fbpx

عن الإسلام السياسي:
صعوده في أفغانستان وسقوطه في المغرب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الحدث المغربي، ثمة سقوط مدو لـ”حزب العدالة والتنمية”، الذي كان في السلطة لولايتين (طوال عشرة أعوام)، إذ حصل على 12 مقعداً، وحسب، من أصل 396 مقعداً، في حين كان له 125 مقعداً في البرلمان السابق…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتصرت الحركة الإسلامية في أفغانستان المتمثلة في “طالبان”، في حين خسرت الحركة الإسلامية في المغرب المتمثلة في “حزب العدالة والتنمية”. صحيح أن الوضع مختلف في الحالين، لا سيما أن “طالبان” فرضت نفسها عبر السلاح، وبالتفاوض مع الولايات المتحدة، في حين خسر “حزب العدالة والتنمية” في الانتخابات. 

المشترك هنا هو انتماء الطرفين إلى تيار الإسلام السياسي، ما يفيد النظر إلى مسار هذا التيار بوجهيه الجهادي والدعوي، المسلح والمدني، العنيف والسلمي، وفقاً للحدثين المذكورين. بيد أن تلك المقدمة تتطلب، أيضاً، إبداء التحفظ في إطلاق صفة الانتصار أو الهزيمة، على هذا الحدث أو ذاك، في الخطابات السياسية العربية السائدة، العاطفية والتبسيطية والرغبوية غالباً، فالأحداث في العالم لا يمكن تقسيمها وفق تلك الثنائية الصارمة.

ففي التعامل مع الحدث الأفغاني، مثلاً، ذهب البعض، من يساريين وقوميين وإسلاميين، إلى حد اعتبار ما حصل انتصاراً خالصاً للشعب الأفغاني وهزيمة متحققة للإمبريالية الأميركية، وتناسى هؤلاء أن الحديث يدور عن حركة سياسية عنيفة أصلاً، وأنها عنيفة إزاء شعبها، وإزاء جماعات إسلامية أخرى، أكثر بكثير من عنفها إزاء الإمبرياليين الذين يفترض أنها تقاتلهم. كما تناسى هؤلاء أن تلك الحركة تنتمي إلى الجناح الأكثر تشدداً وتخلفاً في تيار الإسلام السياسي، وأنها لا تملك ما تقدمه، أو تضيفه لإغناء هذا التيار، بالنسبة إلى الإسلاميين، كما إنها، بالنسبة لليساريين والقوميين، لا تنتمي إلى منظومة حركات التحرر الوطني. 

كل الحديث عن هزيمة الولايات المتحدة هو مجرد حديث رغبوي، لأن تلك لا تتأثر أصلاً بما يحصل في أفغانستان، ووجودها في هذا البلد كان خطأ، أو فائضاً عن الحاجة.

على ذلك، فإن لا أحد من القوميين واليساريين والإسلاميين يفسر لماذا لا تنتصر إيران على الولايات المتحدة، أو لماذا لا ترد، بالدرجة المتناسبة، حتى على الضربات الأميركية أو الإسرائيلية المتوالية. كما لا يشرح أحد لماذا لا تنتصر روسيا أو الصين على الولايات المتحدة، التي تهيمن على العالم، بقوتها التكنولوجية والاقتصادية، لا بقوتها العسكرية وحسب. كما أن هذا الاحتفاء بـ”طالبان” أفغانستان لا يفسر إدارة ظهر هؤلاء اليساريين والقوميين للثورة السورية، منذ بداياتها، وتنكرهم لمأساة الشعب السوري، ومحاباتهم نظام الأسد، بدعوى هيمنة الإسلاميين على كيانات المعارضة السورية. 

فضلاً عما تقدم، فإن كل الحديث عن هزيمة الولايات المتحدة هو مجرد حديث رغبوي، لأن تلك لا تتأثر أصلاً بما يحصل في أفغانستان، ووجودها في هذا البلد كان خطأ، أو فائضاً عن الحاجة، مع تأكيد أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان كان يجب أن يحصل منذ زمن، وأن محاولة نقل الديموقراطية، أو فرض الديموقراطية من الخارج، أو ووفق عملية قيصرية أو قسرية، هي عملية غير ناجحة، تماماً مثلما لم تنجح عملية فرض الاشتراكية أو الماركسية في ما كان يسمى يوماً اليمن الديموقراطي، على سبيل المثال، لمن يتذكره. 

في الحدث المغربي، ثمة سقوط مدو لـ”حزب العدالة والتنمية”، الذي كان في السلطة لولايتين (طوال عشرة أعوام)، إذ حصل على 12 مقعداً، وحسب، من أصل 396 مقعداً، في حين كان له 125 مقعداً في البرلمان السابق (انتخابات 2016)، ما يفيد بأنه انتقل من المركز الأول إلى المركز الثامن في الترتيب الحزبي في المغرب، وبالتالي خسر مكانته في رئاسة الحكومة وفي السلطة، وفي التمثيل الشعبي. في هذا الحدث، ذهب البعض إلى تفسير تلك الخسارة بقبوله التطبيع، وكعقاب من الشعب، وهو رأي يحيل كل شيء، بطريقة متسرعة وتبسيطية، إلى اعتبار قضية فلسطين قضية مركزية للأمة العربية (والإسلامية)، من دون أن يرى أن للناس في هذا البلد أو ذاك حاجاتهم وأولوياتهم وقضاياهم الخاصة.

هكذا ففي الحالين، ثمة إدراكات قاصرة لحقيقة ما حصل، ففي ما يتعلق بأفغانستان فالأجدر الانتظار للحكم على “طالبان”، وهي في الحكم، وكيفية تدبرها أحوال الشعب الأفغاني، في مجالات التنمية والتعليم والصحة والبني التحتية، في بلد فقير في كل شيء، هذا لا علاقة له بالولايات المتحدة، التي لن تهتم للأمر على الأرجح، وتركت البلد لمصيره.

إقرأوا أيضاً:

 أما في ما يتعلق بالمغرب، فإن خسارة “حزب العدالة والتنمية” يفترض اعتبارها جزءاً من العملية الديموقراطية ذاتها، فثمة أحزاب تصعد وأخرى تهبط، وأحزاب تفوز وأخرى تخسر، كما يحصل في مختلف البلدان (وضمنها إسرائيل). والأهم من ذلك إدراك أن معظم المغاربة لم يعطوا أصواتهم لهذا الحزب لأنه لم ينجح في اختبارات الحكم، أي في اختبارات النهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة والخدمة العامة، أي لأسبابهم هم، علماً أن الأحزاب التي فازت ليست ضد التطبيع، مثلاً. وتمكن إحالة خسارة هذا الحزب إلى هشاشة بنيته، وخلافاته الداخلية، وعدم قدرته على تطوير بناه وخطاباته، واتكائه على وجوده في السلطة منذ عشرة أعوام.

أما في ما يخص “طالبان” في أفغانستان و”حزب العدالة والتنمية” في المغرب، فإن الفكرة هنا تتعلق بوضع الأحزاب الإسلامية في مختبر الحكم والسياسة وإدارة المجتمع، مثل غيرها من الأحزاب (القومية واليسارية والوطنية)، ففي هذا المختبر تنجح أو تفشل. أيضاً، هي في ظل اختبارها في الحكم تتعود أو تتعلم أو تكتشف أنها مجرد حزب مثل غيرها من الأحزاب، إذ في هذا المختبر، فقط، يمكن أن تتم عملية نزع القداسة عنها، ونزع ما تعتقده عن وصايتها على الإسلام أو المسلمين، والتمييز بين المسلمين (المتدينين) والإسلاميين (الحزبيين)، واعتبارها كأي حزب سياسي، قومي، أو يساري، أو ليبرالي· 

والفكرة هنا تتعلق بضرورة إدراك أن قبول نزع القداسة عن التيارات السياسية الإسلامية لا بد أن يترابط مع نزع فوبيا الإسلام السياسي عند التيارات السياسية الأخرى (القومية واليسارية والوطنية والليبرالية)، بما يفيد بدخول التيارات الإسلامية (الدعوية والمدنية) السياسة، واحترام التيارات الأخرى مبدأ حرية الرأي والضمير والمعتقد. وبالتأكيد فإن ذلك يتطلب من التيارات الإسلامية (الدعوية والمدنية) تمييز ذاتها، في قطعها مع الاتجاهات المتطرفة والجهادية والمتعصبة والمتخلفة في التيار الإسلامي (داعش والنصرة والقاعدة)، وفقاً لمفهوم “أخوة المنهج”، والنأي عن أفكار “الخلافة” والحاكمية”، واعتبار الجميع أن الديموقراطية هي الوسيلة الأنجع، وأن الاختبار في السياسة والإدارة، هما الطريقة الأنسب لمعرفة توجهات المجتمع المعني، وتوازناته، والطريقة الأوضح لتصدر هذا الحزب أو هذا التيار، بغض النظر عن خلفيته العقائدية.

ومشكلة الخطابات السياسية العربية السائدة، إلى كونها رغبوية وعاطفية وتبسيطية، تكمن في عدم تقبّلها وجهة نظر ثالثة، فإما انتصار أو هزيمة، إما فوز أو خسارة، إما صح أو خطأ، وهذا أبسط وأسهل شيء في التفكير، بل إن تلك الثنائية تعدم العقل، وتصادر الحرية، وهذه من مشكلات التفكير السياسي العربي.

إقرأوا أيضاً: