fbpx

تغير المناخ… هل ننجح في المقاومة قبل فوات الأوان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحدث تغير المناخ بحسب التقرير الذي صدر بعنوان “تغير المناخ 2022… الآثار والتكيف وسرعة التأثر”، آثاراً ضارة وواسعة النطاق على الطبيعة والبشر معاً، بما يتجاوز التقلب الطبيعي للمناخ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعيش اليوم حوالى 3 مليارات و600 ألف شخص في العالم في سياقات شديدة التأثر بتغير المناخ، فيما تتعرض نسبة عالية من الأنواع لآثار التغير ذاته، ما يضع الإنسان والنظم البيئية في دائرة خطر واحدة. كما يزيد الاستخدام غير المستدامة للموارد الطبيعية من تعرض النظم البيئية والأشخاص لأخطار المناخ، أي أن هناك اتجاهات غير مناخية موازية لتغير المناخ تعرض الأمن الغذائي والمائي للأخطار وتعيق الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وعلى رغم زيادة الإنتاجية الزراعية الإجمالية، أدى تغير المناخ إلى إبطاء هذا النمو على مدار نصف قرن مضى على مستوى العالم. لقد أثر احترار المحيطات وتحمضها سلباً في إنتاج الغذاء من تربية الأحياء المائية والمحار ومصائد الأسماك في بعض مناطق المحيطات.

بحسب ما توصل إليه تقرير هذا العام (2022) للهيئة الحكومية الدولية المعنية بشؤون تغير المناخ، فقد عرّضت الظواهر الجوية والمناخية المتزايدة الملايين لانعدام الأمن الغذائي الحاد، في مواقع ومجتمعات كثيرة في أفريقيا وآسيا وأميركا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي. وأدت الخسائر في إنتاج الغذاء والوصول إليه جراء انخفاض تنوع النظام الغذائي، إلى ازدياد سوء التغذية في مجتمعات كثيرة، تحديداً بين السكان الأصليين، وصغار منتجي الأغذية والأسر ذات الدخل المنخفض. ويعاني وفقاً للتقرير ذاته، ما يقرب من نصف سكان العالم حالياً من ندرة المياه بسبب العوامل المناخية وغير المناخية. وتتمثل هذه الثانية في الاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية. على سبيل المثال تعتمد الهند على المياه الجوفية في معظم إنتاجها الغذائي، إنما يتناقص تدفق المياه الجوفية في الآبار بنسبة 54 في المئة.

وتقرّ الهيئة الحكومية- الدولية المعنية بتغير المناخ، بالعلاقة المباشرة بين تغير المناخ والتنوع الأحيائي والمجتمعات البشرية، وذلك بناءً على تقييم آثار ومخاطر تغير المناخ على النظم البيئية وتنوعها الأحيائي من جانب، وآثار الاتجاهات العالمية غير المناخية من جانب آخر، مثل فقدان التنوع البيولوجي، الاستهلاك غير المستدام للموارد الطبيعية، تدهور الأراضي والنظم الإيكولوجية، التوسع العمراني السريع، التحولات السكانية السريعة، عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والأوبئة. 

ويحدث تغير المناخ بحسب التقرير الذي صدر بعنوان “تغير المناخ 2022… الآثار والتكيف وسرعة التأثر”، آثاراً  ضارة وواسعة النطاق على الطبيعة والبشر معاً، بما يتجاوز التقلب الطبيعي للمناخ. وقد دفع ازدياد الظواهر المناخية المتطرفة النظم الطبيعية والبشرية إلى ما هو أبعد من قدرتها على التكيف، ناهيك بحدوث آثار وخسائر لا يمكن إصلاحها، أي نقطة اللاعودة. بخاصة أن هناك فوارق شاسعة من حيث نطاقات ومناطق التأثر، فالأفراد والأنظمة الأكثر ضعفاً وهشاشة يتعرضون لآثار التغيرات بشكل غير متناسب مقارنة مع غيرهم. ولا تعود الأسباب إلى عوامل مناخية بالضرورة، ذلك أن ضعف النظم الإيكولوجية والناس أمام تغير المناخ، يختلف اختلافاً كبيراً بين المناطق ودواخلها، والقصة مدفوعة بأنماط التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتقاطعة، والاستخدام غير المستدام للمحيطات والأراضي، والظلم، والتهميش، والأنماط التاريخية والجارية لعدم المساواة مثل الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في المستعمرات القديمة التي تعاني إلى اليوم من آثار الأنظمة الاستعمارية. على سبيل المثال يعاني بلد كهاييتي في جزر الكاريبي من الغطاء النباتي، جراء تقليص غاباته الطبيعية واستهلاك مزارعه للقهوة من قبل الاستعمار الفرنسي قبل الثورة الصناعية، مطلع القرن التاسع عشر، واشتعال عودة ثقاب الاحترار على الكوكب. 

ويرتبط الاحترار العالمي، الذي يصل إلى 1.5 درجة مئوية على المدى القريب وفقاً للتقرير، باتجاهات الأخطار المتزامنة وقابلية التأثر والتعرض ومستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتكيف. مثلاً، الإجراءات قصيرة المدى التي من شأنها وضع حد للاحتباس الحراري في حدود 1.5 درجة مئوية، قد تقلل إلى حد كبير الخسائر والأضرار المتوقعة، مقارنة بدرجات حرارية أعلى، انما لا تقضي الإجراءات على جميع الأخطار بحسب ما توصل إليه الباحثون في الهيئة الحكومية الدولية، وذلك بسبب شدة التأثر والأضرار غير القابلة للإصلاح Irreparable . ويعتمد حجم تغير المناخ والمخاطر المرتبطة به، على إجراءات التخفيف والتكيف على المدى القريب، وإلا تتصاعد الأضرار والآثار السلبية المتوقعة، أي أن التأثيرات في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة، ستؤدي إلى إطلاق غازات دفيئة إضافية، ولا مجال في هذه الحال للرجوع.

إقرأوا أيضاً:

ولوحظ في الأفق، تقدم في تخطيط وتنفيذ التكيف عبر جميع القطاعات والمناطق عبر حلول متكاملة ومتعددة القطاعات، تعالج أوجه عدم المساواة الاجتماعية وتميز الاستجابات على أساس مخاطر المناخ، ما يؤدي إلى فوائد متعددة للمجتمعات. ويقتضي ذلك الالتزام السياسي والمتابعة، والأطر المؤسسية والسياسات والأدوات ذات الأهداف والأولويات الواضحة، وتعزيز المعرفة بالتأثيرات والحلول، وتأمين الموارد المالية الكافية وكيفية الوصول إليها، والرصد والتقييم، وعمليات الحوكمة الشاملة.

هناك أدلة متزايدة على الاستجابة غير القادرة على التكيف مع تغير المناخ، ما يزيد من قابلية التأثر والتعرض والمخاطر حيث يصعب تغيير مساراتها وتؤدي بالتالي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة. لذا، يمكن تجنب سوء التكيف عبر التخطيط المرن والشامل وطويل الأجل وتنفيذ إجراءات التكيف مع الفوائد التي تعود بالفائدة على الكثير من القطاعات والأنظمة.

التنمية القادرة على التكيف مع تغير المناخ أو الاستجابة له، أصبحت ملحة في جميع أنحاء العالم، ويتطلب ذلك من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، خيارات إنمائية شاملة تعطي الأولوية للإنصاف والعدالة والحد من المخاطر. إن دمج عمليات صنع القرار والتمويل والإجراءات عبر مستويات الحوكمة والقطاعات والأطر الزمنية، يسهل التنمية المقاومة للمناخ من خلال التعاون الدولي والحكومات على جميع المستويات: المجتمعات، منظمات المجتمع المدني، الهيئات التعليمية والمؤسسات العلمية، وسائل الإعلام، إلى المستثمرين والشركات. وتربط المؤسسة الدولية المعنية بشؤون المناخ، الحلول والمبادرات المتعلقة بالمناخ بالشراكات مع الفئات المهمشة تقليدياً، بما في ذلك النساء والشباب والشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية والأقليات العرقية. تكون هذه الشراكات أكثر فاعلية بتمكين الفاعلين فيها من ناحية القيادة السياسية وإدارة المؤسسات والموارد، بما في ذلك التمويل، ناهيك بالخدمات المناخية، وأدوات دعم القرار والمعلومات.

وفي سياق الحلول والمبادرات، تحتل المستوطنات الحضرية حيزاً كبيراً من السجالات المناخية، بخاصة أن أكثر من 50 في المئة من سكان العالم يعيشون في المدن. وعلى رغم توقع أضرار ناتجة عن التفاعلات بين تغير الشكل الحضري والأخطار المناخية في المدن والمستوطنات الحضرية، إلا أن الاتجاه العالمي للتمدن يوفر أيضاً فرصة حاسمة على المدى القريب، لتعزيز التنمية المقاومة للمناخ. بإمكان التخطيط والاستثمار الشامل والمتكامل في صنع القرار اليومي بشأن البنية التحتية الحضرية، بما فيها البنى التحتية الاجتماعية والبيئية والتكامل بين البنى التحية الرمادية والخضراء، أن يزيد بشكل كبير قدرة المستوطنات الحضرية والريفية على التكيف. كما تدعم التنمية المقاومة للمناخ في المناطق الحضرية قدرة المناطق الريفية على التكيف، من خلال الحفاظ على سلاسل التوريد شبه الحضرية للسلع والخدمات والتدفقات المالية. 

تحتل المستوطنات الحضرية حيزاً كبيراً من السجالات المناخية، بخاصة أن أكثر من 50 في المئة من سكان العالم يعيشون في المدن.

من جانب آخر، تعد حماية التنوع الأحيائي والنظم البيئية أمراً أساسياً للتنمية المقاومة للمناخ، بخاصة أنها تلعب دوراً جوهرياً في التكيف والتخفيف. وتشير تحليلات حديثة تستند إلى مجموعة من الخطوط والأدلة الموثوقة، إلى أن الحفاظ على مرونة التنوع الأحيائي وخدمات النظم البيئية على نطاق عالمي يعتمد على الحفظ الفعال والعادل لما يقرب من 30 إلى 50 في المئة من الأراضي والمياه العذبة ومناطق المحيط، بما في ذلك النظم البيئية شبه الطبيعية الحالية. 

قصارى القول، أدى تغير المناخ بالفعل إلى اضطراب النظم البشرية والطبيعية، ولم تقدم اتجاهات التنمية السابقة والحالية التنمية العالمية المقاومة للمناخ. تحدد الخيارات والإجراءات المجتمعية التي ستطبق في العقد المقبل إلى أي مدى ستؤدي المسارات المتوسطة وطويلة الأجل إلى تنمية أعلى أو أقل مقاومة للمناخ. والأهم من ذلك أن آفاق التنمية المقاومة لتغير المناخ تبقى محدودة، إذا لم تنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الحالية بسرعة، بخاصة أننا نتحدث عن تجاوز 1.5 درجة مئوية في المدى القريب. هذه الآفاق مقيدة بالتطورات الماضية والانبعاثات وتغير المناخ، وتم تمكينها من خلال الحوكمة الشاملة والموارد البشرية والتكنولوجية الملائمة والمعلومات والقدرات والتمويل. 

إقرأوا أيضاً: