fbpx

“بلاش تبوسني” : هجوم على الفنانين المصريين
من زملائهم “رافضي القبلات” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرجل الذي يؤمن بحرية زوجته كونها إنسانة مستقلة صار عملة نادرة في مصر، وهو ما يهاجمه الرجال، خوفاً من أن تصير حرية النساء عدوى، فإذا دعمها رجل، ستطالب أخريات بالحرية، وتنفلت من أياديهم الحبال التي يقيّدون بها نساءهم باستمرار. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعرض المخرج المصري هادي الباجوري، مخرج مسلسل “البحث عن علا” الذي يُبث على منصة “نتفليكس” العالمية لهجوم حاد بسبب تصريحه بأنه لا يمنع أن تؤدي زوجته، الفنانة ياسمين رئيس، دوراً فيه قبلات، أو مشهداً مشابهاً للذي قدّمته منى زكي في فيلم “أصحاب ولا أعز” حين خلعت سروالها الداخلي قبل الخروج برفقة زوجها. 

هذه المرة لم يكن الهجوم من الخارج فقط، إنما من الوسط الفني، الذي يفترض أن يبقى مساحة حرة تواجه طيور الظلام ودُعاة الرقابة على الفن، سواء من الناحية الأخلاقية أو السياسية أو الدينية، وكان بطل حملة الهجوم الفنان المصري أحمد فلوكس، المُلقّب بـ”الشهيد“، نسبة إلى الدور الذي أدَّاه في فيلم “الممر” الذي يقدّم إحدى معارك الجيش المصري. 

لم يختلفْ رأي فلوكس كثيراً عن رأي المشايخ، الذين هاجموا الباجوري لتوجهاته الفنية ورأيه وانفتاحه وقبوله تقديم زوجته أدواراً رومانسية، وفي مقدمتهم مبروك عطية، الذي حرّض، في بثٍ مباشر على “فيسبوك”- زوجة المخرج المصري على مخالفته إذا طلب منها أن تقدم قبلة فنية.

المدافع تستدير للوراء… هجوم “ديني” آخر

الجديد في هجوم الفنان المصري أحمد فلوكس، أنه ذو خلفية فنية لفنان من أسرة تعمل بالتمثيل فوالده هو الممثل المصري فاروق فلوكس، الذي شارك في أفلام من بطولة نجمات اعتبرن جريئات كنبيلة عبيد، وليلى علوي، ونادية الجندي، كما أنه أدى دور شخص مثلي في فيلم “الراقصة والسياسي” مع نبيلة عبيد.

فلوكس الابن استخدم مصطلحات ذات طبيعة دينية، فقال لـلباجوري: “اتق الله… أنت ماعندكش مشاكل أن مراتك تتباس ده موضوعك مش موضوعنا، براحتك… لكن ده أنت وده نوعك إحنا لا”.

وللمرة الأولى، يتحوّل الهجوم على الفن والفنانين في مصر من مواقع التواصل الاجتماعي والجمهور العام وشرائح الدُعاة إلى الفنانين أنفسهم، ليتجدَّد جدل السينما النظيفة مرة أخرى، وما فيه من استقطاب هائل، كانت بطلته في المرة السابقة الفنانة حلا شيحة، التي اعتزلت للمرة الثانية وارتدت الحجاب. من جهة أخرى، كان يوسف الشريف، أعلن سابقاً اشتراطه خلو أعماله من المشاهد الساخنة والقبلات والأحضان وحتى التلامس بينه وبين أي ممثلة أخرى، وتضمين تلك الشروط في عقد العمل قبل توقيعه.

في برنامج “كلمة أخيرة” على إحدى الفضائيات، عارضت الفنانة المصرية إلهام شاهين رفض أي ممثلة أداء المشاهد الحميمية، وانتقدت الممثلات المعتزلات، وطالبتهنّ بالابتعاد من الوسط الفني، وقالت: “مفيش حاجة اسمها سينما نظيفة، ده جهل، والمجتمع اتغير وحالياً بيعتبر البوسة منافية للآداب”. 

قابل فلوكس تصريحات إلهام شاهين بالهجوم مرة أخرى، فنشر صورتها بموقع “تويتر” ووجه لها رسالة: “ممكن متتكلميش تاني في الكلام ده، البوسة بنعتبرها حالياً منافية للآداب؟ أمال امتى يا فندم نعتبر الشيء منافي للآداب، لما نلاقي العيل نازل وبشهاداته كمان هنا يبقى سفالة مثلاً”. 

إقرأوا أيضاً:

“لا بتحضن ولا بتباس ولا بتشال”… كيف بدأت ظاهرة رفض “التلامس”؟

الفنانة المصرية منة عرفة، أعلنت، برغم مسيرتها الفنية المحدودة وعمرها الصغير، أنها ترفض المشاهد الساخنة، ولها خطوط حمر وحدود في الفن: “لا بتحضن ولا بتباس ولا بتشال ولا بعمل الحاجات دي حفاظاً على أرشيفي”. 

لم تكن تلك تصريحات أو توجّهات منة عرفة، التي لم تجد مانعاً من نشر صورها بـ”البيكيني” قبل ذلك، قبل زواجها وانفصالها “الموقت” بسبب أحد مشاهدها، قبل عودتها إلى زوجها وعودتها إلى الفن بـ”خطوط حمر وحدود” وضعها الزوج كي يقبل عودتها ولا يُصرّ على الانفصال.

وفي تلك الحالات، وطبقاً للتجارب السابقة للعديد من الفنانات المصريات، تحافظ الفنانة على تلك “الحدود” حتى انفصالها ثم تعود إلى الفن دون حدود، ناقمةً على الزيجة التي حرمتها من ممارسة الفن. حدث ذلك مسبقاً في حالتي حلا شيحة، وشقيقتها هنا شيحة، التي تزوّجت أحمد فلوكس لفترة وجيزة، والتزمت بالحدود التي فرضها عليها، وتخلّل ذلك عدد من مرات الانفصال لعدم قدرتها على تحمُّل تدخلاته في أعمالها، التي وصلت إلى الانفصال النهائي كي تؤدي أدوارها بالشكل الذي تريده وتحصل على حريتِها الفنية. 

تذكّر تلك القصة بما حصل بين الفنان “ذي الخلفية الإسلامية” حسن يوسف، وزوجته السابقة، الفنانة لبلبة، حين حذّرها من تصوير مشهد قبلة تجمعها بحسين فهمي، لكن المخرج حسن الإمام أصرّ على المشهد في فيلم “بنت بديعة”، فاستجابت له وأدّت المشهد، لتفاجأ بطلاقها بعد عرض الفيلم في السينمات. 

ويتّضح من ردود فلوكس، الطريقة التي يرى بها جيل الوسط من الممثلين الرجال الفن والأدوار الجريئة، فيقول في أحد تصريحاته: “الدين فين، الشاشه دي بتربي أجيال وبتشكل وجدان، بقى إحنا نعتبر الأفلام المخلة، أفلام تثقيفية تعليمية إرشادية، الغرض منها التعليم والتمرين وإنها أفلام هادفة”.

جيل “صعيدي”… رفض مشاهد الفراش والإيحاءات وأطلق عصر “السينما النظيفة”

لا يعلن جيل الفنانين الذي بدأ موجة السينما النظيفة في أفلام مصرية شهيرة، أغلبها كوميدي، كـ”صعيدي في الجامعة الأميركية”، و”إسماعيلية رايح جاي”، و”همام في أمستردام” – ونسبةً إلى الفيلم الأول نال لقب “جيل صعيدي” – معتقداته الدينية ورفضه الصريح المشاهد الجريئة- نسبياً- حالياً، لكن تصريحاتهم القديمة تكشفُ أنهم لا يتقبّلون ذلك ولو بعد حين.

 أحمد السقا، على سبيل المثال، يمنع مشاهد الفراش والإيحاءات الجنسية، ويتدخّل في السيناريو حتى يحذفها إذا وُجدت، بينما يداري محمد هنيدي رفضه لها وراء ستار الخجل، وبعض الإفيهات الكوميدية للتهرب من الأسئلة التي تحاصره حول القبلات والأحضان والسينما النظيفة، التي كان أحد روّادها الأوائل، فقد أنهى عهد تصدّر عادل إمام ونادية الجندي قمة الإيرادات وشبابيك التذاكر، في معركة سينمائية دامية، ليبدأ عهد نجوميته “المهذّب”. 

على مدى نحو 23 عاماً منذ ظهور موجة هنيدي، التي جعلت جيلي الستينات والسبعينات نجوماً “على الدكة” يقدمّون أدواراً هامشية كأدوار الأم والأخت الكبرى والخالة والأب، خلت السينما، تقريباً، من القبلات، وكان ذلك ناتجاً لارتباط الفنانات بفنانين يشعرون بالحرج من قبلات زوجاتهنّ في أوساط يعيشون بها يومياً، وكذلك رجال أعمال، يعتبرون تقبيل زوجاتهم تعدياً على أملاكهم الخاصة، كما أنّ النجوم الشباب الذين تصدّروا المشهد في ذلك الوقت كانوا قادمين من خلفيات اجتماعية محافظة ومتديّنة وريفية جاءت بغزو ثقافي للوسط الفني لتحكمه بأخلاق وطباع الطبقة المتوسطة وقلقها المستمر من “عيون الناس” ومراعاتها القيم الدينية ظاهرياً في كل التفاصيل، على عكس الخلفيات الاجتماعية للأجيال التي سبقتهم.

نما تيار سلفي “خفي”، طوال تلك السنوات، داخل الوسط الفني. كان ينفّذ ما يؤمن به ويفرضه على قصص الأفلام والمسلسلات سراً، حتى أتيحت له الفرصة للتعبير عن نفسه مؤخراً على لسان أحمد فلوكس، وتمكّن من فرض أخلاقه على الفن بعدما سيطر التديُن بمفهومه الظاهري على الفنانين، خضوعاً لتقاليد اجتماعية والكثير من الغيرة الذكورية.

وكان من بين فنانات هذا التيار حنان ترك، التي اعترضت في بداياتها على مشهد قبلة في فيلم “المهاجر” عام 1994، فاستبعدها المخرج يوسف شاهين من دورها، ما جعلها توافق على تقبيل هاني سلامة في فيلم “الآخر” عام 1999، حتى لا تخسر دوراً آخر مع “شاهين”، ثم ندمت على ذلك.

ويرى محمد رمضان، أن “القبلات في الأفلام والأحضان تؤذي المجتمع أكثر من مشاهد البلطجة”، وهو أكثر الفنانين شهرة بمشاهد وأدوار البلطجة والعنف في الشارع المصري.

وتماشياً مع الموجة السائدة، أعلنت، قبل أيام، الفنانة إيناس مكي، دون مناسبة، أنها اعتذرت عن المشاركة في فيلم “مواطن ومخبر وحرامي” بسبب “7 مشاهد جريئة، كان مطلوباً مني فيها الظهور بالملابس الداخلية وفي مشاهد حميمية مع خالد أبو النجا وشعبان عبد الرحيم”.

“بلاش تبوسني”… قصة البحث عن ممثلة توافق على القبلات!

استمرّت الموجة السلفية في الوسط الفني في ضم فنانين جدد، فقد كان روّاد تيار الملتزمون يتحدّثون بلهجة فوقية ويشعرون بالتفوق و”الطُهر” مقارنة بالفنانين الآخرين الذين يؤدون مشاهد حميمية، ويقصونهم من أعمالهم لفترات طويلة، حتى صار شائعاً أن الفنان الذي يقدّم هذا النوع هو “درجة ثالثة”، فأضيف إلى الضغط الشعبي والهجوم المستمر على القبلات والأفلام من جانب الجمهور الذي يرى أنه بذلك ينتصر للدين، توجّه خفي داخل الوسط الفني تجاه منع القبلات وإجبار الفنانات والفنانين على الالتزام حتى لا يصيروا منبوذين تدريجياً. 

ذلك النبذ تعرَّضت له الفنانتان غادة عبد الرازق وسمية الخشاب لسنوات، ولم يكن لشيء سوى أنهما قدّمتا مشاهد حميمية في مرحلة ما من مسيرتهما الفنية، وبدأت الفنانات والفنانين في وضع “خطوط حمراء” للأحضان والقبلات، بدافع تحريمهما، أو الحرج من تقديمهما، أو مراعاة الأسرة والزوج والعائلة، التي تشعر بالحرج، والأكثر من ذلك قناعة بعضهم بعدم أهميتهما في الأعمال السينمائية، وأن الغرض من وضعها في الأفلام جذب جمهور المراهقين، ذي القوة الشرائية في عالم “تذاكر دور العرض”. 

ومن بين هؤلاء ياسمين عبد العزيز، التي ترفض “القبلات”، وغادة عادل، التي رفضت المشاركة في فيلم “الديلر” لاحتواءه على قبلات، ومي عز الدين، التي لا تمانع في الأحضان وترفض القبلات، أما هنيدي وأشرف عبد الباقي وأحمد مكي، وأحمد حلمي، فجميعهم تخلو أعمالهم من القبلات نهائياً.

تحوّلت القبلة في السينما المصرية إلى أزمة تواجه المخرجين والمؤلفين، الذين اضطر أغلبهم لعدم وضعها في السيناريوات، حتى إنه تم إنتاج فيلم بعنوان “بلاش تبوسني”، يقدم قصة فنانات جيل “السينما النظيفة”، وتدور قصته حول فنانة ترفض القبلات في المشاهد السينمائية، وقدّمت بطولته ياسمين رئيس، زوجة المخرج هادي الباجوري.

تحوّلت قصة الفيلم إلى حقيقة في فيلم “الشيخ جاكسون”، الذي تمّ تصويره عام 2017، إذ كانت هناك “قبلة اضطرارية” لا يمكن تجاوزها في أحداث الفيلم، وفيها يقبّل البطل فنانة عنوة، ليكشف جانب التناقض في الشاب الذي كان عاشقاً لمايكل جاكسون، وتحوّل إلى شيخ سلفي لتأثره بخاله. رفضت جميع الممثلات تقديم الدور بسبب قبلة واحدة، حتى توقف تصوير الفيلم وصار في أزمة، وكتب المنتج محمد حفظي إعلاناً ساخراً على “فيسبوك” يطلب ممثلة توافق على تصوير مشاهد بها قبلات، لأن جميع الفنانات رفضن الدور، حتى تم الاتفاق مع ياسمين رئيس، الوحيدة التي وافقت لإنقاذ الموقف.

وظلّت القبلة الرومانسية “تابوه” سينمائياً لا يخترقه أحد، حتى القبلة التي أثارت جدلاً واسعاً وهجوماً وترقُّباً، وكانت صادمة لشرائح واسعة من الجمهور بين خالد النبوي وشيرين رضا في فيلم “قمر 14″، واعتبرها مؤيدو القبلات في السينما فتحاً تاريخياً وعودة لروح السينما، وتصدّرت القبلة عناوين الأخبار، ولم يكن الأمر احتفاءً بقبلة في فيلم، إنما برمزيتها، فقد جاءت بعد أكثر من 20 عاماً، سادت خلالها في الوسط الفني جملة “ممنوع القبلات”.

إقرأوا أيضاً:

فنانو “الصحوة”.. التمثيل بمقاييس “دينية وأخلاقية” منذ نهاية التسعينات

أشعل التناول الصحافي لتصريحات هادي الباجوري حول قبوله مشاركة زوجته في أعمال تتضمَّن “قبلات وأحضان” النار في المخرج وزوجته، وكان تناولاً ذكورياً بحتاً يتعامل مع المرأة باعتبارها مفعولاً به وليس شريكاً في تقديم العمل والتقبيل، فنقل عنه أنه قال: “معنديش مشكلة مراتي تتباس في الأفلام”. 

كان الغرض من ذلك التناول، هو وصمه، وإظهاره أمام الجمهور “المتديّن”، بحسب اللفظ السائد في مواقع التواصل الاجتماعي، كـ”ديوث” يقدم زوجته للرجال بموافقته، وذلك يرجع إلى سعي الصحف إلى تحقيق مشاهدات وردود فعل على ما تنشره في ظلِّ الأجواء غير المهنية التي تعمل بها حالياً، وكذلك يشير إلى عقليات الصحافيين الذين يصدّرون تلك الأفكار التي تهمّش المرأة وتعتبرها مفعولاً به في كتاباتهم وتحليلاتهم وبلورتهم للأحداث. 

وبعدما كانت الصحافة الفنية في مصر مصدراً للحرية، والانفتاح، وعدواً مباشراً للفنانين الذين يفضّلون التراجع ويستعطفون التيارات الدينية- حتى إنها كثيراً ما انتقدت عادل إمام في السابق حين تزوّجت ابنته ابن قيادي بجماعة الإخوان المسلمين- أصابتها العدوى فأصبحت هي الأخرى مصدراً للأفكار المنغلقة، وجزءاً من الموجة السلفية داخل الأوساط الفنية. وهو ما يفسّر ثورة الرجال على الباجوري، إنه رجل مثلهم، لكن جانباً من تصريحاته كان صادماً، أكثر من قبوله “قبلات زوجته” في الأعمال الفنية، فلم يعتد هؤلاء أن يقول رجل أنه فخور بنجاح زوجته، وكثيراً ما ثاروا على أحمد حلمي، لدى احتفائه بمنى زكي، وها هو الباجوري يكرر الأمر بصيغة أكثر وضوحاً، ويقول: “يسعدني لقب جوز الممثلة”. 

الرجل الذي يؤمن بحرية زوجته كونها إنسانة مستقلة صار عملة نادرة في مصر، وهو ما يهاجمه الرجال، خوفاً من أن تصير حرية النساء عدوى، فإذا دعمها رجل، ستطالب أخريات بالحرية، وتنفلت من أياديهم الحبال التي يقيّدون بها نساءهم باستمرار. 

ولكن كيف سقط الوسط الفني في هذا الفخ الأخلاقي والديني؟… 

نما جيل هنيدي والسقا، الذي بدأ عهداً جديداً للسينما متزامناً مع ذروة الصحوة الإسلامية في التسعينات، التي غزت مصر بسلاح شرائط الكاسيت والكتيبات وتهديدات المشايخ عبر مآذن المساجد، فكانت عقول الناس أسيرة الأفكار التي تربوا عليها، إلى جانب خوفهم من حملات المقاطعة وشتائم الدُعاة الجدد، ليتحوّل الخوف إلى منهج فني لا يزال مسيطراً حتى الآن. 

إقرأوا أيضاً: