fbpx

لماذا لا تسلك البواخر الإيرانية الطريق العراقي إلى لبنان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يزال لبنان يغرق في العتمة على الرغم من الوعود “المضيئة” التي أطلقها مسؤولون لبنانيون بينهم أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله لإستحضار بواخر محروقات من إيران، وما رافقها من وعود أميركية، كشف عنها القصر الجمهوري، بتأمين استجرار كهرباء وغاز من الأردن ومصر عبر سوريا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعتمد العراق على جارته إيران في تأمين نحو ثلث حاجته من الكهرباء. بقي هذا الأمر قائماً حتى في فترة العقوبات الأميركية الصارمة على إيران في العام 2018، اذ منح الأميركيون العراق سلسلة من الاعفاءات(waivers) المؤقتة المتتالية، بدأت بـ45 يوما، ثم توسعت إلى تسعين و120 يوماً واستمرت إلى يومنا هذا. 

في الرابع من آب/اغسطس الماضي، منحت الولايات المتحدة العراق إعفاءً من العقوبات على إجراء العراق معاملات مالية تتعلق باستيراد الكهرباء من إيران، لمدة 120 يوما، يسمح له بدفع تكاليف واردات الكهرباء من جارته، العدوّة اللدودة لواشنطن. ويضمن الإعفاء قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الطاقة على المدى القصير(وهذا الأمر مستمر منذ سنوات) شرط ان يتخذ العراق خطوات لتقليل اعتماده على واردات الطاقة الإيرانية. فما الذي يمنع إذاً لبنان من ان يستفيد من التجربة العراقية في التعامل مع باخرة المحروقات الإيرانية الأولى التي يتوقع أن تصل إلى لبنان قريباً، فلا تكون الباخرة محمّلة، إلى النفط، بأزمة إقليمية تعرّض لبنان إلى عقوبات أميركية قاسية؟

فلبنان لا يزال يغرق في العتمة على الرغم من الوعود “المضيئة” التي أطلقها مسؤولون لبنانيون بينهم أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله لاستحضار بواخر محروقات من إيران، وما رافقها من وعود أميركية، كشف عنها القصر الجمهوري، بتأمين استجرار كهرباء وغاز من الأردن ومصر عبر سوريا، وهو ما قرأ فيه كثيرون كسراً أميركياً رسمياً لقانون قيصر الذي يفرض عقوبات على سوريا وعلى الشركات والدول التي تتعامل اقتصادياً معها. أُضيف إلى هذين “الخرقين” الإعلاميين للعتمة شبه الشاملة، حديث منذ شهور عن “صفقة” مع العراق لاستيراد مليون طن من النفط الخام. ولا شيء من هذه “الحلول” تحقّق حتى الآن.

قبل الغوص في تفصيل مصير هذه “الحلول” الموعودة على المستويين العملي والتنفيذي، لا بدّ من الإشارة إلى انها، حتى لو تحققت بشكل كامل، فإنها لا تستحق ان تسمى “حلولاً” لأنها لن تؤدي إلّا إلى محاولة “ترقيع” ثوب ممزق بالكامل، لا مناص من تغييره، بدل صرف الأموال التي ستذهب أدراج الرياح على المستويين المتوسط والطويل، كما تجزم الخبيرة في شؤون الطاقة جيسيكا عبيد. فالحلول المقترحة كلها تأتي على حساب الحكومة اللبنانية وليس هناك أي منها بالمجّان، حتى تلك التي تُباع في البازار السياسي. فالغاز المصري سيكون على حساب لبنان من خلال دين طويل الأجل، على الأرجح يؤمنه قرض من البنك الدولي. وعلى طريقة عادل إمام الذي دفع، في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” فاتورة تلفون، على الرغم من انه لا يمتلك خطاً للتلفون، فإن الحديث عن استجرار الغاز للمعامل، في وقت لا تبدو المعامل الحالية مجهزة للعمل على الغاز الطبيعي، يبدو بيعاً للوهم. لكن عبيد، المطّلعة على أحوال معامل الكهرباء، تقول إن بعضها قادر على العمل على الغاز، مثل معمليّ الزهراني ودير عمار، وهو ما قد يؤمن عمل بعض الوحدات فيهما، لتأمين طاقة انتاج قد لا تزيد عن ما تؤمنه اليوم الباخرتان التركيتان في حال تركتا الشواطئ اللبنانية، فيما حاجة لبنان لسدّ النقص في التغذية يحتاج إلى أكثر من 1500 ميغاوات. عبيد تشير إلى ان المعضلة تتمثل في الهدر الفني في شبكة التوصيل القديمة والمهترئة يزيد على 36%، وضعف في الجباية وعدم فوترة صحيحة بنسبة تزيد على أربعين في المئة، هذا من دون الحديث عن صيانة الشبكة والمعامل الذي بات يكلّف الدولة مبالغ طائلة بسبب انهيار العملة أمام الدولار وعدم توفر اعتمادات بالدولار لتغطية الأعطال التي قد تطرأ بسبب تهالك المعامل وشبكات النقل. من هنا يبدو استقدام الفيول الثقيل أو الديزل اويل أكثر نجاعة للحلول المرحلية من استقدام الغاز الطبيعي الذي يحتاج إلى شبكة نقل وإلى بناء معامل جديدة تعمل على الغاز. وهنا يأتي النقاش في البواخر الإيرانية والنفط العراقي. 

إقرأوا أيضاً:

البواخر الإيرانية لـ”الإستخدام الشخصي”؟

حتى الآن تبدو البواخر الإيرانية حلاً قد يتسبب بمشكلة كبيرة، تتعلق بإدخال لبنان في دوّامة العقوبات الأميركية على إيران، مع تأثره أيضاً بشكل جزئي بقانون قيصر الذي يفرض عقوبات على سوريا، وبالعقوبات المفروضة على “حزب الله”. وفي كل الأحوال، يستقدم “حزب الله” البواخر الإيرانية المحمّلة بمادة المازوت، والتي وعد نصرالله بوصول أولها قريباً، لـ”الإستخدام الشخصي”، إذا جاز التعبير. لأن حمولتها سيقوم الحزب باستلامها وتوزيعها على السوق، وقد حدد نصرالله معالم لكيفية حدوث ذلك، واضعاً في الأولوية المؤسسات والبلديات والمستشفيات. بيد أن هذه البواخر تكشف عن مشكلتين ستنتجان عنها: الأولى تتعلق بالعقوبات الأميركية وما قد ينتج عن هذه البواخر من زيادة التوتر الإقليمي ومزيداً من ربط لبنان بالمحور الإيراني ونتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية، والثانية تتعلق بالأزمة الداخلية وتكريس منطق غياب الدولة لصالح الأحزاب وظهور منطق الميليشيات بما يعنيه ذلك من تقسيم ومن لغة طائفية بدأت تفحّ رائحتها على محطّات البنزين.

ولتفادي هاتين المعضلتين اللتين قد تحملهما على متنها البواخر الإيرانية، تقترح عبيد أن تتم عملية استيراد النفط من ايران عبر الدولة اللبنانية مباشرة، من خلال طلب waiver أو نوع من استثناء من الأميركيين أو المجتمع الدولي يتعلق بالعقوبات. وهذا الأمر ممكن، لأن العراق سبق ان فعل ذلك، وهو يستورد من ايران من دون أن يتعرض لعقوبات. هذا الأمر، بحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية علي زبيب ممكن، إما عبر البحث في الـ waivers الموجودين اصلاً في قوانين العقوبات الدولية، أو عبر طلب الدولة اللبنانية لهذه الاستثناءات بشكل قانوني. وهذا، إن حصل، يجنّب لبنان عقوبات محتملة بسبب مغامرة البواخر الإيرانية، ويُقونن استيراد النفط الإيراني مباشرة من إيران عبر الدولة، ويقطع الطريق على الاستخدام السياسي والحزبي والمناطقي والطائفي للنفط. 

إقرأوا أيضاً:

انفراج في الصفقة العراقية

بالتوازي، وبعد عرقلة دامت شهوراً من المماطلة البيروقراطية اللبنانية، التي فاحت منها روائح سمسرات، جعلت مسؤولين في الحكومةبالتوازي، وبعد عرقلة دامت شهوراً من المماطلة البيروقراطية اللبنانية، التي فاحت منها روائح سمسرات، جعلت مسؤولين في الحكومة العراقية يشكون في رغبة الحكومة اللبنانية بإنجاز صفقة النفط، التي يحصل لبنان بموجبها على مليون طن من النفط الأسود الخام، في مقابل تقديم لبنان خدمات طبية. وبعد أن لفّ الغموض الصفقة، وشعور المسؤولين العراقيين بوجود عراقيل متواصلة، أنجزت الحكومة اللبنانية اخيراً مناقصة استبدال النفط الخام بنفط مكرر ملائم لتشغيل معامل الكهرباء في لبنان. ورست المناقصة التي أعدتها وزارة الطاقة والمياه اللبنانية على شركة “بترول الإمارات الوطنية”، لاستبدال اول دفعة من النفط العراقي الخام والبالغة 84 ألف طن، بـ63 ألف طن من النفط القابل للإستخدام في معامل الكهرباء اللبنانية. وهذا الأمر قد يحسّن بشكل طفيف من ساعات التغذية بعد إتمامه في منتصف أيلول المقبل، على ان يلي هذا التبادل، عمليات تبادل أخرى مع الشركة نفسها أو مع شركات أخرى قد ترسو عليها المناقصات التي ستجريها تباعاً وزارة الطاقة اللبنانية. لكن هذه الجرعات من المحروقات ستكون بمثابة مسكّنات مؤقتة لـ”أوجاع” العتمة التي ستستمر مع تفكّك الدولة وترهّل مؤسساتها وبناها التحتية، ومع شبه انعدام في الجباية والصيانة بسبب الانهيار المالي الذي تشهده العملة اللبنانية، مع انسحاب تام للسياسيين اللبنانيين من الرؤساء الثلاثة إلى الحكومة المستقيلة ومجلس النواب من مسؤولياتهم.

إقرأوا أيضاً: