fbpx

نساء السودان… ضحية الاغتصاب والصراع على النفوذ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تحكمنا في السودان ثقافة الاغتصاب، ودائماً ما يتم تجريم الضحية وتبرئة الجاني، ولهذا من الصعب على الناجيات أن يبلغن عن تعرضهن للاغتصاب حتى في زمن السلم، فهل سيفعلن ذلك في زمن الحرب؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تؤكد الحرب القائمة في السودان أن المرأة السودانية هي الطرف الأكثر استهدافاً وتضرراً، وكأن طرفَي النزاع يستغلان أجواء الحرب لمعاقبة النساء على تحركهن في الشوارع من أجل التغيير، من أجل دولة لا تخضع لسلطة العسكر، ولنيل حقوقهن. 

فبعد أكثر من أربعة أشهر من القتال، تم رصد عدد كبير من الاعتداءات الجنسية وحوادث اغتصاب ضد النساء، تركزت أساساً في دارفور والخرطوم. وعلى رغم أن الإيذاء الجنسي ليس سلاحاً جديداً في المعارك السودانية، إلا أن حرب نيسان/ أبريل المستمرة بين الجنرالين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي من أجل السيطرة على البلاد تسبب بمآس واعتداءات ممنهجة ضد النساء، حيث شهدت السودان موجة كبيرة ولافتة من اغتصاب النساء. 

بدا استهداف النساء عبر انتهاكات تمارس عمداً بقصد إذلال السودانيات اللاتي كنا حاضرات ومؤثرات بقوة في مختلف التحركات الاحتجاجية المتطلعة الى التغيير.

زينب (اسم مستعار)، محامية وناشطة حقوقية، لم يكتفِ مجرمو الحرب بتهديدها وترويعها، بل اغتصبوها بالقرب من منطقة المنصورة بدرافور بينما كانت فارة رفقة سيدتين وأربعة أطفال إلى مكان آمن.

تروي لـ”درج”: “كنا نجري هرباً من قوات الدعم السريع التي تلاحقنا، وفجأة لم نجد طريقاً نعبر من خلاله، فدخلنا أحد المنازل التي هجّر أهلها. بعد قليل، اقتحموا المنزل وبادروا بالسؤال، أين الرجال وأين السلاح؟ قلنا ليس هناك لا رجال ولا سلاح، حينها أمرونا بأن نسلمهم ما لدينا، فقلنا لا شيء معنا. في هذه الأثناء، نظر إلي أحدهم ملياً وقال لي، أنت الفتاة التي تعمل في المحكمة، أجبت بنعم، فأمرني بالاقتراب منه، رفضت وترددت فأطلق رصاصة في الهواء، وقال إن لم تأتي أقتلك”.

خافت زينب لأن السلاح كان مصوباً باتجاهها، وتوجهت نحوه، فأمرها بالخروج من الغرفة. أذعنت تحت تهديد السلاح، بعدها طالبها بالذهاب الى غرفة أخرى وإخراج “شوال” (كيس للحبوب) بالداخل. حاولت الاستفسار، فأمرها بالسكوت والطاعة وسبقها الى الغرفة، عاينتها من بعيد فلم ترَ أي “شوال”، فأدركت أن هناك مكيدة وحاولت الهرب لكنه تبعها واضعاً السلاح على ظهرها.

 تعرضت زينب للاغتصاب ثلاث مرات متتالية، غادر الجندي بعدها تاركاً إياها لا تقوى على الحركة. بقيت على حالها بعض الوقت ثم تحاملت على نفسها وتوجهت إلى بيت قريب مصنوع من القش واختبأت تحت سرير يوماً بكامله، ومع نزول الليل قاومت آلامها وغادرت رفقة من معها باتجاه منزل عائلتها. 

بمجرد وصولها الى منزلها لم تجد والدتها، فاضطرت لأن تغالب آلامها وتذهب للبحث عنها لتجدها صباحا قد فرت من القتلة، زد على ذلك إصابة زوج خالتها بطلقات نارية. ظلوا أياماً يحاولون توفير العلاج له من دون جدوى حتى نجحوا في الفرار إلى مخيم أدري على الحدود التشادية، حيث فارق الحياة لأنه نزف الكثير من الدماء. 

ورغم أن زينب بعيدة اليوم عن مغتصبيها، إلا أنها ما زالت تستحضر كل ما جرى معها خلال صحوها ونومها، وتأمل بأن تأخذ العدالة مجراها ويحاسَب المجرمون.

بدا استهداف النساء عبر انتهاكات تمارس عمداً بقصد إذلال السودانيات اللاتي كنا حاضرات ومؤثرات بقوة في مختلف التحركات الاحتجاجية المتطلعة الى التغيير.

تؤكد منظمات حقوقية دولية وإقليمية ومحلية ضلوع عناصر من قوات الدعم السريع في عمليات اغتصاب وعنف جنسي في مناطق سيطرتها. إذ أعلنت “هيومن رايتس ووتش” أن قوات الدعم السريع، وميليشيات متحالفة معها في السودان، اغتصبت عشرات النساء والفتيات في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وهاربات إلى تشاد بين أواخر نيسان وأواخر حزيران/ يونيو الماضي. وترجح المنظمة أن المهاجمين استهدفوهن بسبب انتمائهن إلى المساليت، وفي بعض الحالات، لأنهن كن ناشطات معروفات.

وسجلت منظمة مستقبل النساء الدارفورية 103 حوادث اغتصاب في جنوب دارفور وغربها منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 نيسان الماضي حتى بداية آب/ أغسطس، 24 ناجية فقط من بينهن تلقين العلاج.

ورصدت مبادرة “ناجيات حرب 15 أبريل” 79 حالة اغتصاب، بينهن أربع قاصرات في الخرطوم وحدها، وأخريات تم احتجازهن واغتصابهن لأيام، وبعضهن تعرضن لاغتصاب جماعي منذ بداية الحرب. وبحسب المبادرة، فقد توفيت ثلاث نساء بسبب الاعتداءات الجنسية، ولم يتسنَّ لعناصر المبادرة الوصول الى دارفور بسبب سوء الأوضاع.

سليمى اسحق، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، قالت لـ”درج”، “إن الوحدة رصدت 108 حالات عنف جنسي في مواجهة نساء وفتيات في الخرطوم ونيالا والجنينة خلال مائة يوم من اندلاع الحرب”.

ورجحت أن حالات العنف الجنسي الموثقة والأرقام المسجلة لا تمثل الواقع، وأن العدد الحقيقي أكبر بكثير، مشيرة إلى تزايد حالات الاختطاف والاختفاء القسري للسيدات والفتيات، فضلاً عن معطيات غير مؤكدة تفيد بوجود سوق للرقيق في دارفور.

وأضافت اسحق: “تحكمنا في السودان ثقافة الاغتصاب، ودائماً ما يتم تجريم الضحية وتبرئة الجاني، ولهذا من الصعب على الناجيات أن يبلغن عن تعرضهن للاغتصاب حتى في زمن السلم، فهل سيفعلن ذلك في زمن الحرب؟”.

زينب ليست الوحيدة التي واجهت هذا المصير الصعب، فمريم (اسم مستعار بطلب من الناجية) ناشطة حقوقية وسياسية سودانية وجدت نفسها أيضاً تدفع ثمناً باهضاً لنشاطها ولصوتها الباحث عن غد أفضل للبلاد وللمرأة السودانية.

تروي لـ”درج”، “باعتباري ناشطة حقوقية كنت مستهدفة من قوات الدعم السريع. وخلال أحداث الجنينة التي بدأت في 24 نيسان الماضي، قاموا بمهاجمة منزلي، نجحت في الفرار، لكنهم تمكنوا من قتل شقيقي الأصغر وأطلقوا الرصاص على والدي الذي نجا من الموت بأعجوبة، ثم أحرقوا المنزل”.

وتضيف: “هربت إلى بيت خالتي لأن منزلي معلوم لدى الجنجويد، لكنهم للأسف تفطنوا لمكان وجودي. فقاموا بمهاجمة المنزل واعتقلوني وقادوني إلى أحد المنازل المجاورة التي هجّروا أصحابها منها. ثم قاموا باغتصابي وتركوني في وضع لا أقوى على وصفه”.

بعد مغادرة المعتدين، تم إنقاذ مريم التي تُركت وحيدة في وضع صعب، ولكن في الأثناء بلغها أن الاعتداءات على الناشطين والناشطات قد زادت، ففرت إلى حي الرياض بعيداً عن مكان سكنها، وهناك اختفت عشرين يوماً ثم غادرت مشياً على الأقدام ليلاً حتى وصلت إلى أدري التشادية.

ورغم مرارة التجربة التي عاشت على وقعها مريم، إلا أنها اختارت أن تصمد وتتجنب الانهيار وتقوم بدورها في مساعدة الناجيات من هول الحرب بتقديم الدعم النفسي، في انتظار أن تحين الساعة التي يحاكم فيها المعتدون عما اقترفوا من جرائم.

كذلك، تعرضت يثرب (عاماً 22) من مدينة الجنينة حي التضامن، لعملية اغتصاب في تموز/ يوليو الماضي على يد عناصر من قوات الدعم السريع.

تقول لـ”درج”: “في ذلك اليوم، كان هناك هجوم على المنطقة، بقيت ووالدتي وإخوتي في المنزل ونحن في حالة خوف شديد. دخل ثلاثة رجال الى المنزل، اثنان منهم يرتديان زي الدعم السريع، والثالث يرتدي لباساً مدنياً، لكن كان جميعهم يحملون أسلحة. سألوا، أين الرجال وأين الأسلحة؟ أجبنا بأن لا سلاح ولا رجال في البيت بعدما أخفينا إخوتي الذكور تحت السرير خوفاً عليهم من القتل. كنت أنا ووالدتي وخالتي وسط المنزل عندما أمرني أحدهم بالمجيء، رفضت، فوجه فوهة سلاحه باتجاه أمي وهدد بقتلها”.

خشيت يثرب على والدتها وانصاعت وذهبت باتجاهه، حينها انهال عليها بالضرب ثم قام باغتصابها أمام والدتها. توسلت أمها إليه أن يقتلها ويتركها، لكنه لم يلتفت إليها.

تضيف يثرب: “تركني في حالة صعبة جداً، إذ تعرضت لنزيف حاد نتيجة جرح تعرضت له أثناء الاغتصاب. أخذتني أمي الى مستشفى البرهان التخصصي لعلاج النساء والولادة حيث تم إسعافي. بعدها هربنا إلى مخيم أدري، فمرضت وعندما ذهبت إلى الطبيب أخبرني بأنني حامل. كان ذلك أسوأ ما مر على مسامعي، انهرت تماماً وشعرت بأنني أعيش أسوأ كابوس، كدت أموت لولا الدعم النفسي الذي وجدته من أطباء بلا حدود في المخيم”.

تعرُّض النساء في السودان للعنف الجنسي، بخاصة الاغتصاب، ليس جديداً. ففي حرب دارفور عام 2003، رُصدت جرائم مماثلة ضد النساء. وفي تموز عام 2004، أطلق عمر البشير أيدي ميليشيات بدوية على المجتمعات المستقرة في دارفور، وتعرضت خلال ذلك النساء للاغتصاب. واتُّهم الجيش السوداني حينها بتقديم الدعم لتلك الميليشيات التي عُرفت بالجنجويد وأصبحت في ما بعد نواة لقوات الدعم السريع. 

ظل هذا الخطر يلاحق النساء السودانيات، بخاصة مع بدء الحراك الثوري بعد اندلاع انتفاضة كانون الأول/ ديسمبر 2018، وانخراط النساء بشكل كبير جداً في التظاهرات، حيث تم استهدافهن من القوات العسكرية والأمنية. وبلغت هذه الممارسات ذروتها خلال فض اعتصام القيادة العامة في 30 حزيران 2019، إذ رُصدت حالات اغتصاب كثيرة ارتكبتها قوات المجلس العسكري، والتي من ضمنها قوات الدعم السريع.

وخلال الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021،  تصدرت النساء الحراك مرة أخرى وكن ضمن الصفوف الأمامية في مواجهة العنف المفرط المستخدم من القوات الحكومية، وتم أيضاً الإبلاغ عن حوادث اعتداء جنسي واغتصاب قامت بها قوات الجيش، بخاصة قوات الدعم السريع، عقاباً لهن على نشاطهن الحيوي في التظاهرات ورفضهن النظام العسكري.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان الماضي، كانت المرأة السودانية الأكثر استهدافاً من طرفي النزاع، بخاصة قوات الدعم السريع، لا سيما في الخرطوم ودارفور، حيث رصدت اعتداءات جنسية وعمليات اغتصاب كثيرة طاولت النساء من عمر الـ12 سنة حتى الخمسين، كما أوضحت الدكتورة إيثار الخليل، الطبيبة المتطوعة في مخيم أدري  للعناية باللاجئين.

هدى عبدالكريم، سودانية تبلغ ـ28 عاماً، تعرضت بدورها في 15 حزيران الماضي للاغتصاب على يد أربعة أفراد مسلحين يرتدون زي الدعم السريع. 

تروي لـ”درج”: “كنا عشرة أشخاص مختبئين داخل منزل أحد أقارب زوجي بالجنينة في حي المدارس. فجأة، اقتحم أربعة رجال يرتدون زي الدعم السريع المنزل بعدما كسروا الباب وسألوا عن زوجي باعتباره ناشطاً سياسياً معروفاً في الجنينة، فأجبت: لا أعرف. حينها، سحبني أحدهم ثم انهالوا عليّ بالضرب، وتناوبوا على اغتصابي حتى فقدت وعيي”.

وعندما أفاقت، وجدت نفسها وحيدة، تقيأت كثيراً ثم خرجت إلى الشارع، لكنها لم تقوَ على المشي حتى وجدها بعض الأشخاص وساعدوها على الخروج من المدينة والوصول إلى مخيم أدري. 

تضيف: “لم أتلقَّ أي علاج حتى عندما ذهبت إلى مستشفى أدري، إذ وجدت أن الأولوية كانت للجرحى وليس لحالات العنف الجنسي، علماً أنني تعرضت في 2019 أيضاً لعملية اغتصاب في كرنق 2 عندما تم الهجوم على المعسكر، ما تسبّب لي في التهابات مزمنة، وقد كنت أستعد للسفر للعلاج في مصر قبل أن أجد نفسي أعيش الكابوس ذاته مجدداً”.

وبحسب بعض الناشطات اللاتي التقيناهن، فإن كثيرات من ضحايا الاغتصاب صغيرات في السن وينحدرن من أعراق غير عربية، وأن عمليات الاغتصاب تجري بشكل ممنهج وتطاول الفتيات والنساء على أساس العرق والانتماء القبلي بهدف الإذلال. 

وباتت النساء والفتيات في السودان يعشن حالة من الهلع، واضطرت الكثيرات منهن للهروب من منازلهن، بخاصة في دارفور والخرطوم، حيث معدلات الاغتصاب أعلى. 

القانون الإنساني الدولي يجرم استخدام أطراف النزاع المسلح أي فعل غايته إلحاق الأذى بالمدنيين، ويعتبر الاغتصاب جريمة حرب في النزاعات المسلحة. وبحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الاغتصاب أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري يعتبر جريمة ضد الإنسانية.