fbpx

 لماذا يذكرني حجاب مهسا أميني بنضال المرأة المصرية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشكل أجساد النساء الثائرات لحناً منفرداً في معزوفة موسيقية لم تتوقف بعد، وتجاور أمامي صورة مهسا أميني، وجوه ضحايا ثورة يناير وكل ثورات العالم في صورة تكتمل بها جداريات الثورة والحرية… وأصوات النساء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جسده ممد في صمت، علامات التعذيب تشكل خريطة جديدة على جثته، غابت ملامحه، قتلته الشرطة من دون سبب، قالت أمه إنه وحيدها وقلنا “كلنا خالد سعيد”. اشتعلت ثورة 25 يناير غضباً على جسد خالد وعلى أجساد أخرى مجهولة قتلت على يد الشرطة المصرية في عهد مبارك، فأصبحت أجسادنا جسداً واحداً منتهكاً ومستباحاً وميتاً يبحث عن فرصة أخيرة للحياة. أشاهد جسد مهسا أميني الذي فقد قوته واستسلم للموت فلا يغيب عن بالي جسد خالد وجسد المصريات المقتولات برصاصات غادرة، وأشاهد النساء الإيرانيات يخلعن حجابهن ويحلقن شعورهن ويثأرن لمهسا وكأنه ثأري الشخصي أيضاً، لأنني شاركت في ثورة يناير ولأنني امرأة، أعرف جيداً كيف تستباح أجساد النساء في طرقات مدننا المتوحشة ويتم التحكم بخياراتهن الشخصية.

كل ثورة بحاجة إلى قربان، إلى جسد ينتهك حتى الموت.

هل بات هذا حالنا؟

حضور النساء الثائرات في ثورة 25 يناير كان ذريعة اتخذها أصحاب القوائم السوداء من مؤيدي مبارك للتشكيك في “شرف” الثورة وطهر نساتها، فشاع أن النساء ينمن في خيام اعتصامات الميدان لأنهن يمارسن أفعالاً جنسية فاحشة في عراء الشارع.

في مجتمع سلطوي ذكوري يلصق تهم الشرف بالمرأة وحدها داعبت هذه الرواية المزيفة هوى رافضي الثورة والقابضين على حكم مبارك. كانت أداة تدنيس الثورة هي اقحام الشرف والسياسة في أجساد نساء الثورة، وما ترتب عليه لاحقاً من القبض على فتيات وإجراء كشوف عذرية لهن. 

أفكر الآن في الثائرات الإيرانيات اللاتي سيدفعن غالياً ثمن خلعهن الحجاب جهراً على مرأى ومسمع العالم كله، لأنه فعل ثوري حر يهدد النظام الإيراني!

كل ثورة بحاجة إلى قربان، إلى جسد ينتهك حتى الموت.

المرأة كقضية “تافهة”

استوقفتني تعليقات مختلفة بشأن مقتل مهسا أميني، خصوصاً من بعض الغاضبين مما حدث لها، والداعمين ثورة الإيرانيات في الشوارع ونزع حجابهن احتجاجاً على فاشية شرطة الأخلاق الإيرانية. 

بعض الغضب والتعاطف جاء من شخصيات رفضت عام 2015 مليونية خلع الحجاب التي دعا فيها الكاتب الصحافي شريف الشوباشي المصريات إلى الخروج في تظاهرات وإعلان رفضهن الحجاب القسري، وهو حال الكثير من المصريات اللاتي يرتدين الحجاب بالإجبار باعتباره عرفاً أخلاقياً. حينها هوجمت المليونية واعتبرها كثيرون هنا في مصر رفاهية وقضية تافهة تطرح في غير وقتها، وكأن كل ما يخص المرأة هو أمر هامشي لا يرقى ليكون جزءاً من قضايا المشهد الاجتماعي والسياسي، وكل ما هو نسوي هو جعجعة لا ترقى للالتفات لها.

جاءت دعوة الشوباشي بغرض التصدي للإسلام السياسي والتيار المتطرف الذي دفعت مصر ثمنه وهدد أمنها، فتحول مشهد خلع الحجاب هنا إلى رمزية أقرب لخلع الحجاب الفكري المتطرف، دعوة تمر عبر جسد المرأة فيشتبك فيه الخاص بالعام، ثورة جسد المرأة بحثاً عن حريته هو جزء من بحث الوطن عن حريته، واشتباك رجال المدينة ونساؤها مع التظاهرات، يجعل جسد المرأة قضية حرية كبرى، خاصة أن دعوة المليونية لم تجبر النساء على خلع الحجاب عنوة والتخلي عن معتقدهن الديني، بل هي دعوة لكل امرأة ترتدي الحجاب مجبرة وعن غير قناعة. 

في مشهد النهاية في مسلسل “بطلوع الروح”، عندما خرجت البطلة منة شلبي وبقية النساء أسيرات من سجون مدينة الخلافة الإسلامية في “داعش”، لم نشعر بالانتصار الدرامي للبطلة إلا في لحظة خلعها الحجاب، حينها فقط شعر المشاهد بالتطهر، وتهلل فرحاً بنيل البطلة حريتها الأبدية بعد سنوات من الظلام في ثوب “داعش”. خلع الحجاب ليس مجرد رفاهية بل هو مشهد فارق ومتكرر في تاريخ نضال النساء، بحثاً عن حريتهن. 

الخطوة الأولى في حرية النساء هو خروجهن من المساحات التي فرضتها السلطة الأبوية عليهن، خروج من الصورة التي عشن أعماراً بأكملها متوهمات بأن البيت والظل هما مكان المرأة الوحيد؛ كخروج الجنين من رحم أمه تخرج النساء من رحم الثورات، لأن الثورة أنثى.

هل للثورات وجه أنثوي؟

في دفاتر النضال المصري ضد الاحتلال الإنكليزي، خرجت النساء من الحرملك إلى نهر الشارع في مشهد أربك الشعب المصري وجيوش الاحتلال، ويؤكد المؤرخون لثورة 1919 أنها لم تكتسب ثقلها إلا بخروج النساء في تظاهرات بمباركة صفية زغلول وبقيادة هدى شعراوي التي قادت النساء وذهبت بهن إلى المعتمد البريطاني لتقديم عريضة مطالبات كتبت باسم نساء مصر. قبل هذا المشهد الثوري لم تكن النساء جزءاً من المجال العام والاحتجاجات الشعبية المصرية التي تصدرها الرجال وحدهم لما يزيد عن قرن من تاريخ الثورة. لم يكن خروجهن في التظاهرات عادياً، بل انطلقن نازعات حجابهن، كاشفات وجوههن، واستقبلت صدورهن الموت برصاص الاحتلال. نزع الحجاب فعل ثوري في ذاته، ودلالة كبرى على أن التحرر السياسي يبدأ من تحرر جسد المرأة المجبرة على التخفي. 

وعلى إثر هذا المشهد النسوي المهيب في ثورة 1919 كتب الشاعر حافظ إبراهيم قصيدة خرج الغواني يحتججن:

“خرج الغَواني يَحتَجِجن ورحتُ أَرقب جَمعَهُنَّه

فَإِذا بهِنَّ تَخِذنَ مِن سودِ الثِيابِ شِعارَهُنَّه

فَطَلعنَ مِثلَ كَواكِبٍ يسطعنَ في وَسَطِ الدُجُنَّه

وأخَذنَ يَجتَزنَ الطَريــق وَدارُ سعدٍ قَصدُهُنَّه

يمشينَ في كَنَفِ الوَقارِ وَقَد أَبَنَّ شُعورَهُنَّه”.

في تأمل المشهد الثقافي والسياسي قبل سنوات من ثورة 1919 وأثناء غياب النساء عن المجال العام، نصطدم بأصوات الرجال وكتابات أحمد لطفي السيد وأمين الرافعي ومحمد حسين هيكل وقاسم أمين وغيرهم من رجال تحدثوا بصوت المرأة وكتبوا عن حقوقها السياسية وربطوا تحرر المرأة بتحررها من حجابها، وضرورة تحرك النساء للمطالبة بحقوقهن، “لأن الحق لا يمنح ولكن يؤخذ وينتزع”. وأكدوا أن المرأة لن تحصل على حقها إلا بنفسها لا بالاعتماد على الرجال.

 في واحد من مقالاته، كتب أحمد لطفي السيد “وإن كنَّا لا نعرف بوجود نصٍّ شرعيٍّ من نصوص الشريعة الإسلاميَّة يحرمهنَّ هذا الحقَّ، كما حرم إخوانهنَّ الغربيات بنصوص القوانين، إلَّا إنَّ السَّيِّدات المصريَّات لا يظهر أنَّهنَّ يردن الاعتراف لأنفسهنَّ بهذا الحقِ المدنيِّ؛ لأنَّهنَّ لم يظهرن إلى الآن رغبتهنَّ في أن يتحلَّلنَ من ربقة الاستعباد العمليّ إلى الحرِّيَّة المخوَّلة لهنَّ شرعاً بنصوص الشَّـريعة الإسلاميَّة، ولم يبرهن إلى الآن على حبِّهنَّ للاستقلال الذَّاتيِ في القول والعمل”.

 تؤرخ آمال كامل بيومي السبكي أن الصوت الأبرز الذي طالب زوجته بنزع حجابها هو سعد زغلول قائلاً “هذه ثورة! ارفعي الحجاب”. كانت النساء بحاجة إلى ثورة حقيقية لانتزاع صوتهن من أفواه الرجال، فيشاركن في كتابة التاريخ المصري، الذي هو تاريخهن أيضاً.

 ثورة 1919 هي العتبة الأولى في تاريخ النضال النسائي المصري والذي جعلهن يؤسسن عام 1923 الاتحاد النسائي المصري الأول على يد هدى شعراوي، وباتت المرأة المصرية جزء من الحراك السياسي المصري، وأصبح للنساء صوتاً يتحدث عالياً بعد سنوات من الصمت، أو كما وصفهن محمد صبري السوربوني “هذا اليوم العظيم هو الذي وضع النساء من كل الطبقات في المقدمة باعتبارهن محرضات على الوطنية وقائدات للرجال”. 

لا يمكننا فصل مشهد الثائرات الإيرانيات الحالي عن الثورات المصرية التي كانت فيها النساء جزء من حطب الفعل الثوري ونيرانه المشتعلة، هذا الاشتباك يتضافر ليعيد بلورة المرأة كجسد متلاحم مع الحراك الثوري لا يكتمل بدونها.

تشكل أجساد النساء الثائرات لحناً منفرداً في معزوفة موسيقية لم تتوقف بعد، وتجاور أمامي صورة مهسا أميني، وجوه ضحايا ثورة يناير وكل ثورات العالم في صورة تكتمل بها جداريات الثورة والحرية… وأصوات النساء.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.