fbpx

يبنون بيوتاً إسمنتية بعد احتراق خيمهم…
نازحون إيزيديون يرفضون العودة إلى سنجار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الأرض المحروقة في سنجار والتي تتلاشى آمال العودة الى أجزاء كبيرة منها بسبب الصراع القائم بين قوى وإرادات محلية وإقليمية، بدأ صوت سنجاريين يتعالى منبهين إلى أن معادلات جديدة ستفرض وجودها، بما يختلف عما كان عليه الوضع قبل هجوم “داعش”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يلتهم حريق مخيم شاريا للنازحين الايزيديين في مطلع حزيران/ يونيو خيامهم فحسب، وإنما أيضاً أحلامهم بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها في ظل الصراع الإقليمي على أرضهم وتناسي قضيتهم وتجاهل الحكومة والمجتمع الدولي مطالبهم، معلنين من خلال بناء مساكن كونكريتية (إسمنتية) عن ترسيخ واقع نزوحهم وتمديد سنوات بقائهم.

حريقُ مخيم شاريا للنازحين الإيزيديين فتح مجدداً باب الجدل القائم في البيت الايزيدي بشأن عودة عشرات آلاف النازحين إلى قضاء سنجار، الذي يخضع لسيطرة قوى أمنية مختلفة ومتقاطعة الولاءات، أو بقائهم في 14 مخيماً موزعاً في إقليم كردستان أغلبها في محافظة دهوك. 

قبلها وتحديداً في نيسان/ أبريل 2021 دعاهم رئيس الجمهورية برهم صالح في بيان صدر عن مكتبه للعودة إلى إعادة إعمار مناطقهم.

البيان نفسه أكد وجود جملة من العقبات تعترض هذه العودة عبر الإشارة إلى ضرورة تجاوز العراقيل السياسية والإدارية التي تمنع إنصاف ذوي الضحايا والعمل على تنظيم الإدارة في سنجار، بالاستناد إلى إرادة اهلها وإبعادهم من الصراعات السياسية وتعزيز أمنها واستقرارها وتقديم المساعدات المادية والخدمات الأساسية.

نشطاء ايزيديون يرون أن وجود جماعات مسلحة مختلفة الولاءات في سنجار بينها الحشد الشعبي والمقاتلون الايزيديون الموالون لحزب العمال الكردستاني الى جانب الجيش العراقي والبيشمركة الذين تتقاطع توجهاتهم، تثير مخاوف النازحين وتمنعهم من العودة. 

هذا فضلاً عن الانقسام الإداري الذي أدى إلى نشوء حكومتين للقضاء مع قائمقامين أحدهما يتلقى تعليماته من العاصمة بغداد والآخر من أربيل في إقليم كردستان. وكانت النتيجة وأد خطط إعمار كثيرة أعلنت في السنوات الماضية.

حتى خطة الإدارة المشتركة للقضاء وفق “اتفاقية سنجار” الموقعة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 برعاية بعثة الأمم المتحدة في العراق والتي بشرت بها حكومتا بغداد وأربيل، لم تر النور بسبب رفض قوى الحشد الشعبي لها وبوجود خلافات بين الحكومتين تتعلق بسلطة كل منهما على القضاء الذي يعد بالأصل من المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والمركز.

وما زاد من إحباط النازحين ورفع مستوى مخاوفهم من العودة إلى سنجار، الإعلان في  شهر أيار/ مايو 2021 عن نقل دفعة أولى من أصل 100 عائلة لعناصر تنظيم “داعش”، من مخيم الهول في شمال شرقي سوريا إلى مخيم الجدعة قرب ناحية القيارة جنوب مدينة الموصل.

وأثار مرور حافلات تقل هذه العائلات عبر قضاء سنجار الواقع على الحدود العراقية السورية موجة غضب في الشارع الإيزيدي، إذ وصفت النائبة السابقة في مجلس النواب فيان دخيل الأمر بأنه “إهانة كبيرة جداً لجراح الضحايا التي لا تزال تنزف وصفعة أخرى بوجه الإنسانية والألم الذي ما زلنا نعيشه”.

وحمل حريق شاريا وعلى خلفية الصراع الأمني وفشل اتفاقية سنجار وبدء عودة عائلات “داعش”، رد فعل قوية من النازحين تمثلت باصرارهم على بناء غرف من الطابوق بدل خيمهم في قرار يؤشر بقطعية بقائهم في اقليم كردستان وغلق ملف العودة إلى سنجار.  

هل يصبح مخيماً دائماً؟

أمير الإيزيديين حازم تحسين بك، يذكر بأن أعضاء المجلس الروحي الإيزيدي الأعلى قابلوا بعد وقوع حريق مخيم شاريا مباشرة، مسؤول مؤسسة بارزاني الخيرية في اقليم كردستان وتم الاتفاق على تشييد أبنية من الكونكريت في المخيم بدلاً من الخيام كتعويض للنازحين: “كان علينا الوقوف مع أبناء شعبنا في المخيم ودعم مطالبهم لأنهم فقدوا كل ما لديهم بسبب احتراق خيمهم”.

بعد أيام قليلة من احتراق المخيم، دب النشاط فيه وارتفعت الجدران الاسمنتية في مواقع الخيم المحروقة ليتم تشييد أول مخيم دائم للنازحين في العراق، خلافاً لما أعلنت عنه وزارة الهجرة والمهجرين عام 2020 من خلال الوزيرة ايفان فائق، بأن العراق سيكون خالياً من مخيمات اللاجئين بحلول نهاية ذلك العام. 

المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قررت السماح بـ”بناء مأوى” في مخيمات النازحين في محافظة دهوك، وذكرت في بيان صدر عنها أن قرارها لن يقلل من مخاطر نشوب حرائق مستقبلية فحسب بل سيكون خطوة إيجابية تجاه الحماية والكرامة والسلامة والخصوصية لكل أسرة نازحة في المخيم.

وأكدت المفوضية أن البناء في المخيم حل انتقالي إلى أن تتمكن هذه العائلات من العودة إلى ديارها بطريقة طوعية وآمنة وكريمة: “ستعمل المفوضية والشركاء في المجال الإنساني عن كثب مع الحكومة وإدارة المخيمات والمجتمع لغرض اجراء التطويرات المناسبة لذلك المأوى ومواصلة الأنشطة طويلة الأمد للوقاية من الحرائق بما في ذلك توفير طفايات الحريق والتوعية بالمخاطر بغية تخفيفها”.

وحث البيان الدول المانحة للمساهمة في تلبية الحاجة الملحة للمأوى، الى أن تتمكن العائلات من العودة إلى حياتهم الطبيعية.

لكن خدر دوملي الباحث في حل النزاعات وبناء السلام، لا يرى في بناء غرف كونكريتية بدلاً من الخيام حلاً لمشكلة النازحين الايزيديين. ويقول إن بناءها لجميع النازحين محال، سائلاً  “هل مجرد غرفة وملحق صغير في مساحة الخيمة المحروقة كافية لعائلة تضم أفراداً؟”. ويرى دوملي أن الحل يكمن في العمل على خلق الظروف التي تساعد النازحين على العودة إلى ديارهم والعيش هناك بكرامة، مشيراً إلى أن آلاف العائلات النازحة في الكثير من المناطق عادت إلى مناطقها واستقرت مجدداً، “فلماذا لا يتحقق ذلك لأهالي سنجار؟”. ويستدرك: “نعم الايزيديون وضعهم مختلف لأنهم تعرضوا لإبادة جماعية وهناك آلاف المختطفين، وما زالت مظاهر الدمار في مناطقهم قائمة، لكن هذا لا يعني الاستسلام لذلك الواقع”.

ويرجع دوملي سبب لجوء النازحين الايزيديين في شاريا الى البناء بالاسمنت محل خيمهم المحترقة الى “الاحباط الذي يعيشونه وفقدانهم الأمل في تحسن أوضاعهم، وهو ما يدفع الكثيرين الى الهجرة والاستقرار في بلدان أخرى”، معربا عن اعتقاده بان ادارة قضية الايزيديين مسألة صعبة وتتطلب “معالجات بخطوات تدريجية متلاحقة كونها سلسلة مترابطة بعضها بالبعض الآخر”.

إقرأوا أيضاً:

عاد “داعش” ولم نعد بعد

جلال علي (40 سنة) ما زال يبحث عن أطفاله الذين اختطفهم تنظيم “داعش” في آب/ أغسطس 2014. كان يعيش تحت وطأة الغضب من أنباء بدء المرحلة الاولى لمشروع إعادة عائلات عناصر “داعش” إلى العراق، حين اندلع الحريق في المخيم: “خيبتنا لا توصف، في الوقت الذي أفقد أنا مأواي البائس الذي أجبرني عليه داعش بكل ما جمعته خلال السنوات الماضية، تؤمن الدولة محل سكن لعائلات عناصر التنظيم  الذين اختطفوا أبنائي وقتلوا اقربائي وسلبوني كل ما كنت أملك”.

جلال كان أول النازحين الذين قرروا استخدام الاسمنت في بناء غرفة محل خيمته، تعبيراً عن احتجاجه، على رغم أن إدارة المخيم ترفض وبشدة منذ سنوات أي خطوة من هذا النوع. موقفه ذلك كان بمثابة إعلان عن رفضه الرجوع الى سنجار على الأقل في المدى القريب. 

المؤسسة الإيزيدية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية تبدو الجهة الإيزيدية الوحيدة المرنة في مناقشة مسألة عودة عائلات عناصر “داعش” لكن بشروط حددها مستشارها نهاد القاضي بفرز الرجال والنساء الذين لم يشتركوا بما وصفها جرائم ضد الايزيديين، الى جانب قيام المؤسسات الحكومية بوضع برامج لإعادة تأهيل أطفال عوائل التنظيم ومن ثم دمجهم بالمجتمع وقبل كل ذلك محاكمة كل المتورطين بجرائم ضد الايزيديين وعدم شمولهم بأي عفو.

وذكر القاضي أن هذه الشروط تضمنها تقرير أصدرته المؤسسة بناءً على أبحاث ودراسات أكاديمية وتجارب لأزمات وقعت في دول أخرى نجحت في تخطي المصاعب التي اعترضتها في سعيها إلى ترسيخ التعايش السلمي. 

لكن الناشط السياسي فراس خلف، يعتقد أن إعادة عائلات عناصر داعش من مخيم الهول إلى نينوى يعني انهاء دعوات عودة الايزيديين الى مناطقهم: “ألم يكن من الأولى لمن خطط لذلك أن يبحث عن أطفالنا ويعيدهم الينا بدلا من إعادة أطفال عناصر التنظيم؟”.

وتتوقع الناشطة الإيزيدية أحلام سعيد أن يتعقد أكثر ملف عودة النازحين الايزيديين الى سنجار في ظل التطورات الأخيرة، موجهة انتقادات لبعثة الأمم المتحدة التي “أشرفت على اتفاقية نقل عائلات عناصر داعش الى مخيم الجدعة في نينوى”. وتقول إن ما يحصل “دليل على أن المجتمع الدولي لا يشعر بمأساتنا”.

ولا يقتصر رفض عودة عائلات عناصر “داعش” الى نينوى على الايزيديين فقط، إذ عبر مسؤولون وبرلمانيون وساسة عرب وكرد عن مخاوفهم من تبعات هذه العودة فيما لا تزال نينوى تعيش تداعيات سيطرة التنظيم عليها بين 2014 و2017.

وأعلن محافظ نينوى نجم الجبوري، نقل المجموعة الأولى من عائلات التنظيم، ورفض المحافظة استقبال تلك العائلات وعبر عن قلقه من حدوث مشكلات أمنية وخروج الناس في تظاهرات إذا ما أصرت الحكومة المركزية على سعيها، غير أنه عاد ليلتزم الصمت بعد الوصول الفعلي للدفعة الأولى من العائلات إلى مخيم جدعة.   

النائب شيروان الدوبرداني ممثل الكرد في مجلس النواب عن محافظة نينوى، يصف عودة عائلات “داعش” بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تؤدي الى كوارث أمنية إن لم يتم وقفها. وهذا أيضاً ما ذهب إليه النائب عن نينوى أحمد الجبوري، محذراً من تبعاتها على المحافظة والبلاد بأسرها.

وتأتي خطوة نقل عائلات “داعش” من مخيمات سوريا الى نينوى، بعد تكرار مطالبة الادارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، بإيجاد حل لمشكلة هؤلاء بخاصة مع تصاعد عدد الجرائم في مخيم الهول الذي يعيش فيه 61 ألف شخص، نصفهم تقريباً من العراقيين، وتزايد محاولات الهروب منه. وتقول الادارة الكردية إن هؤلاء عراقيون ويجب أن تتولى الحكومة العراقية إيجاد حل لمشكلتهم.

شهود من مخيم الهول

في حين ترى جهات دولية أن عراقيي مخيم الهول، وغالبيتهم من الأطفال والنساء، هم بدورهم ضحايا ويجب ايجاد حل جذري لمشكلتهم من خلال برامج تأهيل، فإن الايزيديين ومعهم الكثير من ضحايا التنظيم يرون أن هؤلاء يشكلون خطراً كبيراً فقد تربوا على فكر التنظيم وعقيدته القتالية وعلى رأسها الثأر. 

رفيدة نايف (23 سنة) وقعت في قبضة داعش بعد اختطافها مع أفراد عائلتها من سنجار في صيف 2014 وبقيت اسيرة لدى مقاتلي التنظيم ولاحقاً عائلاتهم في “الهول” بسوريا، قبل تحريرها من المخيم العام الماضي، بعدما حصلت على رقم هاتف أحد أفراد عائلتها وابلغته بوجودها في المخيم، لتعود الى العراق وتعيش في مخيم “رشان” في قضاء الشيخان جنوب محافظة دهوك.

تقول إنها عاشت نحو عام هناك وتعرف مدى خطورة الأمر “كنت قريبة من نساء وأطفال داعش الذين نشأوا على نهج آبائهم وأعرف جيداً كيف يفكرون وكيف ينظرون الينا”.

وأضافت بنبرة غاضبة: “لقد ارتكبت ضدنا أسوأ ما يمكن تخيله من جرائم الاعتداء الجنسي والعنف وقتل أقاربنا وأحبابنا أمام أعيننا، والآن يريدون وضع تلك النار قريباً منا”.  

وطالبت نايف بالتدقيق في حياة عائلات عناصر “داعش” والتحقيق مع أفرادها بدقة قبل اعادتهم. وإلا “لن يكون أمامنا نحن سوى خيار الهجرة والعيش في بلد آخر ليس فيه دواعش”. 

يؤيدها الناشط وليد محمو، قائلاً إن الكثير من نساء مخيم الهول يعملن بنحو فعلي في التنظيم ومتورطات بأعمال إجرامية وبالتالي يشكلن مصدر خطر.

ويدعو محمو الجهات الأمنية والقضائية إلى التحقيق مع عموم الموجودات هناك وأخذ إفادات منهن بشأن الأطفال الايزيديين “بالتأكيد لديهن معلومات عنهم”. 

ويقدر عدد المختطفين الايزيديين الذين ما زالوا مجهولي المصير بـ2768 بينهم 1298 امراة وفتاة و1470 رجلاً وصبياً، ويعتقد كثر من النشطاء الايزيديين بأن عدداً غير قليل من الأطفال المفقودين يعيشون ضمن عائلات عناصر “داعش” المحتجزة في مخيمات سوريا.

أردوان محسن، ناج إيزيدي يبلغ من العمر 17 سنة، هو واحد من هؤلاء. تمكن من الخروج من مخيم الهول في منتصف أيار/ مايو 2021 حين وجد فرصة لكشف هويته الحقيقية لادارة المخيم. يقول إن أطفالاً أصغر منه اندمجوا مع عائلات داعش وبعضها موجودة الآن في الهول “لقد كبروا بين أفراد هذه العائلات ويعتقدون بأنهم من أبنائها”.

هو يعتبر نفسه محظوظاً لأنه لم ينس عائلته ولأنه ايزيدي، فهو كان في العاشرة حين تم اختطافه من سنجار صيف 2014. 

يرى الباحث الايزيدي خدر دوملي، الذي يتابع منذ سنوات ملف المفقودين، بأن المئات من العائلات في تلك المخيمات “تعرف على الأقل أماكن المختطفين الإيزيديين ومصائرهم، وينبغي قبل إعادتها التحقيق مع أفرادها وجمع أكبر قدر من المعلومات منهم”. 

ويقول إن هذا الإجراء سيطمئن الإيزيديين من أن الحكومة العراقية جادة في البحث عن المختطفين وعازمة على الاقتصاص من الجناة. 

إقرأوا أيضاً:

ماذا خلف الصراع؟

في الأرض المحروقة في سنجار والتي تتلاشى آمال العودة الى أجزاء كبيرة منها بسبب الصراع القائم بين قوى وإرادات محلية وإقليمية، بدأ صوت سنجاريين يتعالى منبهين إلى أن معادلات جديدة ستفرض وجودها، بما يختلف عما كان عليه الوضع قبل هجوم “داعش”.

ويقدر أعداد العائدين من الإيزيديين إلى مناطقهم في تجمعات وقرى القضاء بنحو 120 ألفاً، وهم من أصل 360 ألف شخصاً نزحوا من المنطقة عقب هجوم داعش عليها.

يقول لقمان، وهو موظف متقاعد، ينتمي الى المكون الكردي المسلم: “بعد كل عملية نزوح او هجرة جماعية تطول بضع سنوات لا يمكنك الا ان تتوقع اعادة تشكيل التركيبة السكانية بنسبة قد تطال نصف المجتمع”.

ويوضح :”الكرد المسلمون الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة في مركز المدينة، لن يعودوا اليها، لقد استقروا في دهوك وزاخو وأسسوا لحياة جديدة في ظل التوافق الثقافي-اللغوي والديني والقومي مع ابناء تلك المناطق، اما الايزيديون فسيعود بعضهم إلى مجمعاتهم في شمال المدينة، وستظل مجمعات الجنوب المدمرة فارغة فلإيران التي تدعم قوى الحشد الشعبي المسيطرة هناك مشاريع لم تتضح معالمها بعد”.

ويؤكد لقمان أن الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً، سائلاً، “أين هم مسيحيو وأرمن سنجار الذين كانوا يملكون كنيستين في المدينة؟ لقد غادروا منذ عقود ولن يعودوا أبداً”، وينبه إلى أن “بعض شيعة سنجار وهم من الكرد عادوا إليها فيما آخرون ربما يفكرون بالعودة، لا نعرف كيف ستجري الأمور، لكن ربما سنجار المدينة ستكون بعد سنوات خالية من مسلميها الكرد السنة”.

ولا يخفي الايزيديون أن قضيتهم أصبحت ورقة سياسية تظهر وتختفي بحسب مصالح القوى المتنفذة التي تتحكم بمصيرهم وتفرص عودتهم. 

سوزان حسن (32 سنة) من مخيم شاريا، ترجع فشل مشاريع العودة الى صراع الأحزاب السياسية التي تتحرك وفق مصالحها، تقول “ما ذنبي لأدفع ضريبة ذلك، لقد فقدت زوجي، وعلى هذه الأرض لا أعرف مستقبل أطفالي”. ثم توجّه كلامها إلى الساسة “هل أنتم سعداء الآن؟”.

ويعتقد الناشط المدني عامر سليم أن بقاء أبناء سنجار في مخيمات النازحين هو انعكاس لذلك الصراع المحتدم للهيمنة على المنطقة “هنالك من يريد الإيزيديين كشعب، وهناك من يريد أرضهم فقط دون شعب، وكل يستغل معاناتهم لتحقيق أهدافه”.

وبحسب قناعة عامر فإن بناء مشيدات ثابتة للنازحين في المخيمات بمثابة حرب عليهم، إذ لا يقدم حلاً لأزمتهم فيما يصبح التغيير الديموغرافي في سنجار واقعاً تحت وقع التدخلات الاقليمية “لإيران خططها عبر الحشد، ولتركيا خططها، وللاعبين المحليين أهدافهم”.

ويوضح، “في ظل وجود المقاتلين الايزيديين الموالين لحزب العمال الكردستاني، تركيا تتدخل مبررة ذلك بحماية أمنها القومي، لكنها في الواقع تنظر إلى تلعفر التركمانية والطريق المؤدي الى كركوك. ومع انتشار الفصائل الموالية لإيران يعلو الحديث عن تنامي النفوذ الشيعي، وعن إعادة اكتشاف وبناء طريق “السبايا الشيعة” الذي يمر بسنجار وعن ممر الهلال الشيعي الممتد من ايران الى سوريا عبر سنجار”. 

وطريق السبايا هذا، مشروعٌ  كشفت عنه العتبة الحسينية في العراق وقالت إنه يهدف إلى تقصي آثار مسير ركب «سبايا» آل البيت، بعد واقعة الطف في كربلاء في العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة، الموافق 12 تشرين الأول/ أكتوبر  680 للميلاد والتي قتل فيها الحسين بن علي بن أبي طالب وبعض أهله وأصحابه بيد الجيش الأموي. لكن البعض يحذر من الأبعاد السياسية للمشروع.

تلك التدخلات الإقليمية والصراع بين القوى المحلية، بحسب عامر، ستبقي ملف سنجار معلقاً لسنوات مقبلة قد تحمل معها تغييراً ديموغرافياً لا أحد يعرف طبيعته وحجمه، لكن الأكيد أنه سيأتي على حساب معاناة أبناء الأرض المشردين.

أنجز التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

إقرأوا أيضاً: