fbpx

محمد حسين يعقوب: كبير المشايخ يبيع تلاميذه ويتبرأ من السلفية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

دخل مجمع محاكم طرة في القاهرة شاهداً، وكان سيخرج منه إمَّا متهماً بالإرهاب، أو خائناً لجميع أنصاره ومريديه، فاختار الثانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

محمد حسين يعقوب الرجل الأكثر تشدداً وتأثيراً من بين مشايخ السلفية الذين انتشروا وبثوا أفكارهم إلى العالم عبر شرائط كاسيت، ثم قنوات السلفية التي غزت شاشات التلفزيون في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، يجري حالياً الاستماع له في قضية عرفت اعلامياً بقضية “داعش امبابة”، في جلسات مصورة نقلت اعترافات أثارت جدلاً وهجوماً لاذعاً بحق أشهر شيوخ السلفية في مصر. 

ظهور السلفية المصرية

تقليدياً، دعم نظام مبارك منذ الثمانينيات الحركة السلفية في مصر بهدف خلق منافس وربما بديل عن الإخوان المسلمين. بدأت الحركة السلفية تجاهر بوجهة نظر أخرى في الدين وتأكل من نصيب جماعة حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) من الفئة المحافظة والمتشددة دينياً، فتكاثرت أسماء الشيوخ بمقاربات أكثر تشدداً من الدين، وكان  أبرز الوجوه، وأكثرها قسوة… محمد حسين يعقوب.

بالغ يعقوب في الدعوة إلى الدولة الإسلامية وغلبة الدين وإقامة الحدود والمجتمع الديني في خطب وشرائط وبرامج، حتى آمنت بما يقول مجموعة شكَّلت تنظيماً إرهابياً وشاركت في تفجير وسط القاهرة، واستهدفت أحد المصارف في الجيزة، ونفَّذت عمليات إرهابية أخرى، بحسب أوراق القضية “271 لسنة 2021” تحت اسم “خلية داعش إمبابة“، التي بايعت “داعش” في سوريا والعراق وأسست له فرعاً إقليمياً صغيراً يتكوّن من 12 فرداً فقط.

“داعش إمبابة” تكشف حيل أشهر شيخين سلفيين في مصر

في تحقيقات “داعش إمبابة”، لم يخف المتهمون مصدر أفكارهم، فذكروا أنهم تلامذة الشيخين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وتبنوا تلك الأفكار بعد سماعها في فتاوى وخطب سابقة لهما، ولم تكن الإشارة إلى الشيخين السلفيين، اللذين شهدت فضائية “الناس” الشهيرة انطلاقتهما وتربعهما على عرش القنوات الدينية في مصر، سوى استغاثة، وصرخة أطلقها 7 متهمين سقطوا بأيدي الأمن المصري، لعلّ الشيخين اللذين كانا من أنصارهما، واعتبرا نفسيهما تطبيقاً عملياً لما يبوحان به من خطب وفتاوى وأحلام، يتقدمان ويحاولان إنقاذهم من العقوبة الكبرى التي تطاردهم حتى الآن. 

لربما انتظر المتهمون أن يقتحم الشيخان قاعة المحكمة ليثبتا بدلائل من القرآن والسنة أنّ تلك الاتهامات التي ساقتها المحكمة ما هي إلا “أوامر من الله” لإعمار الكون، وتنفيذ شرعه في الأرض.

لكن ما حصل كان مختلفاً، الشيخ محمد حسان تغيّب عن الجلسة الأولى، على رغم استدعائه، وقدم تقريراً طبياً لإعفائه من حضور جلسة المحاكمة الثانية، لكن الشيخ حسين يعقوب دخل قاعة المحكمة على كرسي متحرك، وتنصَّل من معظم أفكاره السابقة، وتبرَّأ من المتهمين وأفكارهم، واعترف أنه ليس عالماً بل مجرد قارئ حاصل على شهادة “دبلوم معلمين”، أي أنه ليس جامعياً ولم يكمل تعليمه العالي، ورداً على ادعاء المتهمين بأنهم “تلاميذه”، قال – ضمن الشهادة – إنهم “ليسوا تلاميذي ولا أعرفهم”. 

قفز يعقوب من المركب، وهو يحترق، متنصلاً من مريديه وأنصاره، وعقيدته، وأفكاره، وهواه السلفي. 

لاقت الشهادة صدى واسعاً في الأوساط المصرية التي شهدت بزوغ الشيخ يعقوب، وصيحاته وصرخاته وفتاويه على الهواء مباشرة لإجبار المسلمين على الالتزام، وتحذيرهم من عذاب النار وغضب الثعبان الأقرع وهول الآخرة… 

كان أول الداعين والداعمين للدولة الدينية، ففي أحد الاستفتاءات عام 2011 بعد سقوط نظام مبارك، خرج بصيحته الشهيرة، “وقالت الصناديق للدين: نعم“، التي تحوَّلت في ما بعد إلى كلمة شهيرة، بينما لم يكن الاستفتاء سوى حكم بين فصيلين سياسيين، أحدهما يؤيد مقترح الدستور الجديد، والآخر يرفضه، لكن فصيل الإسلام السياسي، الذي ينتمي إليه يعقوب ورفاقه كان يحشد للموافقة على الدستور لكونه حلالاً، بينما رفضه حرام.

 وصاغت القوى الدينية، في ذلك الوقت سرديات وروايات ومواقف، تدور حول كونِ الموافقة على الدستور انتصاراً دينياً يقرّب مصر إلى الله، لتصبح دولة يسود فيها الشرع، بينما رفضه يجعل مصر رهينة لليبراليين والعلمانيين و”أعداء الدين”.

كان مصطلحه “غزوة الصناديق” – الذي أطلقه – وما تبعه من تهديد للمعارضين “الناس قالت نعم للدين ولا للعلمانية والمدنية، دي بلدنا واللي مش عاجبه يهاجر”، جرس إنذار نبَّه الجميع، مبكراً، لتشددّ التيار الإسلامي ومشايخ السلفيين، والطريق الذي يريدون أن يوجّهوا مصر إليه لتصبح دولة دينية خالصة، لا تتناسب مع تاريخها الثقافي والسياسي، وتراكمت التصريحات والفتاوى حتى كانت ضمن أسباب سقوط التيار الإسلامي.

شيخ بالوراثة

لم يكن حسين يعقوب سياسياً أو متداخلاً في القضايا السياسية، هو شيخ بـ”الوراثة”، ولد في أشد مناطق القاهرة الكبرى تشدداً وإطلاقاً للإرهابيين “كرداسة”، وورث الدعوة من جده ووالده، الذي كان من مؤسسي الجمعية الشرعية لتعاون العاملين في الكتاب والسنة المحمدية. ولأنه ابن شيخ، سافر إلى السعودية وحضر مجالس بعض شيوخ المملكة في فترة انتعاش الوهابية وتلقى العلم الشرعي على يد تلاميذ محمد عبد الوهاب. وعاد من هناك بالجلباب الأبيض والعمة السلفية واللحية الطويلة، شيخاً على الطريقة السعودية، يخطب في المساجد، ويملأ الشرائط بصوته و”المؤثرات الصوتية” التي تجعله باكياً ومخيفاً وتزيد الرهبة من النار والشوق إلى الجنة، وتضع شرائطه ضمن الأكثر مبيعاً. 

ومن بين يديه خرج جيل جديد من الشباب والموظفين وباعة الكتب والشرائط الملتحين، وأصبح عراباً للإسلام بصيغته الخليجية، الذي انتشر في مصر مع عودة المصريين من السعودية والإمارات وقطر والعراق في الستعينيات. كان الرجل المناسب في الوقت المناسب، لكن كل ما يقوله يعود لينقضه مرة أخرى.

أفتى بحرمانية التلفزيون وصوته يصدح من شرائط الكاسيت ثم ينتشر فجأة في القنوات الفضائية، لا يتكلم في السياسة ويحرم التظاهر والخروج على الحاكم في عهد مبارك ومع اندلاع الثورة ونجاحها في عزله، يطلّ على الشاشات مهللاً ويصف الرئيس الذي كان يحرم الخروج عليه بـ”الظالم والطاغية الذي عطل تنفيذ شرع الله”، يطلب من الناس أن يكونوا زاهدين ورحماء، وحين تزور المسجد الذي يؤم المصلين فيه، تفاجأ بأنه يركب سيارة “أحدث موديل” ولا يمشي من دون موكب من السيارات، وينهر العاملين ويمدّ يده لمريديه لتقبيلها، وقد تم التداول في مواقع صحفية أنه تزوَّج 22 مرة.

التحريض على الجهاد 

لا يمكن تمييز فتاوى تحرض على الإرهاب للشيخ يعقوب، فالرجل يحرص على ألَّا يمسك عليه أحد خطأ، لكن من بين فتاويه أنّ تهنئة الأقباط في عيدهم “من المحرمات”، والاحتفال بعيد الحب “ذنب“، والعمل في المصارف “تعاون على الإثم والعدوان” والوقوع في الحب “خطيئة”، والغناء “حرام” والدعوة إلى الله “جهاد وواجب شرعي”، من دون توضيح معايير الجهاد الذي يقصده وأشكاله، ثم يدعو – صراحة – إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر في خطبة بعنوان “انصروا الشريعة“. 

التقطت خلية “داعش إمبابة” فتاوى وخطباً وأحاديث عن الغزوات والفتوحات والحروب والجنة والنار والسبايا وتطبيق الشريعة والتشكيك في المسيحيين وعقيدتهم، وخرجت منها بالرغبة في التفجير والتدمير والخراب وإقامة دولة إسلامية كالتي كانت ستتحقَّق بـ”غزوة الصناديق”. دولة تخلو من المصارف والمحتفلين بعيد الحب، والأقباط، وسلسلة طويلة من المذنبين والخاطئين الذين يجب التخلص منهم فوراً. ويصبح، بالنسبة إليهم، هذا هو “الجهاد” الواجب الشرعي المطلوب منهم كي يكونوا صالحين.

كما معظم شيوخ السلفية المقيمين في مصر، لا يدعون إلى الجهاد علناً حتى لا يتورطوا في اتهامات صريحة بالإرهاب.

 لم يحرّض يعقوب على التفجيرات أو الفكر الجهادي أو القتل علناً، لكنه إلى جانب تحريمه وافتئاته على الكثير من فئات المجتمع – كان يعظّم شيوخاً من مؤسسي التنظيمات الإرهابية وحملة السلاح.

قبل سنوات، نعى الشيخ رفاعي سرور، قائلاً: “مات شيخنا، وكان من العلماء الأجلاء الأكابر المجاهدين”. ورفاعي سرور هو مفكر وكاتب إسلامي مصري من الرعيل الأول لمؤسسي الحركات السلفية الجهادية، وكان ضمن المتهمين الرئيسيين بالقضية المعروفة إعلامياً بـ”تنظيم الجهاد” الذي اغتال الرئيس الراحل أنور السادات، ويعتبر أشهر منظري التنظيمات الإسلامية المسلحة، وشيخ أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الحالي، ونجله هو عمر رفاعي سرور، مفتي تنظيم القاعدة السابق في ليبيا، وله مسيرة حافلة في عدة تنظيمات إرهابية دولية، كان “الأمير الفعليّ” لبعضها. وامتدح يعقوب في النعي كتابي رفاعي سرور “قدر الدعوة” و”أصحاب الأخدود”، اللذين ألفهما في السجن لتقويم مستقبل الحركات الإسلامية المسلحة، ووضع خطة لانتقالها من السرية إلى العلنية.

أمَّا الجمعية الشرعية التي أسَّسها والده، وانتمى لها طويلاً، فكان شيخها وخطيبها هو محمد خليل هراس، أهم شيوخ السلفية في ذلك الوقت، والمسؤول الأول عن تجنيد وتعليم الجهاديين في الستينات والسبعينات، فالذي كان يعتنق الفكر الجهادي، يضطر إلى تلقي دروس دينية في مساجد الجمعية الشرعية في القاهرة على يد “هراس”. ذلك الطريق، سلكه أيمن الظواهري، ومصطفى يسري وحسن الهلاوي، قبل انضمامهم للجهاديين في مواقع العمليات.

ومن مساجد الجمعية الشرعية، انطلقت 3 تنظيمات جهادية صغيرة في نهاية الستينات. الأول لإسماعيل الطنطاوي وعلوي مصطفى، وضم مجموعة الجيزة والقاهرة، وكان على رأسه يحيى هاشم ورفاعي سرور، والتنظيم الثاني هو مجموعة مصطفى يسري وحسن الهلاوي، وقد نفذت “حادث الفنية العسكرية“، والثالث كان على رأسه أيمن الظواهري ونبيل البرعي، وكان يطلق عليه “مجموعة المعادي”. 

وعقب سفر الظواهري إلى أفغانستان وباكستان، استعان بعشرات الجهاديين المصريين، الذين تعلموا في الجمعية الشرعية، ليصبحوا جنوده في تنظيم “القاعدة” الذي أسسه أسامة بن لادن.

ومن بين ما تنصّل منه حسين يعقوب، خلال شهادته، كونه سلفياً، فقال: “لا أعرف شيئاً عن السلفية، أنا حنبلي”.

الشيخ حسين يعقوب يرد على نفسه : تاريخ من الفتاوى والخطب المضللة

أثارت تصريحات يعقوب في جلسة محاكمة “داعش إمبابة” دهشة كثيرين، ليس لغرابتها وحسب، إنما لأن كثيراً مما ادّعاه الرجل الذي خرج من القنوات السلفية، فعل عكسه وخالفه طوال مسيرته في الدعوة.

فهو يقول في المحكمة، “لست من العلماء”، بينما كان عنوان برنامجه على قناة “الرحمة” الفضائية، “مجلس العلماء”.

يعترف أنه ليس مفتياً ولا أهلاً للفتوى، وشرائطه وساعاته الطويلة على الشاشة يومياً تكاد تنفجر من كثرة الفتاوى والرد على طلبات المشاهدين للإفتاء لهم في قضايا دينية واجتماعية.

يذم حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ويقول إن هدفه كان الوصول إلى الحكم وإحياء الخلافة بينما “يجب ألا نتبع شخصاً أو جماعة سوى النبي”. ويذكر له المتابعون “غزوة الصناديق” التي كانت تحالفاً بين القنوات التلفزيونية السلفية والإخوان، وتأييده المطلق لجماعة الإخوان في خطواتها السياسية قبل وصولها إلى الحكم وبعد تولي محمد مرسي سدّة الرئاسة في مصر، وبعد عزله أيضاً. ففي الثاني من تموز/ يوليو 2013، دعا يعقوب الشعب للاحتشاد “دعماً للشرعية” وانضم إلى بيان الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح المساند لجماعة الإخوان. وتزامناً مع أحداث العنف التي سبقت فضّ اعتصام “رابعة” ، دافع عن الإخوان واعتبر الغضب منهم حرباً على الدين، واتهم الإعلام الذي يبثّ مقاطع فيديو لهم وهم يثيرون الشغف بـ”الفاجر الذي يعمل على غسيل مخ المصريين ليل نهار، وامتد بغض الإخوان إلى بغض الدين وكراهية الدين ورفض الدين، إنها حرب على الدين”.

وضمَّت الشهادة، أيضاً، تبرؤ يعقوب من السياسة، بقوله: “لا علاقة لي بالسياسة ولا أنتمي لأي حزب أو جماعة”، على رغم أنه كان عضواً في ما يعرف بـ”مجلس شورى العلماء” الذي كان ظهيراً سلفياً للإخوان، يصدر بيانات سياسية، ويتضامن، ويعلق على الأحداث، ويحشد للتظاهرات، وقد استقال منه الشيخ محمد حسان عام 2012 “ليبعد من الدخول إلى المعترك السياسي”، بحسب نص استقالته في ذلك الوقت. كان “شورى” العلماء جماعة سياسية تضم مشايخ السلفية، الذين شارك بعضهم في تظاهرات، فكيف يدّعي يعقوب أنه لا علاقة له بالسياسة ولا ينتمي لأي حزب أو جماعة؟

تبرَّأ يعقوب من السلفيين أيضاً، فقال إنه ليس سلفياً، ولا يعرف شيئاً عن السلفية، بينما يقول في أحد لقاءاته القديمة: “أتشرف بوجودي في وسط الدعوة، مدرسة الدعوة السلفية، هذه المدرسة التي نشأت في جنباتها، تربيت على يد مشايخها، تعلمت من كتبهم ومن أشرطتهم ومن كلامهم ومن توجيهاتهم… نعم إخوتي، هؤلاء هم أصلي وفصلي، وإليهم يحنُّ قلبي”.

ويضيف- في قاعة المحكمة – على كونه ليس سلفياً، أنه “ليس مفتياً ولا أهلاً للفتوى، إنما خريج كلية دار العلوم، وآرائي اجتهادات شخصية نتيجة قراءتي، ولا أفتي في الدين”، على رغم أن موقع “يوتيوب” يمتلئ بفتاويه المأخوذة من البرامج وشرائط الكاسيت، يطلق فتاوى عن الغناء، وحلق اللحية، وحكم الوقوع في الحب، والتعامل مع البنوك والعمل في القطاع المصرفي، وعشرات الفتاوى الأخرى، ثم يأتي الآن ليقول إنه ليس مفتياً ولا أهل للفتوى. 

تملّص يعقوب، أيضاً، من الحديث عن الشريعة حتى إنه ادّعى الجهل وعدم المعرفة بمعنى “الطائفة الممتنعة”، قائلاً: “أنا أول مرة أسمع عن هذه الكلمة، ولا أعلم عنها شيئاً”، على رغم أن له محاضرات كاملة بعناوين “الشريعة قضية كل مسلم” و”حلم تطبيق الشريعة” و”الشريعة فوق الدستور“، والسؤال الذي يتردَّد الآن، كيف لرجل قدم آلاف الساعات من الدعوة الدينية، وبرامج تتناول الفقه الإسلامي، ومحاضرات في مسائل حساسة في الفقة، ألا يعرف معنى كلمة “الطائفة الممتنعة” وألا يكون قد سمع بها من قبل؟!

إقرأوا أيضاً:

هل تعتبر شهادة يعقوب انتكاسة للسلفية والتشدد؟

لا يمكن فصل ما يحصل، بدءاً من محاكمة خلية “داعش إمبابة” حتى شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب وتنصله من الدعوة السلفية والخلية وأغلب تاريخه السابق في الدعوة والإفتاء، عن أدوار كانت مناطة بتيارات اسلامية وتحديداً السلفية من قبل السلطة في مصر والتي تتغير بحسب الاعتبارات السياسية داخلياً ودولياً. 

جفَّفت مصر في السنوات القليلة الأخيرة منابع السلاح والتمويل بفعل القبضة الأمنية القاسية فهدأت وتيرة الإرهاب في سيناء، وجففت منابع تمويل الجهاديين في ليبيا، فاختفت أنباء التفجيرات والاغتيالات واستهداف الكمائن على حدود مصر الغربية، وتستمر المراجعات داخل السجون، إلى جانب القبض على أعداد كبيرة من مرتكبي الحوادث الإرهابية ودعاة التشدّد الذين ينتمون إلى تنظيمات مسلحة، لتبقى الدعوة السلفية فقط. 

لكن هذه المعالجة لا تعني أن هناك مقاربة شاملة لفكر التشدد والاقصاء، بل هي معالجة محددة ترتكز على القبضة الأمنية القاسية لكنها لا تقارب الإرهاب من جانبه الأوسع اجتماعياً وفكرياً واقتصادياً.

 بمعزل عن حسابات السلطة الحالية، أتت شهادة يعقوب لتكون شهادة للتاريخ ، فالرجل يهيل بالتراب على نفسه وعلى الفصيل الديني الذي يمثله– حتى لو تبرَّأ منه موقتاً ليخرج من المأزق – وكأنه يؤكد هشاشة المصدر الذي انطلق منه وتقاطعه المباشر مع السياسة والسلطة التي تطلقه حين تشاء وتزيحه حين ينتهي دوره.

تتجه الإجراءات الأمنية في مصر إلى المزيد من التضييق على حرية المعتقد والرأي والتعبير، وأتت شهادة يعقوب لتعيد الجدل حول جدوى السيطرة على المدّ السلفي و”الجهادي” في الفترة الراهنة، مهما بدا هادئ النغمة ويحرم أشياء اعتاد المجتمع المصري سماع خطب تحرّمها،حتى لو أهدر ذلك القليل من هامش الحرية للتنظيمات الدينية “المتشددة”. نحن هنا أمام أحد كبار مشايخ السلفية يعلن أنه ليس مؤهلاً للفتوى والخطابة و”يكذب” ليبرئ نفسه من التحريض على الإرهاب، ويقول متهمون بتنفيذ تفجيرات وتصفيات أنهم تلامذته وعملياتهم المسلحة كانت تطبيقاً لما سمعوه منه.

شهادة الشيخ ستبقى علامة فارقة، فالدعوة السلفية في مصر ما بعد ذلك المشهد، ستتغيّر كثيراً، وكأننا نشهد تساقط مشايخ السلفية واحداً تلو الآخر في أفخاخ الفتاوى القديمة، والتاريخ الحافل بالتحريض على العنف.

إقرأوا أيضاً: