fbpx

هل سيظلّ العالم يأخذ الولايات المتّحدة على محمل الجدّ بعد اقتحام الكابيتول؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حطّ ترامب من قدْره في 6 كانون الثاني، هو ومَن على شاكلته من ورثته الطامحين، وسيكون من الصعب عليهم الحصول على دعمٍ مؤسَّسي في الحزب الجمهوريّ في مرحلة ما بعد ترامب…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إيمّا آشفورد: مرحباً ماثيو. إليك حقيقة طريفة قد لا يعرفها قرّاؤنا: عادةً ما نكتب هذا العمود صباح يوم الأربعاء. ومع ذلك، ها نحنُ ذا، يومَ الخميس، نرمي كلَّ ما كتبناه ونبدأ من جديد. وأنا واثقة أنّ بإمكانهم تخمينَ السبب وراء هذا. لكنّني بصدق أجد صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة لتلخيص ما حدث بعد ظهر يوم الأربعاء ذاك. هل هو انقلاب؟ أم عصيان مسلَّح؟ أم مجرّد أعمال شغب؟

ماثيو كرونيغ: لن يكون الأمر سهلاً، ولكن اسمحي لي أن أحاول العثور على الكلمات. لقد كان بالتأكيد يوماً مشيناً وحزيناً في التاريخ الأميركيّ. فقد أجرى رئيس تحرير مجلة “فورين بوليسي”، جوناثان تيبرمان، مقابلةً مع الخبير نونيهال سينغ، خلصت إلى أنّ كلمة “الفتنة” هي الكلمة الأفضل لوصف ما حدث.

إيمّا آشفورد: أعتقد أنّ بإمكاننا في غضون خمس سنوات عقد حلقة نقاشيّة في “الرابطة الأميركيّة للعلوم السياسيّة” لمناقشة أيّ من هذه المصطلحات هو الأدقّ لوصف ما حدث. ولكن لنكن واقعيّين: فحقيقة أنّنا نتناول هذا السؤال بالطرح والمناقشة تبدو مروِّعة. فقد اقتحمت مجموعة من مثيري الشغب، بعضهم مسلَّح، مقرَّ الحكومة؛ ولقِيَ خمسة أشخاص مصرعهم. لا شكَّ في أنّ العنف السياسيّ ليس بالأمر الغريب في أميركا، حتى وإن أُخفِي قدرٌ كبير منه من التاريخ. بيد أنّ ما حدث في السادس من كانون الثاني/ يناير 2021، لن يصبح في طيّ النسيان قريباً.

ماثيو كرونيغ: إنّه بالتأكيد حدث تاريخيّ. فقد كانت المرّة الأخيرة التي انتُهِكت فيها حرمة مقرّ الكونغرس الأميركيّ على هذا النحو حينما أحرقه البريطانيّون.

إيمّا آشفورد: وحاولت أنْ أخبرهم أنّني كنت هناك فقط لحضور اجتماع!

ماثيو كرونيغ: لا أعتقد أنّ ضبّاطاً أسكتلنديّين تنتهي كنيتهم باسم “آشفورد” كانوا المسؤولين عن الحريق الذي نشب عام 1814.

أنا شخص متفائل بطبعي، إلّا أنّني أجد صعوبة في معرفة الجانب المشرق لكلّ ما حدث. وأعتقد أنّ ذلك يدلّ على هشاشة الديموقراطيّة، حتّى في الولايات المتّحدة، وعلينا تعزيزها وتقويتها. بيد أنّ مؤسّساتنا في نهاية المطاف صمدت، وعاد الكونغرس إلى العمل في غضون ساعات للتصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسيّة. فقد شعر الجميع تقريباً بالرعب نتيجة ما حدث. وأدانت قيادات الحزب الجمهوريّ، بل وحتّى مناصرو دونالد ترامب الأوفياء، تلك الفاجعة. غير أنّ ذلك قد يتيح فرصة للوحدة، سواء لسياسة ما بعد ترامب المحافِظة أو عبر الطرف المقابل من الطيف السياسيّ.

إيمّا آشفورد: لقد صمدت المؤسّسات الأميركيّة في الوقت الراهن. ولم يَبقَ سوى أقلّ من أسبوعين حتّى عقد مراسم التنصيب.

أودّ حقّاً أنْ أكون متفائلةً بشأن هذا الأمر. ربّما يُتيح ذلك الفرصة أمام الحزب الجمهوريّ لإدانة ترامب قبل فوات الأوان. ولكن في غياب محاولة أخرى لسحب الثقة وعزل ترامب أو تفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركيّ، فإنّ التصريحات لا تُعَدّ أكثر من مجرّد مبادرات فارغة. والواقع أنّ أيّاً من المسؤولين السابقين في إدارة ترامب -سواء جيمس ماتيس أو جون كيلي أو غيرهما- لم يفعلوا أو يقولوا أيَّ شيءٍ يُشير إلى تورّطهم في إضعاف ترامب الديموقراطيّةَ الأميركيّة.

ماثيو كرونيغ: ما زلت أعتقد أنّ الأشخاص المؤهَّلين الذين ساعدوا في تعزيز الأمن القوميّ للبلاد على مدى السنوات الأربع الماضية فعلوا الصواب. وأعتقد أيضاً أنّه كانت هناك مبالغة كبيرة في ردود الفعل على كلّ ما قاله ترامب أو فعله على مدى السنوات الأربع الماضية (متلازمة “عداء ترامب”، كما سميتُها أنا وآخرون).

ولكنّ الأمرَ كان مختلفاً هذه المرّة. فقد أذهل تخلّي جورج واشنطن طوعاً عن السلطة الأوروبيّين آنذاك، إلّا أنّ ذلك هو ما عزّز من قوّة الولايات المتّحدة كجمهوريّة ناجحة. ومنذ ذلك الحين، لطالما شهدنا انتقالَ السلطة سلميّاً. والواقع أنّ رفض ترامب الاعترافَ بالهزيمة ومحاولتَه التشبّث بالسلطة بأساليب غير شرعيّة أمورٌ غير مسبوقة. وكدليل على ردّ الفعل العنيف ضدّ هذا الاعتداء، استقال بعضٌ من مؤيّدي إدارة ترامب الأوفياء، من أمثال ميك مولفاني ومات بوتينجر، احتجاجاً على ما حدث بين عشيّة وضحاها.

إيمّا آشفورد: إنّها أمور غير مسبوقة، ولكنّها ليست غير متوقّعة.

أشعر بكثير من التعاطف مع أولئك الذين التحقوا بالإدارة منذ البداية في سبيل خدمة بلادهم وحماية السياسة الخارجيّة الأميركيّة. لدرجة أنّ البعض مثل فيونا هيل، استطاعوا الخروج من الإدارة ولم تتأثّر سمعتهم. ولكنّ كثراً منهم كانوا يفعلون ذلك لمجرّد تحقيق أغراضهم الخاصة؛ ولديّ قناعة أنّ ذلك كان هو الحال مع جون بولتون ورغبته في خوض حرب مع إيران. وعند هذا الحدّ، لا بدّ من إدانة أولئك المحيطين بترامب، لأنّ صمتهم أدّى إلى تمكينه والسماح بحدوث ذلك. فقد كانت العلامات واضحة للغاية، منذ مدّة، على أنّ شيئاً سيّئاً سيحدث. ما الذي أملوا في حدوثه بخلاف ذلك؟

ماثيو كرونيغ: حسناً، هذا يثير عدداً من الأسئلة المهمّة المتعلّقة بالسياسة الخارجيّة. هل تستطيع الولايات المتّحدة أنْ تواصل تعزيز الديموقراطيّة خارج حدودها في حين بات نظامها الديموقراطيّ موضعَ شكّ؟ وكيف يبدو مستقبل السياسة الخارجيّة للحزب الجمهوريّ؟

إيمّا آشفورد: لقد كتبت مقالاً بالفعل تناولتُ فيه هذا السؤال الأوّل. ولكن في ما يتعلّق بالسؤال الثاني، هل ما زلت تعتقد أنّ ترامب لم يؤثّر تأثيراً حقيقيّاً في السياسة الخارجيّة للحزب؟

رفض ترامب الاعترافَ بالهزيمة ومحاولتَه التشبّث بالسلطة بأساليب غير شرعيّة أمورٌ غير مسبوقة.

ماثيو كرونيغ: قبل حادثة الكابيتول، ساد رأيٌ يقول إنّ مستقبل الحزب الجمهوريّ سيكون نهجاً ترامبيّاً، وهو ما يوصف عادةً بأنّه نهج مناصر للاستبداد، ومُعادٍ للديموقراطيّة، وانعزاليّ، ومتشكّك في التجارة الحرّة والمؤسّسات المتعدّدة الأطراف… وكنت أتصوّر دوماً أنّ ذلك كان تبسيطاً مُجحِفاً أدّى إلى توصيف خاطئ.

وأعتقد أنّ الأحداث التي وقعت جعلت من غير المحتمل تبنّي هذه الرؤية المستقبليّة. فقد حطّ ترامب من قدْره في 6 كانون الثاني، هو ومَن على شاكلته من ورثته الطامحين (ولا سِيّما السيناتور تيد كروز والسيناتور جوش هاولي)، وسيكون من الصعب عليهم الحصول على دعمٍ مؤسَّسي في الحزب الجمهوريّ في مرحلة ما بعد ترامب. فضلاً عن أنّ كثراً من الناخبين الجمهوريّين العاديّين يشعرون بالنفور أيضاً. وفي إشارة إلى معلومة تدلّ على توازُن القوى الحاليّ، جاء تصويت مجلس الشيوخ للتصديق على فوز بايدن بنتيجة 92-7، مع عدم انضمام ميت رومني وميتش ماكونيل وتوم كوتون (ويُمثّلون طيفاً واسعاً إلى حدٍّ كبير من الحزب الجمهوريّ) إلى المعترضين على فوز بايدن.

إيمّا آشفورد: نعم، وعلينا ألّا ننسى أنّ كثراً من الجمهوريّين غاضبون من ترامب الآن بسبب خسارتهم الفعليّة مقعدَي مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، الأمر الذي أدّى إلى فقد سيطرتهم على مجلس الشيوخ. ويمكن بالتأكيد أنْ يؤدي ذلك، إضافة إلى أعمال العنف الأخيرة، إلى نبذ النهج الترامبيّ. ولكنّني أعتقد أنّ ذلك احتمال بعيد.

إقرأوا أيضاً:

أمّا في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، فقد رأيت تعليقاً مثيراً حقّاً للاهتمام، وهو لأحد المؤثّرين في الحزب الجمهوريّ مجهول الهُويّة. قال ما مجمله إنّ الحزب عقد صفقة مع الشيطان، ولكنّه على الأقلّ لم يخرج منها خاويَ الوِفاض: فقد تمكّن من خفض الضرائب، وتعيين القضاة، إلى آخر ذلك. وفي حين ركّز الجميع على هذا الجزء، فإنّ الشيء الذي أدهشني هو أنّه يذكر “القضاء على تيّار المحافظين الجدد” ضمن إنجازات ترامب.

اعتقدت أنّ تلك الملاحظة دقيقة وتدلّ على إدراك مميّز. وذلك نظراً إلى أنّ سياسات ترامب الخارجيّة -كما سبق أنْ أشرت من قبل- تتّسم تقليديّاً بطابع جمهوريّ في مناطق معيّنة، ولكن في المناطق الأخرى التي خالَف فيها تماماً التقاليد، غلبت أولويّات المحافظين الجدد، على غرار: تغيير الأنظمة وتعزيز الديموقراطيّة في الخارج، أو في مجال حقوق الإنسان. ويبدو لي جليّاً أنّ الحزب تحوّل بعيداً في عهده عن سياسات المحافظين الجدد التي اتّسمت بها فترة حكم جورج بوش.

ماثيو كرونيغ: لم يَرُقني مطلقاً مصطلح “المحافظين الجدد”. لقد أصبح مصطلحاً انتقاصيّاً من الصعب تعريفه. ولكن إذا كان ما تعنيه هو الدفاع عن الديموقراطيّة وحقوق الإنسان، فأنا أخالفكِ الرأي. فقد جعل المسؤولون في حكومة ترامب، بمن فيهم نيكي هيلي ومايك بومبيو، انتهاكاتِ حقوق الإنسان الصارخةَ في الصين من بين الأولويّات. وأظنّ أنّ هذه المواضيع ستعود إلى الظهور مجدَّداً في الحملة الرئاسيّة المحتمَلة عام 2024.

إيمّا آشفورد: ربّما أولويّة شفهيّة. ولكن في واقع الأمر لم يفعلوا شيئاً حيالَ أيٍّ من هذه القضايا. وكثيراً ما كانوا على خلاف مع ترامب نفسه.

الأمر يبدو وكأنّ هؤلاء الأشخاص الذين تبنّوا تيّار المحافظين الجدد أثناء إدارة بوش، إمّا أنّهم قد طُرِدوا من الحزب (مثل بيل كريستول)، أو أنّهم تحوّلوا إلى نهج القوميّة الترامبيّة الجاكسونيّة الجديد (مثل توم كوتون ومايك بومبيو). والآن أصبح المحافظون الجدد الحقيقيّون مشرَّدين في مجتمع السياسة الخارجيّة في الوقت الراهن.

ولكن هل تعتقد أنّ الإرث الذي خلّفه ترامب في السياسة الخارجيّة هو في الواقع قليل للغاية؟

ماثيو كرونيغ: إذا نحَّينا جانباً لغتَه الخطابيّة وشخصيّته ومهاراته الإداريّة السيّئة، فإنّ سياسته الخارجيّة غلَب عليها طابَعُ يمين الوسط. فقد كان قويّاً في الدفاع الوطنيّ، واتّخذ موقفاً متشدّداً ضدّ الصين وإيران وتنظيم “الدولة الإسلاميّة”.

وفي بعض المناطق التي حاد فيها عن النهج السياسيّ المتَّبع في الماضي، ساعد في صياغة إجماع جديد. والآن صار الجميع يؤيّدون التصدّي للممارسات التجاريّة غير العادلة التي تتّبعها الصين، ويحذّرون من الحروب الاختياريّة في الشرق الأوسط.

ولكن حيث تتوقّف غرائزه، كانتقاده الشديد للحلفاء أو احترامه الغريب للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، أعتقد أنّ هذه السياسات تنتفي مع رحيله. حتّى مَن هم أكثر ترامبيّة، مثل كروز، لا يؤمنون بتلك الأشياء. والغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابيتول لم يفعلوا ذلك نتيجة قناعات راسخة بشأن سياسات التعامل مع الناتو.

الأوروبّيّين أرادوا توجيه رسالة مفادها أنّهم لن يعودوا ببساطة ليكونوا شركاء صغاراً للولايات المتّحدة في ظلّ إدارة بايدن.

وبالانتقال إلى شيءٍ آخر غير مأساة الكابيتول، منحَنا حلفاء أميركا من الأوروبّيّين سبباً آخر للتشكّك فيهم في 6 كانون الثاني، حين وقّعوا اتّفاقيّة استثماريّة كبرى مع الصين.

إيمّا آشفورد: نعم، لا بدّ أنْ نتحدّث عن أوروبا. كان أسبوعاً حافلاً في أماكن أخرى أيضاً. فلم نشهد توقيع اتّفاق بريكست فقط، إنّما وقّع الاتّحاد الأوروبّيّ مع الصين “الاتّفاقيّة الشاملة بشأن الاستثمار”، التي تشير إلى أنّ فكرة وجود جبهة أميركيّة أوروبية ضدّ الصين ما هي إلّا أوهام وخيالات لدى أطراف معيّنة.

وبقولي “أطراف معيّنة” أقصدك.

ماثيو كرونيغ: نعم، لقد نشرت ورقة استراتيجيّات رئيسة قبل مدة قصيرة عن كيف ينبغي للولايات المتّحدة وحلفائها وشركائها ممّن يتشابهون معها في التفكير أنْ يتّبعوا استراتيجيّة مشتركة تجاه الصين. فلدى الشعوب الأوروبّيّة والأميركيّة الكثير من المخاوف نفسها، وسنكون في موقف أقوى بكثير إذا اتّحدنا في نهجنا تجاه بكين.

ما زلت أعتقد أنّ هذه هي المقاربة الصائبة، وإدارة بايدن تفكّر بالمنوال ذاته.

لكنّني أظنّ أنّ المفاوِضين الأوروبّيّين لم ينتبهوا إلى الأمر. هذه خطوة سيّئة من أوجه عدة. فقد كان على الأوروبّيّين الانتظار من أجل التنسيق مع إدارة بايدن. و”التنازلات” الصينيّة في الاتّفاقيّة هي تكرار للوعود التي قطعتها بكين ولم تفِ بها في الماضي. وهي تمنح الصين تجاوزاً عن سجلّها في مجال حقوق الإنسان، التي يقول الأوروبّيّون إنّها مهمّة في سياستهم الخارجيّة التي تحرّكها القِيم. وليست استراتيجيّة جيّدة حقّاً أنْ يعتمد الأوروبّيّون على الولايات المتّحدة في مسألة أمنهم في أوروبا، بينما يقومون بتقويض السياسات الأمنيّة الأميركيّة في منطقة المحيطَين الهنديّ والهادي.

لحسن الحظّ ليست الصفقة نهائيّة بعد، وما زالت بانتظار الموافقة عليها في البرلمان الأوروبّيّ وبعض الخطوات الإجرائيّة الأخرى. ولْنأملْ بأنْ يتمّ إيقافها قبل فوات الأوان.

إيمّا آشفورد: لن يحدث هذا. فهذا تذكير واضح بحقيقة أنّ المصالح الأميركيّة والأوروبّيّة تفترق حين يتعلّق الأمر بالصين. والصفقة التي تتيح حرّيات أكبر للاستثمارات الأوروبّيّة داخل الصين هي غنيمة باردة لصناعة السيّارات الألمانيّة. لقد أصبحت الصين إحدى أكبر أسواق السيّارات الألمانيّة في السنوات الأخيرة، وتمثّل هذه الشركات جزءاً كبيراً من الاستثمارات المتدفّقة من الاتّحاد الأوروبّيّ إلى الصين، بمقدار 140 مليار يورو (170 مليار دولار) سنويّاً. وتُلغي الصفقة متطلّبات وجود شركات محاصّة في الاستثمارات، ممّا يجعل الأمر أسهل وأكثر جاذبيّةً لتلك الشركات.

يبدو أيضاً من الواضح جدّاً من توقيت توقيع الاتّفاقيّة أنّ الأوروبّيّين أرادوا توجيه رسالة مفادها أنّهم لن يعودوا ببساطة ليكونوا شركاء صغاراً للولايات المتّحدة في ظلّ إدارة بايدن. فالاستقلال الاستراتيجيّ قد وُجِد ليبقى، ومَن يمكنه أنْ يلومهم مع احتمال العودة إلى الترامبيّة بعد أربع سنوات؟

ماثيو كرونيغ: مع ذلك، ليس هناك إجماع في الاتّحاد الأوروبّيّ حول هذه القضيّة. فألمانيا وفرنسا تدعمان الصفقة، ولكنّ الإيطاليّين والبولنديّين ممّن يثيرون اعتراضات عليها، ويشتكون من أنّ برلين وباريس صدمتهما بها دون تشاورٍ كافٍ مع الدول الصغار في الاتّحاد الأوروبّي أو واشنطن.

أشعر بالقلق من أنّ هذا قد يكون إشارة على أمور ستقع مع خروج المملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبّيّ. فقد كانت لندن حلقة وصل مهمّة بين واشنطن وبروكسل، ولكن أخشى أنّ أوروبّا بعد البريكست قد تزداد انغلاقاً وتقوقعاً، ويقلّ اهتمامها بالشاطئ الآخر من الأطلسيّ، وتصبح أكثر استقلاليّة من ناحية الرؤى الاستراتيجيّة.

إيمّا آشفورد: حسناً، دعنا نتحدّث عن الآثار الاستراتيجيّة للبريكست. أرى أن هناك تأثيرَين كبيرين، ولكلَيهما تأثيرات مختلطة على الولايات المتّحدة. أوّلاً، أبرز دولة من الدول الأكثر تأييداً لأميركا باستمرار في القارّة الأوروبّيّة قد غادرت الآن الاتّحاد الأوروبّيّ؛ وهذا سيزيد بوضوح من نفوذ ألمانيا وفرنسا داخل الاتّحاد، وقد يصعّب على واشنطن الوصول إلى اتّفاق بشأن مسائل السياسة الخارجيّة. ومع أنّني لست مقتنعاً بأنّ هذا أمر سيّئ تماماً، فإنّ الدول الأوروبّيّة لديها القدرة على التصرّف كقوّة موازِنة لبعض أهداف السياسة الخارجيّة الأكثر طموحاً وإشكالاً لدى واشنطن، من قبيل الفصل الاقتصاديّ بين الولايات المتّحدة والصين. ولحسن الحظّ فقد أعلن بايدن بالفعل معارضته هذا الفصل. وبإمكان الضغوط الأوروبّيّة أنْ تمثّل قوّة تخفيف واعتدال لمسار السياسة الخارجيّة الأميركيّة.

ماثيو كرونيغ: إذاً، فأنتِ تريدين أنْ تُوازِن أوروبا ضدّ الولايات المتّحدة؟ أفضِّل القتال معهم على القتال ضدّهم.

إيمّا آشفورد: لا، إنّما أريد من الأوروبّيّين أنْ يتصرّفوا كحلفاء جيّدين، وأنْ يُبعِدوا الأميركيّين من أسوأ دوافعهم. حقّاً، لا يمكن أنْ تكون هناك شراكة يقوم فيها طرف واحد بكلّ شيء، فهذه ليست بالعلاقة الجيّدة. وإذا كانت هناك رغبة في استمرار العلاقة عبر الأطلسيّ، فلا بدّ من أن تكون شراكة حقيقيّة بين أنداد، وذلك يعني أنّ علينا تقديم بعض التنازلات.

أوروبّا من دون المملكة المتّحدة قد تكون أكثر استقلاليّة وحرّيّة في التفكير، ما قد يدفع واشنطن لتكون أكثر اعتدالاً عند صياغة أهداف سياستها الخارجيّة. وهذا أمر جيّد.

ماثيو كرونيغ: ينبغي لتحالُفات الولايات المتّحدة أنْ تكون شراكات حقيقيّة، وينبغي أنْ تقودها الولايات المتّحدة. فمن دون قيادة ستكون هناك فوضى. إذ إنّ الاتّحاد الأوروبّيّ ليس فاعلاً موحَّداً حول معظم القضايا، وعلى عكس الولايات المتّحدة، تميل الدول الأوروبّيّة الصغرى إلى التركيز على مصالحها الضيّقة (التجاريّة غالباً)، ولا ترى الصورة الاستراتيجيّة الكبرى في الغالب.

ما هو الأثر الاستراتيجيّ الثاني؟

إيمّا آشفورد: الخدمات الماليّة. قد لا يبدو هذا أمراً مهمّاً من الناحية الاستراتيجيّة، ولكنّه مهمّ. الاتّفاق المُبرَم بين بريطانيا والاتّحاد الأوروبّي يشمل البضائع وحدها، ولا يغطّي جانب التمويل. ومع فقدان ما يسمّى “التخليص” passporting (القدرة على تخليص المعاملات باليورو)، ستكون مدينة لندن على وشك فقدان الكثير من أهمّيتها كمركز ماليّ. كنت أقول منذ فترة إنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبّي هدف حقيقيّ للبريطانيّين، حفاظاً على الوضع القائم في القطاع التجاريّ؛ ولكنّه يقوّض قطاعَهم الماليّ ذا السمعة العالميّة.

وبينما هناك العديد من الخيارات بشأن المواقع التي قد تنتقل إليها البنوك داخل الاتّحاد الأوروبّيّ (دبلن أو باريس أو أمستردام)، فإنّ أرجح مدينة مرشّحة لذلك هي المركز المصرفيّ القائم بالفعل في مدينة فرانكفورت الألمانيّة، ما يُعزّز أهمّيّة ألمانيا بشكلٍ أكبر. ومرّة أخرى، ربّما لا تكون هذه نهاية العالم بالنسبة للسياسة الخارجيّة الأميركيّة، ولكنّها نقلة مهمّة. وقد تمنح صنّاع السياسات الألمان مزيداً من السطوة والنفوذ في مسائل البنية التحتيّة للنظام الماليّ العالميّ والعقوبات الماليّة، ومزيداً من القدرة للتأثير على السياسات الأميركيّة.

سيكون من الصعب جدّاً على ترامب أنْ يشنّ حرباً على إيران قبل أنْ يترك منصبه.

ماثيو كرونيغ: سيضرّ هذا الأمر بمدينة لندن، ويُعزّز من دور وول ستريت كأهمّ مركز ماليّ في العالم. ومع أنّي لست سعيداً برؤية أقرب حليف للولايات المتّحدة يُعاني، فإنّ هذا قد يعزّز هيمنة الولايات المتّحدة على النظام الماليّ العالميّ.

وردت بعض الأخبار الجيّدة في العام الجاري. لم يقع الانتقام الإيرانيّ المتوقّع على نطاقٍ واسع في الذكرى السنويّة لموت قاسم سليماني. وبالتالي نأمل أنْ يحمل هذا العام مزيداً من السلام (وقليلاً من الأوبئة العالميّة).

إيمّا آشفورد: يا إلهي! لم يمرّ على اغتيال سليماني سوى عام؟ أشعر كأنّه وقع منذ عقد.

أظنّ أنّ بصيصَ الأمل بين أحداث 6 كانون الثاني المروّعة هو أنّه سيكون من الصعب جدّاً على ترامب أنْ يشنّ حرباً على إيران قبل أنْ يترك منصبه. ولكن حين قلت إنّني أريد أنْ يتجنّب ترامب تغيير الأنظمة في الخارج، لم أقصد أنّ عليه محاولة فعل هذا في الوطن عوضاً عن ذلك.

نتمنّى أن يأتي وقت تتولّى إدارة بايدن من دون مزيدٍ من الاضطرابات، وأنْ يكون بإمكانها العودة إلى اتّباع سياسة خارجيّة أكثر عقلانيّة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

ماثيو كرونيغ: سيكون هذا أمراً عظيماً. لنأمَلْ أنْ تكون أيّامنا الآتية حتّى العشرين من كانون الثاني هادئة، وحينها تمكننا العودة إلى نقاشاتنا الساخنة حول السياسات في العمود التالي.

تعهّدي في العام الجديد هو إقناعكم بما تبدو عليه السياسة الخارجيّة العقلانيّة، وأنّ إيران ليست أيسلندا.

إيمّا آشفورد: حسناً! تعهّدي أنا هو العيش في ديموقراطيّة فاعلة وأنْ أستطيع أخيراً أنْ أغادر بيتي للمرّة الأولى منذ آذار/ مارس 2020. وأتساءل الآن أيّنا أكثر تفاؤلاً بحماقة؟

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: