fbpx

وثيقة مناهج التعليم اللبنانية:
الفراغ تمهيداً لإعادة إنتاج الفشل 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 ما دَور المعلمين والمديرين في تنفيذ المنهج، هل هي مسألة إعداد وتدريب أم هي فوق ذلك مشكلة تعيين هؤلاء وتوزيعهم و”لا مسؤوليتهم” بسبب التسييس الفاضح لهذا التعيين؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يمكن بناء مناهج تعليم جديدة في لبنان في سياق يتسم بهذا القدر من الفشل في إدارة الشأن العام، وهو فشل غير ناجم عن أخطاء بل عن فساد سياسي، أي أنه مقصود. لا يمكن بناء منهج “جديد” برعاية سياق قديم. وإذا استمرت هذه الحفلة التنكرية (الإنكارية) فان المشاركين فيها لن يجدوا بحوزتهم سوى حجة “ما خلونا”. وهي حجة تكررت في الاقتصاد وفي الكهرباء وفي المال، وهي ستتكرر في قضية وضع مناهج تربوية أو تطويرها.

فقد صدرت عن وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء وثيقة بعنوان “الإطار الوطني اللبناني لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعي”، مؤرخة في نيسان/ أبريل 2022، وكُتب عليها “المسودة الثانية”.

هل نتابع إعداد الطلبة في لبنان من أجل سوق عمل في الخارج؟ هل نتابع تصدير الخريجين؟ هل يستمر النظام التربوي في العمل على القواعد التي عمل على هديها خلال العقود الماضية؟

ماذا تقول الوثيقة؟

تركز الوثيقة على أمرين:

القدرات، التي يجب أن يتزود بها المتعلم- الفرد: المهارات، المعارف، الكفايات، القيم- النزاهة، الاحترام، السلام، المساواة، الاستقلال الذاتي، الخ.

هندسة المنهج، وهذا يشمل مبادئ التطوير، عناصر المنهج، مشاركة المعلمين، تطوير مهارات المعلمين، تجارب عالمية، نظريات المناهج، الخ.

الفكرتان صالحتان للتبني في لبنان. وإذا حذفنا بعض العبارات هنا أو هناك تصبح صالحة لأي بلد في العالم.

ما فات الوثيقة

الوثيقة وضعت للبنان ولكنها لا تجيب على أي قضية فيه. كيف توضع خطة لبلد (والمنهج هو خطة أيضاً) دون أن تعمل (بما هي إطار وطني) على تشخيص أي قضية محددة وإلى معالجة أي مشكلة تعليمية يعيشها تحديدا هذا البلد وذات صلة وثيقة بالمناهج؟ كيف يمكن وضع وثيقة لبناء منهج جديد ونحن لا نعرف أين قصّر المنهج السابق؟ 

هذه بعض القضايا التي تخص لبنان:

لماذا لم يصدر منهج التاريخ؟

لماذا كان الكتاب الموحد في التربية الوطنية سيئاً ولم يؤت أي ثمرة في “توحيد اللبنانيين”؟ وهل يجب أن يكون موحداً أصلاً؟

لماذا كان أداء الطلبة اللبنانيين في “تيمس وبيزا” يتراجع في لبنان خلال العقود الماضية. ما مشكلات تعليم الرياضيات والعلوم واللغات والفنون؟ وما مشكلات طرائق التعليم والتقييم التي أعلنت بصورة ثم صارت شيئاً آخر؟

ماذا حل بـ”صنافة بلوم” فاقتصر الأمر عند تنفيذ المناهج وفي التقييم على الفهم والحفظ؟ وما مشكلات الامتحانات الرسمية والامتحانات المدرسية من هذه الناحية ومن ناحية تنظيمها؟

 ما دَور المعلمين والمديرين في تنفيذ المنهج، هل هي مسألة إعداد وتدريب (وما هي المشكلة هنا؟) أم هي فوق ذلك مشكلة تعيين هؤلاء وتوزيعهم و”لا مسؤوليتهم” بسبب التسييس الفاضح لهذا التعيين؟

كيف نقارب الشروخ بين المنهج المقرر والمنهج المطبق والمنهج الموازي بعدما زادت هذه الشروخ إلى درجة هائلة؟ (المنهج الموازي هو مجموع الأنشطة والرموز والطقوس العلنية الشائعة في المدرسة). 

لماذا أفضى تطبيق منهج عام 1997 إلى زيادة اللامساواة بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص كما داخل التعليم الخاص؟ 

هل نتابع إعداد الطلبة في لبنان من أجل سوق عمل في الخارج؟ هل نتابع تصدير الخريجين؟ هل يستمر النظام التربوي في العمل على القواعد التي عمل على هديها خلال العقود الماضية؟

لا يقصد مما سبق أن تقدم الوثيقة تحليلاً لكل هذه المسائل. لكن بما هي نص توجيهي فكان يفترض بها أن تستند الى تقارير تحلل هذه القضايا وتستخلص منها اتجاهات محددة. وكان يفترض أن تظهر هذه الاتجاهات في مقدمة الوثيقة ومتنها.

إقرأوا أيضاً:

يجب أن أقر أن الوثيقة قالت (ص 8) ما يلي: “قام لبنان في العام 2021 من خلال المركز التربوي للبحوث والإنماء، وكجزء من مشروع تطوير المناهج الذي يدعمه البنك الدولي… بإجراء عدد من الدراسات البحثية المعمقة حول المناهج المعتمدة حاليا بهدف تسليط الضوء على نقاط القوة ونقاط الضعف فيه والحاجة إلى تطويره”.  وبغض النظر عن غرابة التعبير (قام لبنان من خلال…)، فان لائحة المراجع في الوثيقة لا تتضمن أي دراسة صادرة عن المركز ولا أي دراسة عربية اللغة. ما معنى هذا التصريح إذاً؟ قد نجده في الفقرة التالية التي تتكلم عن “عدم الالتزام بتطبيق المناهج” وعن “غياب الإجراءات …في ظل التدخلات السياسية”. إذاً قيلت الجملة السابقة عن “الدراسات البحثية المعمقة” من أجل تبرئة منهج عام 1991 من أي تهمة. وإذا صح هذا الاستنتاج يكون المطلوب إعادة النظر بالمناهج بالطريقة التي وضعت بها المناهج عام 1997. 

المهم، أعود الى الاعتراض الجوهري على الوثيقة، بأنها “مكتبية” وتركز على المتعلم الفرد. كان يجب، استناداً إلى معرفة متعددة الاختصاصات، أن تقدم الوثيقة خيارات اجتماعية واضحة بحيث يشعر العاملون على صناعة المناهج، وجملة المختصين والرأي العام، أن خيارات المنهج هي خيارات وطنية، مجتمعية. كان يجب أن تقدم الوثيقة مشروعاً آخر لبناء التربية في لبنان. أليس شعار المركز: “وبالتربية نبني معا”؟ 

“المنهج” اللبناني ليس مجموعة من الدروس الخصوصية لكي نبنيه على حاجات المتعلم الفرد (المتخيّلة في كل حال). هو منهج لمجتمع معين يعيش ظروفاً معينة، وإلا لكان بإمكاننا أن نستورد منهجا من دولة أخرى كما نستورد الايفون، أو السيارة. 

الوثيقة التي بين أيدينا أقرب إلى هندسة مقترحة لمنزل دون تحديد أين يقع هذا المنزل: في الريف، في المدينة، في السهل، في الجبل، قرب البحر، في غابة، في منطقة حارة، في منطقة باردة، لعائلة كبيرة، صغيرة، فقيرة، غنية، منفتحة، محافظة، الخ. هي هندسة جيدة إذا كانت وظيفتها أن تعرض في معرض. لكنها غير نافعة لكي يبني أي منا منزلاً على أساسها. وبالمثل أقول إن هذه الوثيقة غير نافعة لكي نبني لنا منهجاً على أساسها. بل أكثر من ذلك هي مضرة، كما سأبين أدناه. 

ما ستفضي إليه الوثيقة

التركيز على الجانب البيداغوجي (الفردي) في الوثيقة مريح للجميع، يحصر الجدل في المصطلحات الفنية، بين الخبراء. لكن بما أن وضع المناهج هو واقعياً ورشة إدارية- اجتماعية، فإن منهجاً “فارغاً” اجتماعياً (واقتصادياً، وفلسفياً، وتاريخياً، وأنثروبولوجياً، وسياسياً، الخ) من هذا النوع سيحوّل الورشة الى مركَبة أو سلسلة من المركَبات التي تركَبها القوى الاجتماعية والسياسية، مع كل محطة من مسار الورشة. وهذه القوى هي اليوم أكثر من أي يوم مضى في عز صراعها وتحاصصها. سوف تركب هذه القوى اللجان العليا والدنيا والوسطى والفنية وغير الفنية ولجان المواد وتأليف الكتب، الخ مثلما هي تركب الآن المدارس وهيئات المعلمين والإدارة المركزية. وسنحصل على مناهج أفقر بثياب “جديدة”. هكذا تتم إعادة إنتاج الوضع القائم، بذريعة التجديد. 

إقرأوا أيضاً: