fbpx

“الاتفاق لم يعد له فائدة”… نووي إيران أمام مقايضة أخيرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المقاربة الحالية بين طهران وواشنطن تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” أو “العودة المتبادلة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتجه المؤشرات إلى أنّ هناك تفاهمات شبه نهائية بشأن إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. 

وبعد المقترح الأوروبي الذي وصفه ديبلوماسي إيراني، لم تسمه وسائل الإعلام المحلية بطهران، بأنّه قد يكون “مقبولاً في حال قدم لإيران تطميناً حيال العقوبات والضمانات”، تلوح في الأفق نذر اتفاق نووي وشيك.

فالنسخة النهائية التي قدمها الاتحاد الأوروبي، حققت نتائجها من ناحية كسر الجمود الذي رافق المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، لمدة قاربت 15 شهراً. فيما انكشف موقف طارئ لإيران وقد تنازلت عن مطلبها المتشدد برفع الحرس الثوري من لائحة العقوبات الأميركية.

وثمّة مقاربة سياسية تقودها الأطراف الأوروبية لتفادي فشل مفاوضات فيينا، لا سيّما مع المستجدات الجيواستراتيجية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ومنها أزمة الطاقة التي يضعها الغرب في قمة أولوياته، حالياً. مع الأخذ في الاعتبار أنّ احتياطات الغاز الإيراني تصل نحو 34 تريليون متر مكعب أو ما يعادل 17.3% من إجمالي الاحتياطي العالمي.

ولذلك، خفت لهجة طهران العنيفة والراديكالية على أكثر من مستوى. فقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إنّه يتعين على الولايات المتحدة التي وافقت على “مقترحين لإيران شفاهة تحويلهما إلى نصوص مكتوبة”، من دون ذكر تفاصيل عن ماهية وطبيعة هذين الاقتراحين. 

وبالتزامن مع الرد الإيراني على المقترح الأوروبي، طالب أمير عبد اللهيان واشنطن أن تبدي “مرونة في مسألة واحدة”، لم تحددها هي الأخرى، وبعدها “نحن مستعدون لإعلان الاتفاق في اجتماع لوزراء الخارجية”.

كما قال مستشار الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي: “إنّنا لسنا بعيدين أبداً عن اتفاق محتمل بشأن العودة إلى الإتفاق النووي، فالقضايا العالقة تمّ حلها، وفرص التوصل إلى اتفاق باتت كبيرة جداً”.

وبخلاف الهجوم اللاذع والنقد الحاد الذي تعرض له الوفد المفاوض التابع للرئيس الإيراني، حسن روحاني، ووزير خارجية، محمد جواد ظريف، يحظى الفريق التابع للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بدعم لافت من قبل الأصوليين. 

وهناك حالة اصطفاف قصوى داخل النظام بشأن الموقف من المفاوضات النووية، وتفادي أيّ انتقادات. ويتماثل موقف رجل الدين الشيعي، كاظم صديقي، الذي وصف فريق التفاوض في خطبة الجمعة بالعاصمة طهران، منتصف الشهر، بأنّه “ثوري وصاحب خبرة”، مع موقف الرئيس الإيراني الذي أكد حصول بلاده على “جزء كبير من مطالبها” عبر “نهجها المشرّف”.

ومع التقدم الذي يشهده الملف النووي الإيراني، ثمّة إشارة أخرى في الإتجاه ذاته تؤكد على درجة الانفتاح التي ترافق هذه المناخات الإيجابية. إذ وصل وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إلى طهران، الاثنين الماضي. وتضمن جدول الزيارة الحديث عن الحوار السعودي الإيراني، والمتوقع أن يشهد جولة جديدة (سادسة) في سبتمبر/ أيلول المقبل. 

وهذه الجولة سوف تكون على مستوى وزراء الخارجية وبشكل علني. وهذا خرق جديد بعدما كانت تقتصر الجولات الخمس السابقة على المسؤولين في الأجهزة الأمنية والاستخبارية، فقط، في البلدين، بما يعكس خطوة في اتجاه متابعة القضايا السياسية والملفات الإقليمية المأزومة، وتحديداً أمن الخليج.

إذاً، هناك فرصة أو بالأحرى شروط جديدة تسمح بإعادة “خطة العمل المشتركة” إلى حيز التنفيذ (رغم الشروط الإيرانية الأربع الجديدة). فالخسارة الاقتصادية لإيران، المتسبب فيها الانسحاب الأحادي لترامب من الاتفاق، ما تزال تفاقم الأعباء على حكومة رئيسي والتي تضاعفت، في عامه الرئاسي الأول، أسعار المواد والسلع الأساسية لـ300%.

ففي حين سجل الاقتصاد الإيراني نمواً مطرداً، بلغ نحو 12 بالمائة عام 2016، أي بعد توقيع الاتفاق النووي، فإنّ هذا الارتفاع أخذ ردة عكسية، وانخفضت المعدلات بنفس الدرجة على خلفية فرض حزمة العقوبات الأميركية. وواصل الاقتصاد الإيراني انهياره حتى وصل لنسبة 4.99 بالمائة في عام 2020.

وطاولت العقوبات الأميركية قطاعات النفط، والتي تشكل منتجاتها 80 بالمائة من الصادرات الإيرانية، ما تسبب في فقدان إيران مليارات الدولارات من عائداتها، وبخاصة مع سحب أكثر من 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني من السوق، بحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية.

إقرأوا أيضاً:

وأدت العقوبات، التي اتسع نطاقها بحيث شملت قطاعات وأفراد بالنظام الإيراني، إلى حرمان إيران من 10 مليارات دولار من عائدات النفط، في الفترة ما بين عامي 2018و2019، وفق التقرير ذاته. 

ومن ثم، فإلى جانب الانفراجة الاقتصادية المتوقعة لإيران، في حال جرى إحياء الاتفاق النووي، فإنّ بايدن، الذي اعتمد الإطار الدبلوماسي لحل معضلة نووي إيران بخلاف سياسة الضغط القصوى الترامبية، يخوض تنافساً محموما بالتزامن مع انتخابات التجديد النصفي المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. 

ويمثل الملف النووي الإيراني ومنع طهران من تطوير قدراتها النووية، أحد الملفات الملحة التي يحتاجها بايدن في صراعه الوجودي للإبقاء على سيطرة الديمقراطيين على مقاعد مجلسي النواب والشيوخ. فضلاً عن توظيفه الآخر للانتصار الرمزي الذي حققه بعد اغتيال زعيم تنظيم “القاعدة”، أيمن الظواهري.

وعليه، فإنّ واشنطن لا تملك أي سبيل للسيطرة أو الرقابة على برنامج إيران النووي ومنع عسكرته إلا بإحياء “خطة العمل المشتركة”، كما يوضح الكاتب الإيراني، علي منتظري.

وبالنسبة إلى إيران، فالطريق الوحيد أمامها من أجل رفع العقوبات يتمثل في العودة لاتفاق 2015، يقول منتظري لـ”درج”. 

لكن الباحثة المصرية المختصة بالشأن الإيراني، شيماء محمد، تشير إلى أنّ إيران قدمت تنازلات، تبدو كبيرة، في الفترة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي، منها التنازل عن شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، لافتة لـ”درج” إلى أنّ إيران باتت متيقنة من أنّ الاتفاق النووي، بصيغته الأصلية، لم تد له فائدة لها أو  لواشنطن. 

ومن ثم، فالمقاربة الحالية بين طهران وواشنطن تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” أو “العودة المتبادلة”. وهنا توضح شيماء محمد أنّ إدارة جو بايدن تنازلت عن خططها الاستراتيجية بتوقيع اتفاق طويل الأمد، بينما لجأت لصفقة أقصر وأضعف. وذلك في مقابل أن تمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية، ثم تتفرغ لمواجهة الصين، من ناحية، وتتفادى حدوث توسع في التحالف بين موسكو وطهران وبكين، من جهة أخرى.

كما تلجأ طهران، وفق محمد، إلى تكتيك مباشر لجهة تحقيق “صفقات صغيرة” داخل الصفقة الأكبر المتمثلة في إحياء اتفاق 2015، مثل إقرار صيغة لضمان عدم تكرار أزمة العقوبات على الشركات الأجنبية في إيران. 

ففي حال انسحبت واشنطن، مرة أخرى، من الاتفاق، تمنح الشركات مهلة ثلاثة أعوام. وهكذا تضمن طهران عدم حدوث صدمات عنيفة للاقتصاد بشكل مباغت وفوري.

إيران قدمت تنازلات، تبدو كبيرة، في الفترة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي، منها التنازل عن شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية

وفي ما يتصل برفع العقوبات، طالبت إيران برفع العقوبات عن 150 كياناً مالياً، غالبيتها مرتبطة بالمرشد الإيراني والحرس. وبرغم أنّ أميركا وافقت على هذا المطلب، إلا أن الباحثة المصرية تتوقع أنّها تنفذ ذلك بشكل محدود وليس دفعة واحدة. لأنّ هناك حسابات معقدة تتصل بأمن إسرائيل وموقفها المعارض من الاتفاق، وتداعياته.

ويعقّب الكاتب الصحافي الإيراني على موقف تل أبيب التي تقف على النقيض من أيّ اتفاق مع طهران، بصورة تامة. فيقول: “بطبيعة الحال تعرف إسرائيل قدرات وتكنولوجيا إيران النووية. وأنّ هذه القدرات وصلت لمستويات متقدمة، بما يعني امتلاكها المعرفة التقنية النووية. وبالتالي، بات من السهل الحصول على قنبلة نووية، ويبقى التصعيد العسكري في هذا المجال مرتبطاً بقرار سياسي”. 

وعرج منتظري على مواقف دول الخليج، موضحاً أنّ الإمارات تختلف نسبياً عن آخرين على خلفية نمط التعاون الاقتصادي الكبير مع طهران، فسوف تحقق استفادة مثلى من رفع العقوبات. والأمر ذاته سينطبق على سلطنة عمان وقطر. وتبقى المشكلة الرئيسية مع السعودية. 

وإلى ذلك، تشير المحللة السياسية الأميركية، آيرينا تسوكرمان، إلى أنّ إيران قامت بخروقات جمّة للاتفاق النووي. كما أظهرت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنّها واصلت تخصيب برنامجها النووي. ومع ذلك، بفضل هجمات سرية على منشآتها النووية، تعطلت هذه الجهود.

وتوضح تسوكرمان، وهي تقيم في نيويورك، لـ”درج” أنّ اتفاق 2015 منح إيران تمويلاً إضافياً لكلٍّ من جهود التخصيب وتطوير برنامجها النووي بعد الهجمات السرية التي تعرضت لها منشآتها، وكذا عملياتها الإرهابية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.

بغض النظر عن ذلك، لا يُفترض أبداً أن تكون العقوبات أداة السياسة الخارجية الوحيدة، وفق المحللة السياسية الأميركية. 

وتردف: “تكون العقوبات أكثر فاعلية عند تنفيذها بالاقتران مع أنواع أخرى من الضغط، بما في ذلك العمل السري”. 

غير أنّ إدارة ترامب تعاملت مع أيّ مقاربة ممكنة لعمل عسكري أو سري باعتباره يعني تغيير النظام في إيران، بينما لم تكن واشنطن مستعدة للانخراط في ذلك. تقول تسوكرمان.

ووفق المحللة السياسية الأميركية، فإنّ الضربات العسكرية المحدودة سيناريو قائم أو خطة “ب”. وتوضح أنّه “حل وسط منطقي بين تدخل عسكري كامل القوة لتغيير النظام (وهو تصور غير عملي في الوقت الحالي لأسباب عديدة، بما في ذلك المعارضة الإيرانية الشعبية لمثل هذا التدخل، وحالة الانعزالية داخل الولايات المتحدة، وعدم وجود حل سياسي بنّاء بسبب الانقسام الحاصل بين الإيرانيين) والسماح لإيران بالمضي قدماً في برنامجها النووي”.

وتتخوف تسوكرمان من إمكانية أن تؤدي عسكرة إيران لبرنامجها النووي إلى مزيد من الأنشطة العدوانية، مشيرة إلى “مثال الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لا أحد يجرؤ على معارضة قوة نووية حتى في ظل صراع تقليدي يمكن منعه بسهولة. وهذا بلا شك سبب إصرار إيران على جهودها”.

وتختم: “لا يمكن تصور أنّه لو رحل آيات الله، فإنّ إيران ستصبح بالضرورة جمهورية ديمقراطية ليبرالية سلمية. ومشروع إيران النووي يسبق عام 1979. وحتى يتم نزع الطابع الراديكالي عن الإيرانيين، ستظل احتمالية قيام إيران بعدوان خارجي مرتفعة”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.