fbpx

انتشار قياسي لفايروس “كورونا”… التونسيون يواجهون الموت وحيدين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا نملك أكثر من أربعة أسرة إنعاش ونعاني نقصاً كبيراً في التجهيزات وفي عدد الأطباء والإطارات الصحية”… تشهد تونس تفشياً سريعاً للفايروس في موجته الثانية التي بلغت مستويات خطيرة ومربكة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توفي أحد المصابين بـ”كورونا” في المستشفى الجهوي في محافظة سيدي بوزيد فتم الاعتداء بالعنف الشديد على رئيس قسم “كوفيد- 19” والطبيب الوحيد المختص في الغرض، من قبل أحد أقارب المتوفى المنتمي للمؤسسة الأمنية. هذه الحادثة دفعت الطبيب للامتناع عن العمل بسبب عدم محاسبة المعتدي قضائياً لصفته الأمنية. وسانده أطباء في المستشفى امتنعوا عن معاينة مرضى “كورونا” حتى إنصاف زميلهم.

وأمام غياب أطباء الاختصاص وضعف المعدات المتوفرة في المستشفى، بات المصابون المحتاجون إلى علاج يواجهون وضعاً صعباً، وتزايدت أعداد الوفيات اليومية في صفوفهم بعدما بات يعاينهم أطباء مستجدون لا يفهمون طبيعة المرض ولا آليات التعاطي معه. ويحدث هذا بعلم وزارة الصحة والهياكل الجهوية المختصة، من دون أن تحرك ساكناً أو تحاول التدخل لحل الإشكال وإنقاذ حياة المواطنين في هذه المحافظة المهمشة أساساً، بحسب الدكتور مراد بن علي أحد أطباء الاختصاص المتضامنين مع زميلهم ورئيسهم لـ”درج”.  

وأوضح بن علي: “أعجز عن وصف الوضع الكارثي في المستشفى الجهوي في محافظة سيدي بوزيد، في ظل غياب طبيب مختص في قسم كوفيد 19 وضعف المعدات، وتجاهل وزارة الصحة لما يحصل وعدم تدخلها لإنصاف زميلنا ورئيسنا. مرضى كثر يتوافدون، إنما يعالجهم أطباء لا يملكون المؤهلات اللازمة للقيام بهذه المهمة ويضطرون لطلب العون باستمرار لفهم ما يجب فعله إزاء كل حالة. هذا إلى جانب محدودية الأسرّة الشاغرة التي تجعلنا عاجزين عن إيواء بعض مرضى كورونا، وغير مدركين لكيفية تقديم الإسعافات لهم، لا سيما مرضى الحالات الحرجة الذين يحتاجون سرير إنعاش، غالباً ما لا يكون متوفراً. أدى هذا الوضع إلى ارتفاع عدد الوفيات في صفوف مرضى كورونا، الذي لم يكن يتجاوز الحالتين يومياً، لكنه الآن يتخطى 4 حالات يومياً. والمقلق أن أعداد الإصابات تتفاقم فيما الوضع على حاله”.

إقرأوا أيضاً:

حمّل بن علي وزارة الصحة مسؤولية ما يحصل، بسبب تجاهلها صعوبات الجسم الطبي سواء على مستوى ضعف الإمكانات والمعدات أو على مستوى الأمني. “يضعوننا في واجهة الأحداث الصعبة من دون الاكتراث لحوادث العنف المتكررة ضدنا ومن دون الشعور بالمسؤولية إزاء النواقص الكبيرة، ما يؤدي إلى خسائر بشرية مؤلمة، فيما وزارة الصحة تتصرف بلا مبالاة وتجاهل”.

هكذا تحدث الطبيب مراد بن علي عن الوضع الكارثي في أحد المستشفيات الجهوية في تونس، في فترة تشهد فيها البلاد ارتفاعاً كبيراً في أعداد المصابين بـ”كورونا” وفي أعداد الوفيات. وهذه الشهادة ليست عينة استثنائية لأحد المرافق الصحية في هذا البلد، بل هي صورة تعكس واقع حال معظم المستشفيات في البلاد ولا سيما في المدن الداخلية المهمشة. 

يحدث هذا أمام أنظار طبقة سياسية حاكمة لا يبدو أنها تبالي بما يحصل وتصم آذانها عن نداءات الاستغاثة التي أطلقت منذ أشهر في مناطق مختلفة هنا وهناك محذرة من الخطر الداهم على البلاد. يحدث هذا فيما تنشغل الرئاسات الثلاث بصراعها على الكراسي، ومن أجل فرض سلطتها وإثبات أنها الطرف الأكثر نفوذاً، في تجاهل تام لمآسي الناس ومشكلاتهم.

لم يستفق هؤلاء إلا عندما بلغ الانتشار السريع للوباء مستويات مخيفة وبات الخطر على كل الأبواب، ولكنها استفاقة متأخرة دب خلالها الارتباك وغابت الحلول عن الحكومة التونسية التي أضاعت منذ أشهر بوصلتها في التعاطي مع هذه الأزمة الصحية، مذ انخرط رئيسها في الصراعات من أجل البقاء، وأمسى رهينة لمن يسميهم الحزام السياسي لحكومته، غير آبه للضريبة التي يدفعها التونسيون الذين تركوا لمصيرهم، يواجهون الموت وحيدين، فيما السلطة السياسية تكتفي بالمشاهدة. 

وتشهد تونس تفشياً سريعاً للفايروس في موجته الثانية التي بلغت مستويات خطيرة ومربكة، إذ تخطى معدل الإصابات حاجز الـ2500 إصابة يومية خلال الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني/ يناير، لتسجل البلاد الإثنين 11 كانون الثاني مستوى قياسياً جديداً.

ففي هذا التاريخ أحصت وزارة الصحة التونسية أكثر من ثلاثة آلاف إصابة بالفايروس في أعلى حصيلة يومية منذ بدء تفشي الوباء في البلاد قبل نحو عام. إذ أعلنت الوزارة في آخر تحديث نشر مساء الاثنين 11 كانون الثاني عن 3074 إصابة جديدة ووفاة 69 مصاباً.

وبهذا العدد يكون عدد المصابين في تونس قد بلغ 162350، فيما بلغ إجمالي عدد الوفيات 5284 منذ شباط/ فبراير 2020. والأرقام في تصاعد مستمر يومياً. فيما بلغ عدد المتعافين من المرض 119446 شخصاً بعد تسجيل 1745 حالة شفاء جديدة.

ويرجح الكثير من الأطباء أن أعداد الإصابات الحقيقية يفوق بكثير الأعداد المعلن عنها في ظل غياب المتابعة الرسمية للمصابين بالمرض وامتناع كثيرين عن الذهاب إلى المستشفيات التي لا تتوفر فيها الإمكانات اللازمة لعلاجهم، فيما تضع المصحات تعريفات مجحفة لا يستطيع معظم التونسيين تحمّلها.

كما تتسرب أنباء صادرة عن بعض الأطباء تؤكد تزايد الضغوط على أسرة الأوكسجين وأسرة الإنعاش في المستشفيات، وأن الأطباء باتوا يختارون بين من يمكن نقله للإنعاش مع تزايد أعداد المصابين ومحدودية المعدات لا سيما أسرة الأوكسجين والإنعاش.

أعداد الإصابات الحقيقية يفوق بكثير الأعداد المعلن عنها في ظل غياب المتابعة الرسمية للمصابين بالمرض.

وهذا ما يؤيده محمد الحجري عضو “نقابة الصحة العمومية في محافظة الكاف” (شمال غربي) الذي وصف الوضع في المستشفى الجهوي في محافظته بالصعب والدقيق، في ظل ضعف المعدات ونقص الأطباء والممرضين وتفاقم المخاوف من أن تتجاوز أعداد المصابين طاقة استيعاب القسم المخصص لمرضى “كورونا”.

ويقول لـ”درج”: “تتزايد أعداد المصابين بشكل مطرد، ما يجعلنا نخشى أن نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها استقبال المصابين، لا سيما  أننا لا نملك أكثر من أربعة أسرة إنعاش ونعاني نقصاً كبيراً في التجهيزات وفي عدد الأطباء والإطارات الصحية، الذين أصيب عدد كبير منهم بالعدوى بسبب عدم توفر أدوات الحماية أثناء عملهم”.

وانتقد افتقار وزارة الصحة لاستراتيجية واضحة في التعاطي مع الوضع الوبائي وعدم التعامل معه وفق المتغيرات اليومية وترك العاملين في المستشفيات يواجهون الوباء بإمكانات محدودة حتى مع تزايد أعداد المصابين.     

ويبدو أن وزارة الصحة التي لم تتجاوب مع نداءات الاستغاثة التي أطلقها الأطباء وجدت نفسها الثلاثاء 12 كانون الثاني عاجزة عن مزيد التجاهل ليطل وزير الصحة فوزي المهدي خلال ندوة صحافية يعلن فيها أن الوضع الوبائي خطير في تونس وأعداد الإصابات بفايروس “كورونا” تتجه نحو الارتفاع. وليعلن أيضاً، عن قرارات الهيئة الوطنية لمجابهة فايروس “كورونا”، والتي اتخذتها على ضوء التطورات الصحية الأخيرة في البلاد.

وأقرت الهئية الحجر الصحي الشامل بداية من يوم الخميس 14 كانون الثاني، حتى 17 منه، مع استمرار حظر التجول من الرابعة مساء حتى السادسة صباحاً.

كما تقرر تعليق كامل الدروس في كل المستويات في مختلف مراكز التكوين، وذلك انطلاقاً من يوم الأربعاء 13 كانون الثاني، بعد انتهاء الدروس، ولغاية 24 من الشهر ذاته.

ومن القرارات أيضاً تعليق التظاهرات من الخميس 14 كانون الثاني حتى 24 منه، واقتصار حركة المقاهي والمطاعم على المشروبات والمأكولات المعدة للحمل.

وأقرت الهيئة نظام العمل بالتداول يوماً بيوم مع نظام الفرق ودعوة رؤساء الإدارات العمومية والمؤسسات الخاصة إلى اعتماد العمل من بعد قدر الإمكان.

ويذكر أن السلطات التونسية تفرض منذ أشهر حظر تجول ليلياً ومنعت التنقل بين الولايات، لكن القرارات لا تطبق على أرض الواقع.

ولا يعرف الموعد الرسمي لبدء حملة تطعيم اللقاح في تونس بسبب الصراعات والخلافات بين السلطات الثلاث في البلاد وإصرار كل طرف على تولي مهمة شراء اللقاح، من دون أن تنجح أي جهة إلى الآن في حسم الأمر.

إقرأوا أيضاً: