fbpx

هل يحقّ للـ”فيفا” معاقبة روسيا كروياً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعطي الـ”فيفا” نفسه حصرًا الحق في التمييز بين ما هو سياسي وما هو إنساني، وبين ما هو تدخل سياسي في الرياضة، وما هو جزء من رسالة الرياضة لنشر المحبة والسلام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رداً على الحرب التي تشنها روسيا على جارتها أوكرانيا خرجت إلى الواجهة بشكل متواتر، أخبار عن قيام الاتحادات الرياضية المحلية والدولية بمعاقبة روسيا، من خلال إجراءات مختلفة تراوحت بين طرد روسيا من بعض المسابقات الكروية، وحرمانها من استضافة المحافل الرياضية، وصولًا إلى قيام الإتحاد الدولي لرياضة الجودو بتجريد فلاديمير بوتين الحائز على الحزام الأسود في الجودو، من منصبه كرئيس فخري لاتحاد اللعبة والذي يشغله منذ العام 2017.

فور بدء الهجوم الروسي، أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ” اليويفا” نقل نهائي دوري الأبطال المقرر في شهر أيار\مايو المقبل، من مدينة سان بطرسبرغ الروسية إلى ملعب ستاد دي فرانس في ضاحية سان دونيه في العاصمة الفرنسية باريس، في وقت كان “الفيفا” يحظر الفرق والمنتخبات الروسية ويمنعها من المشاركة أو استضافة المسابقات الكروية، الأمر الذي خلق عاصفة ردود فعل في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت علامات استفهام كبيرة حول حيادية الـ”فيفا” والـ”يويفا” والاتحادات الكروية المحلية في أوروبا. 

ذكّر بعض المتابعين بحالات مماثلة كانت الإتحادات الكروية تمنع فيها تدخّل السياسة بالرياضة وتصرّ على الحفاظ على حياد اللعبة، فيما كان البعض على المقلب الآخر يدافع عن هذه القرارات، على اعتبار أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، ولا يمكن لها أن تكون معزولة عما يجري حولها، ولا ضير بالتالي من استخدامها كأداة ضغط في الحالات الملحة، كما هي الحال بين روسيا وأوكرانيا اليوم.

رضخ الـ”فيفا” للقوى المهيمنة عليه، ما خلق شعورًا لدى شرائح واسعة من اللاعبين والأندية والمنتخبات بالغبن وعدم المساواة.

أبرز الشواهد التي ساقها أصحاب النظرية التي تتهم الـ”فيفا” بازدواجية المعايير، كانت معاقبة مسعود أوزيل بسبب إطلاقه لمواقف متضامنة مع أقلية الإيغور، معاقبة ثنائي المنتخب السويسري ذي الأصول الألبانية شاكيري وتشاكا بسبب إشهارهما شعاراً سياسياً يرمز لألبانيا التي تعرّضت لهجوم يوغسلافيا بداية حرب البلقان، خلال مباراة سويسرا مع صربيا في مونديال 2018، وتوجيه إنذار من الـ”فيفا” إلى اللاعب المصري الدولي السابق محمد أبو تريكة بسبب تضامنه مع قطاع غزة من خلال عبارة مكتوبة على قميصه الداخلي خلال مباراة للمنتخب المصري في العام 2007.

تتبادر اليوم الكثير من الأسئلة إلى أذهان متابعي كرة القدم وفي مقدمها: هل هذه المرة الأولى التي يخلط  فيها الـ”فيفا” الرياضة بالسياسة؟ هل هناك معايير وقوانين واضحة تحدد متى يمكن للـ”فيفا” أن يتدخل؟ ومن الذي يسيطر على كرة القدم بشكل أساسي وكيف يتم اتخاذ القرارات على هذا المستوى؟

على امتداد العقود الماضية كان الفيفا يحرص قدر المستطاع على عدم خلط السياسة بالرياضة، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. تهدف فكرة كرة القدم من جملة ما تهدف إليه، بحسب ما يقول صنّاعها والقيمون عليها، إلى نبذ التعصب والكراهية، والتقريب بين وجهات النظر، وخلق مساحات للحوار والتسامح. في الوقت نفسه كان اتحاد الكرة يحرص دائمًا على وضع ضوابط أمام ما يعتبره انتهاكًا لقوانين الحياد التي يسعى إلى تطبيقها.

على سبيل المثال، قام الـ”فيفا” صيف العام 2014، بتغريم الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم بمبلغ 30 ألف فرنك سويسري، بسبب وقوف اللاعبين أمام لافتة كُتب عليها “جزر فوكلاند أرجنتينية “(الجزر متنازع عليها بين الأرجنتين وبريطانيا) باللغة الإسبانية، خلال مباراة ودية أُقيمت في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس بمواجهة سلوفينيا. وفي العام 2017، أرسل “فيفا” إلى الإتحاد القطري لكرة القدم خطاب توبيخ، بالإضافة إلى تغريمه ماليًا، بسبب ارتداء لاعبي المنتخب القطري لقمصان تحمل صور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني قبل انطلاقة إحدى المباريات الدولية للمنتخب العنابي.

ومع ذلك فإن الـ”فيفا” اضطر في الكثير من الأحيان للتخلي عن ” حياده ” ونسف مبدأ فصل الرياضة عن السياسة، وبالنتيجة فإن العقوبات الكروية التي تطال روسيا ليست الأولى من نوعها، ففي العام 1950 تمّ استبعاد منتخبي اليابان وألمانيا من المشاركة في كأس العالم في الاوروغواي، بسبب تورّط البلدين في الحرب العالمية الثانية، كما تم لاحقًا استبعاد جنوب إفريقيا من المشاركة في عدة نسخ من المونديال بسبب نظام الفصل العنصري الذي كان يحكمها، ثم استُبعدت يوغسلافيا من مونديال 1994 في الولايات المتحدة بسبب تورط حكومتها بأعمال عسكرية في البلقان.

إقرأوا أيضاً:

قرارات الـ”فيفا” في هذا المجال لم تسلم من أسهم المنتقدين، المطالبين بتوحيد المعايير وتوضيحها. قبل أشهر خرجت أصوات تنتقد سماح الـ”فيفا” للاعبين بالركوع على ركبهم قبل المباريات، لتوجيه التحية للأميركي جورج فلويد الذي قتل بطريقة بشعة وعنصرية من شرطي أميركي، ودعم حركة black lives matter، بحجة أن هذه اللفتة تحمل أبعادًا سياسية، وتدعم حركة لديها توجهاً سياسياً في النهاية.

القاعدة الأساسية المعتمدة لدى الـ”فيفا” إذًا، هي محاولة إبعاد الرياضة عن السياسة قدر المستطاع، لكنه كان يصطدم أحيانًا بأحداث ” أكبر منه”، تجعله مضطرًا للانصياع للقيمين عليه، والذين مثّلوا على الدوام وجهة نظر الدول الغربية، فيتّخذ قراراته أحياناً على ضوء ما يمثل مصالح هذه الدول، ومن بينها بطبيعة الحال الإجراءات المتّخذة ضد روسيا مؤخّرًا.

من المهم في هذا المجال التذكير بأن روسيا استضافت نسخة مونديال 2018، الحدث الرياضي الأكبر، بحضور عدد كبير من زعماء العالم، وقد نجحت موسكو يومها في امتحان الاستضافة وقدّمت نسخة مثالية، كما نجح بوتين في استغلال الفرصة لـ”عرض عضلاته ” والاستثمار في احتضان المونديال للترويج لنظامه، بالرغم من الانتقادات  الكبيرة التي وُجهت لروسيا، والمطالبات بسحب ملف الاستضافة أكثر من مرة، بسبب ما اعتبرته بعض الدول من بينها بريطانيا والولايات المتحدة “سلوكيات سيئة ” لا تجعل روسيا مؤهلة لاستضافة حدث رياضي جامع بهذا الحجم. 

من بين هذه السلوكيات، تبرز حادثة قيام متمردين مدعومين من روسيا بإسقاط طائرة ماليزية، احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014، وعملية تسميم جاسوس روسي سابق في المملكة المتحدّة.

في المحصلة، يمكن القول أن الـ”فيفا” فشل تكراراً في اختبار تحييد كرة القدم، وفي تطبيق قانون الفيفا الذي يحظر إظهار أية شعارات وبيانات سياسية أو دينية. 

رضخ الـ”فيفا” للقوى المهيمنة عليه، ما خلق شعورًا لدى شرائح واسعة من اللاعبين والأندية والمنتخبات بالغبن وعدم المساواة. 

يعطي الـ”فيفا” نفسه حصرًا الحق في التمييز بين ما هو سياسي وما هو إنساني، وبين ما هو تدخل سياسي في الرياضة، وما هو جزء من رسالة الرياضة لنشر المحبة والسلام، وبالتالي فإن الازدواجية باتت طاغية طالما ليس هناك قوانين واضحة وشفافة تطبّق بالتساوي على الجميع. 

إقرأوا أيضاً: