fbpx

عن “أحزان” هاني شاكر وفوضى الطوابير السورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هاني شاكر هو نموذج مثالي يتوافق مع تطلعات نظام الأسد ويحذو حذوه في المنع والرقابة، فمن سيكون أفضل منه لإحياء حفلة في دمشق؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اقتحمت طوابير السوريين دار الأوبرا في دمشق، ليس بهدف الحصول على الطعام أو مازوت التدفئة، إنما لشراء بطاقة لحضور حفل غنائي للفنان المصري هاني شاكر، المقرر إقامته في 15 من أيلول/ سبتمبر 2022.

أخيراً، فقد المنتظرون منذ ساعات الصباح الباكر صبرهم، إثر تلاعب موظفي الدار بهم، إذ أوهموهم بأن عليهم التوجه إلى نافذة أخرى، ليخفّ ضغط الطوابير، فاقتحموا الدار، لينقلب جهاز الكشف الإلكتروني عن المعادن والأسلحة على الأرض، وتسود الفوضى المكان، الذي يعتبر واحداً من المعالم الفنية القليلة التي لم تنسفها الحرب. بدا المشهد صادماً وسط مبنى عزف فيه فنانون سوريون وأجانب، وغنّت فيه أصوات مهمة، نساء يبكين وشبانٌ يتضاربون ورجل يصرخ مطالباً بكشف هوية من ضرب صديقته، وعلى الطرف الآخر ضابطٌ يصرخ بينما يحاول رجال أمن الدار تهدئة الوضع، لكن من دون جدوى.

يحاول نظام الأسد خلال السنوات الأخيرة تعويم نفسه، على مختلف الأصعدة، والفن ضمناً، محاولاً الانخراط مجدداً في الحركة الفنية العربية، مركزاً على أن تكون دار الأسد للفنون محجّاً لهذه الحركة المفتعلة، إلا أنه يقع في الحفرة التي حفرها لشعبه، ليكشف الشعب الذي عمل على تجويعه وتجهيله سنوات طويلة، عن الوضع الإنساني والثقافي الكارثي في البلاد. خُطط النظام لا تنجح على الدوام، في آذار/ مارس المنصرم، اعتذرت الفنانة اللبنانية هبة طوجي عن حفلة كانت مقررة لها في دار الأوبرا برفقة الموسيقار اللبناني أسامة الرحباني، بعد الضغط  الإعلامي عليها، إذ اعتُبر غناؤها دعماً لنظام الأسد، حدث ذلك قبل الحفلة بوقت قصير، ما وضع النظام في موقف محرج، فتلك الحفلة، لو أقيمت بالفعل، لكانت بمثابة ضربة حظ كبيرة لدمشق. يبدو أن نظام الأسد تعلم من درس هبة طوجي، وقرر هذه المرة إحضار فنان مضمون، لن يلغي حفلته في اللحظة الأخيرة، ولضمان حضور الناس مهما كانت هوية الفنان، وحتى لو لم يكن محبوباً بما فيه الكفاية، وضع النظام أسعاراً رمزية للبطاقات التي تراوحت بين 2000 و5000 ليرة سورية (بين نصف دولار أميركي إلى دولار وبعض السينتات).

هاني شاكر هو نموذج مثالي يتوافق مع تطلعات نظام الأسد ويحذو حذوه في المنع والرقابة، فمن سيكون أفضل منه لإحياء حفلة في دمشق؟ شاكر وخلال توليه إدارة نقابة الفنانين في مصر أصدر قراراً يمنع فيه 20 مغنياً من فناني المهرجانات الشعبية من الغناء بحجة الحفاظ على الذائقة الفنية والأخلاقية للجماهير، وللمصادفة لم تمضِ أيام على قرار نقابة الفنانين في سوريا القاضي  بمنع ريم السواس وسارة زكريا من الغناء بحجة احتواء اغانيهما على كلمات بذيئة، لينتهي قرار المنع بصلح وتعهد من المغنيات بعدم التلفظ بالشتائم، وما أشبه البارحة باليوم، وما أشبه النقيب السابق هاني شاكر بنقيب الفنانين السوريين محسن غازي. 

هل يتحمل السوريون مسؤولية هذه الفوضى؟ لا سيما أنها جزء من فوضى طويلة تملأ حياتهم بالفعل، أجبروا على اعتيادها عبر عقد من الزمن، هم الذين يعرفون أن ابن عمّ موظف الخبز هو من يحصل على الخبز قبل غيره، وأن كميات السكر أو الغاز قد تنتهي قبل انتهاء الدور، لذلك يبدو التدافع هو الحل، فهل من المتوقع ممَن تم إذلالهم لساعات في طوابير الخبز والسكر أن يتغير سلوكهم في طابور شراء بطاقات حفلة موسيقية؟ لا فرق بين طابور الخبز وطابور الموسيقى لشعب حُرِم أصغر الملذات، ويجد في حفلة فنان ليس مفضلّاً ربما، فرصة ذهبية لمسح بعض الذل وسط مقعد مخملي في مسرح كبير مقابل سعر زهيد.

إقرأوا أيضاً:

لا ينفك المنظّرون التابعون لنظام الأسد، يتحدثون عن الفن الراقي والآخر الهابط، ودور الجماهير والنقابات في محاربة الفنون الرخيصة، لكن يصدف أن يأتي فنانٌ “راقٍ”، بحسب التقييم الديكتاتوري، ويتصرف الجمهور بطريقة “هابطة” برأي الجهات ذاتها، ليجد النظام نفسه أمام غرابة الموقف، ما بين الراقي والهابط، ما بين النخبة والشعبوية، بين هاني شاكر الفنان الكبير والجمهور السوري شاتماً الله والناس والحجر في طريقه إلى الحفلة.
هل يحتاج المشهد السوري دوماً إلى إضافات مأساوية أو تراجيدية في أوقات حساسة من تاريخ البلاد، فكأن حفلة لهاني شاكر، الذي يوصف بمغني العلاقات الفاشلة، بسبب نمط أغانيه الحزين والمتشائم، هي تماماً ما يحتاجه السوريون حتى يتدافعوا ويشتموا بعضهم بعضاً، ويغمى عليهم ليثبتوا حبهم للفن وليثبت النظام أسلوبه القمعي أكثر بإحضار فنان “منّه وفيه” أي من ضمن المنظومة القمعية العربية.

كان بإمكان الحفل أن يكون في قلعة دمشق أو في مكان يتسع لأعداد كبيرة كأحد ملاعب كرة القدم، بخاصة أن أسعار البطاقات رخيصة وبإمكان أي أحد الحصول عليها، لكن المظهر الذي يريد النظام تصديره لن يتوافق في حينها مع طبيعة المكان، فالمسرح والأضواء والكراسي المخملية، هي جزء من الصورة الفنية الراقية التي يريد النظام تصديرها، لكن في دولة النظام الراقية يصدف أن يتعارك الحضور قبل دخول الحفل.

إقرأوا أيضاً: