حجب الإنترنت، كما ذكر تقرير أصدرته حديثاً مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.     

وهذا “الاستبداد الشبكي”، بتعبير الصحافية والناشطة الأميركية في مجال الدفاع عن حرية الانترنت، ريبكا ماكينون، الذي يتوسع فيه نظام “الولي الفقيه”، يبدو وكأنّه استراتيجية ضغط قصوى من قبل الحكومة في طهران لمواجهة أزمات الانسداد السياسي. ومن ثم، تعمد الحكومة الإيرانية إلى حظر انتشار المعلومات، وعزل المواطن وتغييبه قسراً، فضلاً عن رغبتها المحمومة في التعتيم على الخروقات الحقوقية التي تتزايد وتيرتها مع اتساع قاعدة الاحتجاجات والتعبئة المجتمعية.

وإلى ذلك، يمكن القول إنّ مواجهة النظام الإيراني مع الإنترنت بدأت في مرحلة مبكرة. إذ يمثل هذا الفضاء الحر أو “الطليق”، بحسب تعبير المرشد الإيراني، بمعنى أنه يحتاج إلى قيود، “هاجساً للأنظمة القمعية ومنها النظام الإيراني”، يقول الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني، الدكتور محمود أبو القاسم. 

وأتاح الإنترنت للمجتمع، بمختلف مكوناته ومرجعياته الفكرية والأيديولوجية وحتى الدينية والقومية، ساحة افتراضية بديلة يتداول عبر منصاتها القضايا العامة والوطنية، يوضح أبو القاسم لـ”درج”. 

ويردف: “وفي هذه الساحة الافتراضية يتشكل رأي عام، متماسك وقوي، يكون، بدوره، كاشفاً لعجز السياسيين أو فسادهم”.

ومن هنا، كان عداء النظام الإيراني المباشر للإنترنت. إذ أمسى المجتمع يملك حق تداول الرواية البديلة وغير الرسمية، وكذا الفضاء الخاص لبث قيمة مغايرة. هذه القيم، التي لا يرغب النظام في تعميمها، تضغط على سياساته أو بالأحرى استراتيجيته التي تهدف إلى إلغاء أي تمايزات أو تنوع بالمجتمع يهدد بقاؤه بالحكم. 

يتفق والرأي ذاته، المحلل السياسي والمعارض الإيراني، مسعود محمد، والذي يرى أنّ الفضاء الافتراضي يعد بمثابة مساحة غير آمنة وقلقة للنظام الإيراني، مؤكداً لـ”درج” على أنّ المرشد الإيراني يرى أنّ الإنترنت بحاجة لقيود جمّة وإلا سيكون سبباً في إسقاط نظام “الولي الفقيه”. 

ويلفت المحلل السياسي والمعارض الإيراني إلى أنّ خامنئي سبق أن قال لمجموعة من قادة القوات الجوية إنّه “لا يمكننا البقاء في موقف دفاعي دائماً ويجب أن نقوم بهجوم مشترك في مختلف المجالات، بما في ذلك الإعلام والأمن والاقتصاد”. وهذا الأمر بالهجوم قد جاء في وقت كانت فيه “خطة تنظيم خدمات الفضاء الإلكتروني” مدرجة على جدول أعمال لجنة تسمى “لجنة الأمن المشتركة”. 

وفي النسخة النهائية من هذه الخطة، تتولى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات “إنشاء خدمات الشبكة الوطنية التي تحتاجها الدولة”، يقول محمد.

وبالعودة إلى الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني، فيقول إنّ النظام، في طهران، كثف جهوده من أجل تقييد هذا الفضاء، وفرض رقابة صارمة عليه بعدما أسهم، بصورة كبيرة، في التعبئة المجتمعية خلال انتفاضة عام 2009. 

هذا فضلاً عن التجمعات الافتراضية لفئات وقطاعات متباينة، منهم الطلبة والمعلمون والعمال والمتقاعدون عن العمل، ما ساهم في تنامي وتيرة الاحتجاجات الفئوية التي يقع تحت وطأتها النظام حالياً.

وتؤشر الاحتجاجات في إيران، إلى أنّ النظام بتياريه الإصلاحي والمتشدد، يقف على مسافة قريبة من مسألة القيود على الإنترنت، برغم وعود التيار الأول بتخفيف حدة ذلك، وخطابه المختلف. لكن ولاية حسن روحاني، شهدت انتفاضة شعبية قوية ومؤثرة، دفعته إلى حجب الإنترنت.

وفي المحصلة، فإنّ حكومة الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، سوف تنتقل من عملية التقييد الممنهج للإنترنت إلى قوننة الحجب والمنع، بغية فرض المزيد من التبعية “الولائية” على الفضاء الافتراضي. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.