fbpx

إيران والسعودية : هل ينجح الكاظمي في ترميم الصدع؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما هذه المعادلة الجديدة، إضافة إلى فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، وكذلك قرار تحييد العراق عن الصراع بين هذين القطبين، دفعت الكاظمي، الذي يبدو أنه أعطي ضوءاً أخضر، لإنهاء هذه القطيعة، إلى استضافة الأخوة الأعداء ومحاولة ترميم العلاقة بينهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بات مؤكداً أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين كباراً، التقوا في بغداد، مطلع نيسان/ أبريل 2021، وأجروا محادثات ثنائية هادئة، برعاية رسمية عراقية، تهدف أولاً، إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وتحسين العلاقات الديبلوماسية بين بلديهم، ثانيا، في خطوة تُحسب لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي استغل لتحقيق ذلك، صداقته الشخصية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وعلاقاته الموازية مع المسؤولين الإيرانيين.

مما لا شك فيه، أن بدء أي نوع من المحادثات بين هذين القطبين الرئيسيين، من شأنه أن يخلق استقراراً سياسياً وأمنياً في الشرق الأوسط، ويحقق هدنة بين مكونات المنطقة، لا سيما إذا ما تكسر الجليد بين المملكة السنية والجمهورية الشيعية.

في كل الأحوال، اللقاء الذي نفاه الطرفان حتى الآن، ينهي نحو  5 سنوات من القطيعة الديبلوماسية بين البلدين، على خلفية إعدام المملكة المعارض الشيعي الشيخ نمر النمر، والخطوة الاعتراضية التي قامت بها الجمهورية، باقتحام “الأهالي” مبنى السفارة السعودية في طهران.

بعد انتصار الثورة الإسلامية، عادت العلاقة بين السعودية وإيران إلى نقطة الصفر، فالثوار الإيرانيون أعلنوا الحرب على الشيطان الأكبرز.

لكن، بدء المحادثات، لا يعني بالضرورة استكمالها، أو وصولها إلى خواتيمها السعيدة، فالبلدان، ماضياً وحاضراً، لطالما حاولا التقارب بجهود محلية وبوساطات خارجية، ولطالما وصلا إلى طريق مسدود، ولا إشارة حتى الآن، تدل على أن الكاظمي سينجح حيث أخفق آخرون، فالعقدة قديمة وتاريخية، وموجودة قبل الثورة الإسلامية. 

تاريخيا، لم تكن العلاقات بين إيران والسعودية جيدة، كما يتهيأ لكثيرين، ولعل أهم أسباب سوء العلاقات، يعود إلى التفسيرات الأيديولوجية والخلافات العقدية والفقهية بين المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي تدين به إيران، والمذهب الوهابي، الذي تدين به السعودية، فالأزمة الأولى بين السعودية وإيران، حصلت في عشرينات القرن الماضي، وكانت محض دينية، وكان سببها هدم الأسوار والقباب والأضرحة المقامة على أرض مقبرة “البقيع” في المدينة المنورة، التي تضم رفات عدد من أئمة الشيعة الاثني عشرية وصحب الرسول، بفتوى “وهابية” اعتبرت أن “زيارة القبور شكل من أشكال عبادة الأصنام”. وبنتيجة هذه الأزمة قطعت إيران القاجارية علاقتها بالمملكة العربية السعودية، وامتنع الحجاج الإيرانيون عن أداء فريضة الحج، وصولاً حتى عام 1948، حين تولى رئيس الوزراء الإيراني في الدولة البهلوية، التي قامت على أنقاض القاجارية عبد الحسين هجير، مهمة ترميم العلاقة مع السعودية، فأنجز مهمته وعاد الإيرانيون لأداء مناسك الحج.

لكن هذا التقارب لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما نشبت أزمة أخرى أكثر عمقاً وحساسية بين البلدين، سببها إعلان استقلال البحرين كدولة عربية ذات سيادة، بعد 150 سنة من الهيمنة الإيرانية، لكن الضغط الأميركي والبريطاني، حينها، بسبب خوف هاتين القوتين من التسلل الشيوعي السوفياتي إلى منطقة الخليج العربي، أدى إلى اعتراف إيران بسيادة البحرين واستقلاله، حيث تمت صياغة استراتيجية في واشنطن ولندن، تقوم على تكليف إيران بالترتيبات السياسية والعسكرية واعتبار المملكة العربية السعودية كأساس اقتصادي لهذه الاستراتيجية، وبناء على هذه الحبكة، وصلت العلاقة بين السعودية وإيران إلى أفضل مستوياتها، في وقت كانت فيه إيران تتمتع بقوة عسكرية واقتصادية أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

بعد انتصار الثورة الإسلامية، عادت العلاقة بين السعودية وإيران إلى نقطة الصفر، فالثوار الإيرانيون أعلنوا الحرب على الشيطان الأكبر، وعلى أعوانه في المنطقة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وبدأوا تحريض المواطنين الشيعة في دول الخليج العربي، على الثورة ضد حكامهم، ما جعل الحكام العرب يشعرون بالتهديد، ويفكرون في اتخاذ إجراءات عملية لإسقاط النظام الإيراني الجديد، فدعموا الرئيس العراقي صدام حسين في حربه على إيران، التي دامت 8 سنوات. ويؤكد الإيرانيون أن بحوزتهم أدلة كثيرة على أن العراق دفع ثمن الحرب على إيران، من أموال دول على الشواطئ الجنوبية للخليج العربي.

إقرأوا أيضاً:

أزمة أخرى بين البلدين، أفرزتها الثورة الإسلامية، هي أزمة الحجاج الإيرانيين، عام 1986، حيث اكتشف الأمن السعودي أسلحة ومتفجرات بين ممتلكات الحجاج الإيرانيين، والتي كانت مهربة إلى الجماعات الشيعية المعارضة في المنطقة الشرقية، لحضها على محاربة النظام، الأمر الذي جعل علاقة إيران مع السعودية، أكثر تعقيداً مما كانت عليه من قبل، في العام التالي (1987) بسبب الشكوك والمخاوف من نيات الحجاج الإيرانيين، شهد موسم الحج كارثة إنسانية، حيث هاجمت القوات العسكرية السعودية الحجاج الإيرانيين، وبعض الحجاج الشيعة من الدول الأخرى، الذين نظموا تظاهرات في المدينة المقدسة. وأسفر الهجوم عن مقتل 275 حاجاً إيرانياً و45 حاجاً من دول أخرى و85 سعودياً، من بينهم عدد من رجال الشرطة، إضافة إلى إصابة مئات الحجاج الآخرين. وفور هذه الحادثة هاجم الإمام الخميني حكام السعودية، وأعلن أن “جرائم حكام السعودية لا تُنسى”، وبسبب هذه الحادثة انقطعت العلاقات بين إيران والسعودية وتم إغلاق سفارتي البلدين، وامتنع الإيرانيون مجدداً عن أداء فريضة الحج.

كان لوفاة الإمام الخميني ووصول الشخصية البراغماتية هاشمي رفسنجاني إلى السلطة، تأثير إيجابي في  العلاقات الإيرانية السعودية، ففتحت أبواب السفارتين في العاصمتين، واستأنفت إيران إرسال حجاجها إلى مكة.

يعتبر رفسنجاني مهندس تجديد العلاقات بين إيران والسعودية، ذلك أنه بذل جهوداً مضنية لتطبيع العلاقات، من بينها أخذ زمام المبادرة للقاء ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، في اجتماع إلى منظمة المؤتمر الإسلامي في السنغال، وعن هذا اللقاء كتب رفسنجاني في مذكراته: ” كنت أنا الرئيس حينها وكان الأمير عبدالله ولي العهد، وقالوا لي أنه سيأتي للقائنا، ولكنه عدل عن رأيه، فقلت أنا سأذهب إليه، حتى في باكستان في الاجتماع التالي، جاءوا إلي وقالوا لي الأمير عبدالله في انتظارك، نهضنا وذهبنا (مع علي أكبر ولايتي) إلى غرفته، وفجأة رأينا الأمير عبد الله ورفاقه، قد خرجوا من الغرفة لاستقبالنا، وقالوا إننا مستعدون للذهاب إلى غرفتك، رأيتهم قد انقلبوا فجأة رأساً على عقب”، ومن بعدها استمرت المحادثات المباشرة بين إيران والسعودية، أو بين رفسنجاني والأمير عبدالله، وحصلت بينهما صداقة، تمتنت أكثر بعد انتهاء رئاسة رفسنجاني. 

أكمل الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي ما بدأه رفسنجاني، لا سيما بعد إطلاقه حوار الحضارات، وسعى خاتمي إلى إقامة علاقات ودية مع الحكام السعوديين، خصوصاً بعد غزو صدام للكويت، ما ترك ذكرى طيبة في وجدان السعوديين، وصارت تسمع في كلا العاصمتين عبارة “إيران والسعودية دولتان صديقتان وشقيقتان”.

أدى الغزو الأميركي للعراق وسقوط صدام حسين، على رغم تدمير العدو المشترك لطهران والرياض، إلى خلق منافسة شديدة بين إيران والسعودية، على استقطاب الحالتين الشيعية والسنية في العراق، لكن عموماً، ظلت العلاقات بين طهران والرياض جيدة في هذه الفترة، وانعكس ذلك إيجاباً على سوق النفط، لكن التحدي الأهم خلال هذه الفترة، كان صعود حركة طالبان وسيطرتها على أفغانستان، وإقامة دولتهم الإسلامية فيها، وفي هذا الخصوص أكدت إيران، مراراً وتكراراً، أن أثر دعم بعض الأثرياء السعوديين الحركة لن ينعكس على علاقاتها الطيبة مع الرياض.

سجلت مدّة رئاسة محمود أحمدي نجاد أسوأ العلاقات بين البلدين، خلال هذه الفترة، بدأت أحداث الربيع العربي، وتدخلت إيران بكل ثقلها في حرف أهداف الثورة السورية عن مسارها، مستخدمة أراضي العراق وميليشيات “حزب الله” اللبناني، فاشتعل الخلاف بين طهران والرياض مجدداً، واتهمت السعودية إيران بالسعي إلى رسم هلال شيعي في المنطقة، (بعد تصريح للعاهل الأردني الملك عبدالله)، كذلك شكلت مصر بدورها، نقطة خلاف إضافية بين البلدين، بعدما أسفرت الثورة المصرية عن وصول الإخوان الملسمين إلى الرئاسة، وقد حظي الرئيس محمد مرسي بدعم روحي من إيران، بينما عارضت السعودية وصوله بشدة، وانتهت ولاية نجاد بعلاقة متوترة بين البلدين.

واصلت إيران تحريض الجماعات الشيعية في السعودية والبحرين، على الثورة، كما أغرقت الحوثيين الشيعة في اليمن، بالمال والسلاح والصواريخ، ما جعلهم يشكلون تهديداً حقيقياً للسعودية.

تعد خطة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، التي كشفتها الاستخبارات الأميركية، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أحد أخطر الأسباب، التي ضربت العلاقة بين السعودية وإيران، يومها أعلن مسؤولون أميركيون أنهم رصدوا خطة إيرانية لاغتيال الجبير، وأنه تم القبض على  المواطنين الإيرانيين المتهمين بالتنفيذ، غلام شكوري ومنصور أربابسيار، وهما عنصران في فيلق القدس التابع لتنظيم الحرس الثوري، وقدمت وزارة العدل الأميركية أدلة عززت الشكوك في تورط إيران في هذه المؤامرة، إلا أن إيران نفت هذه المزاعم، واعتبرتها مؤامرة أميركية- سعودية مشتركة لضرب النظام.

بهذا الموقف، وصل قطار العلاقات بين طهران والرياض إلى رئاسة حسن روحاني، الذي دخل السباق الرئاسي بشعار الحكمة والأمل وبسياسة الاعتدال، مستقطبا دعما شعبيا واسعا، جعله يفوز بأغلبية ساحقة، إضافة إلى حصوله على دعم مطلق من قطبي الإصلاح رفسنجاني وخاتمي، وأرخى فوزه بالرئاسة ظلالاً من الإيجابية على السياسة الإيرانية داخلياً وخارجياً، وسارعت المملكة العربية السعودية، إلى تهنئته بالفوز، ما أثار قلق الأصوليين، فقرروا استئناف سياسة الاستفزاز، فبدأ خطباء الجمعة شن حملة مدروسة وممنهجة على آل سعود، وانتشرت ثقافة لعنهم وشتمهم على المنابر وفي الإعلام. وتم إنتاج ألعاب فيديو تصور بدء حرب تحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى أناشيد وندبيات حسينية تهدد بإزالة عروشهم وإسقاط حكمهم.

خلال السنوات الخمس الماضية، واصلت إيران تحريض الجماعات الشيعية في السعودية والبحرين، على الثورة، كما أغرقت الحوثيين الشيعة في اليمن، بالمال والسلاح والصواريخ، ما جعلهم يشكلون تهديداً حقيقياً للسعودية. في المقابل، وسعت السعودية مجالات تعاونها مع الولايات المتحدة علناً، ومع إسرائيل من تحت الطاولة، مستفيدة من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. بطبيعة الحال، صار وجود إيران في اليمن من أجل تقديم المساعدة الاستشارية لجماعة الحوثي، بحسب تصريح قائد الحرس الثوري السابق محمد علي جعفري، شبيهاً بانفتاح الضفة العربية للخليج على الزائرين الإسرائيليين، بحجة التعاون التجاري، ما أفضى إلى خلق معادلة متوازنة الرعب بين البلدين: إيران جارة السعودية في اليمن، وإسرائيل جارة إيران في الخليج.

 ربما هذه المعادلة الجديدة، إضافة إلى فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، وكذلك قرار تحييد العراق عن الصراع بين هذين القطبين، دفعت الكاظمي، الذي يبدو أنه أعطي ضوءاً أخضر، لإنهاء هذه القطيعة، إلى استضافة الأخوة الأعداء ومحاولة ترميم العلاقة بينهم. 

إقرأوا أيضاً: