fbpx

الخليج- إسرائيل: قوة ناعمة جديدة في المنطقة العربية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم التحديات، فإن العلاقات الإسرائيلية مع الكتلة السعودية- الإماراتية في تصاعد ونمو…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت المكالمة التي تلقاها شموئيل بار، ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، من المملكة العربية السعودية عبر تطبيق “واتساب” بمثابة مفاجأة سارة. وصرح بار بأن الأمر كان مفاجئاً للغاية ومثّل برهاناً على التقدم المتزايد الذي تحرزه إسرائيل في إقامة علاقات مع دول الخليج التي كانت معادية لها في الماضي.

عمل بار في المخابرات الإسرائيلية لمدة 30 عاماً، ثمّ أسس شركة IntuView المتخصصة في البحث في محتوى مواقع التواصل الاجتماعي عن التهديدات الإرهابية. تشمل مجموعة عملاء تلك الشركة وكالات استخبارات وجهات إنفاذ قانون أوروبية وأميركية وهندية. والآن، يرغب السعوديون في التعاقد مع خبير البيانات الإسرائيلي لمساعدتهم في وضع سياسات مكافحة الإرهاب وما إلى ذلك.

من جهة رسمية، تنفي الحكومة السعودية أي تعاملات تجارية بينها وبين إسرائيل وتصر على أن التطبيع متوقف على موافقة إسرائيل على مبادرة السلام العربية التي تطالب بدولة فلسطينية مستقلة. لكن من ناحية أخرى، هناك تعاون مزدهر بين الإسرائيليين والكثير من دول الخليج خلف الأبواب المغلقة.

بينما يتحدث الرئيس الأميركي الحالي عن العودة إلى الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران، تعمل إسرائيل على تعزيز تحالف لم يكن يمكن تصوره سابقاً مع شركائها العرب من خلال خطط للتعاون الاستراتيجي والتكنولوجي والتجاري.

شهدت العلاقات الإسرائيلية- الخليجية تغيراً هائلاً بعدما وقع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران في 2015، ورفع العقوبات عن طهران في 2016. نتج عن ذلك امتلاك إيران المزيد من الأموال بشكل مفاجئ، ما مكّنها من زيادة تمويل ميليشياتها في لبنان وسوريا والعراق حيث كانت توسع نفوذها الإقليمي. كان ذلك بمثابة تهديد واضح لإسرائيل وخصوم إيران الإقليميين، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين التي تقطنها غالبية شيعية ولكن يحكمها ملك سنّي. ثمّ فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد عام، وأثبت أنه كان هبة إلهية لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين. فلقد نجحت إسرائيل، بتشجيع من ترامب، في توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، وهي صفقة تطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وعلى رغم أن المملكة العربية السعودية لم توقع بعد أي اتفاقيات، إلا أنها تماماً في الجبهة المناهضة لإيران.

بينما يتحدث الرئيس الأميركي الحالي عن العودة إلى الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران، تعمل إسرائيل على تعزيز تحالف لم يكن يمكن تصوره سابقاً مع شركائها العرب من خلال خطط للتعاون الاستراتيجي والتكنولوجي والتجاري. ولم يمر سوى شهر الآن على دعوة إسرائيل إلى تشكيل تحالف دفاعي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ضد إيران. وقد وقعت إسرائيل اتفاقات عدة مع الإمارات العربية المتحدة- التي تعدّ ثاني أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية- في قطاعات السياحة والصحة والزراعة والمياه. ومن المتوقع أن تزيد قيمة التعاملات التجارية الثنائية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة من 300000 دولار إلى 500 مليون دولار أميركي سنوياً، وذلك وفقاً للتقديرات الأولية.

وافقت إسرائيل أيضاً على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر، التي عقدت معها اتفاقية سلام عام 1979، وكان بينهما تعاون أمني غير منتظم منذ ذلك الحين. وفي حدث نادر وقع راهناً، زار وزير مصري رفيع المستوى القدس، على رغم وضعها المتنازع عليه، ووقّع اتفاقية تربط حقل ليفياثان للغاز الواقع في شرق البحر المتوسط بمنشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية من خلال خط أنابيب تحت الماء بهدف تصدير الغاز للدول الأوروبية. وعلى صعيد آخر، تحاول إسرائيل أيضاً تلطيف مواقف الدول التي ما زالت معادية لها، إذ اشترت -ظاهرياً بموجب اتفاقية تبادل الأسرى- لقاحَ فايروس “كورونا” الروسي لسوريا، وهي حليفة لإيران وعضو فيما يسمى “محور المقاومة” ضد إسرائيل.

إقرأوا أيضاً:

قال بار إن التعاقد مع شركته ليس سوى أحد الأمثلة على التغير الجذري الذي تشهده العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج على مدى السنوات القليلة الماضية. وكان تلقى المكالمة السعودية عام 2018، ثمّ انضمت دول خليجية أخرى إلى قائمة عملائه. وأضاف بار: “عادةً ما يكون التعاون الاستراتيجي العملي تصاعدياً. عندما يتعلق الأمر بالمصالح التجارية، توجّه النخبةُ الاقتصادية القياداتِ السياسيةَ إلى مصالح البلاد الراسخة التي تنطوي عليها هذه العلاقات”.

تعمل إسرائيل على تعزيز التعاون الاستراتيجي من خلال إنشاء مجموعات ضغط لها مصالح أكيدة في العلاقات بينها وبين دول الخليج، من خلال إقامة علاقات تجارية جيدة. تعمل أوساط الأعمال التجارية على تعزيز السلام وتقليل فرص وقوع النزاعات؛ وهو ما تدركه إسرائيل، وتأمل أيضاً في إثبات جدارتها كحليف دائم، ليس ضد إيران فقط، وذلك بدلاً من أن ينظر إليها العالم على أنها “دولة حرب” كما كان عليه الحال سابقاً. ولذا فإنها مستعدة للتعاون في المجالات التي تتردد بشأنها حتى الشركات الأميركية لأسباب تتعلق بسجلات حقوق الإنسان الخليجية، ومن تلك المجالات مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.

تعدّ حالة الإرهاق العامة التي تعمّ الدول العربية جرّاء دعم القضية الفلسطينية أحد الأسباب الإضافية للتعاون مع إسرائيل، إضافة إلى شيوع فكرة الهويات الوطنية المتعددة وتغلُّبها على فكرة الهوية العربية الواحدة. يقول المحللون إن الكثير من دول الخليج، أو على الأقل شرائح كبيرة من سكانها، لا ترغب في أن تظل أسيرة للقضية الفلسطينية وترى أن العلاقات مع إسرائيل ضرورية لتنويع اقتصادها.

يتم بناء نيوم، المدينة المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار والتي تعد حجر الزاوية في الخطة الاقتصادية التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعام 2030، بالقرب من مدينة إيلات السياحية الإسرائيلية، على طول البحر الأحمر وخليج العقبة. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، سرَّب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقارير عن اجتماع سري دار بينه وبين ولي العهد السعودي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالقرب من نيوم، ما أثار تكهنات حول النية التي يضمرونها للتعاون ضد إيران، وأيضاً حول إمكان مشاركة شركات إسرائيلية في بناء المدينة.

ينقسم الشرق الأوسط اليوم بين إيران وتركيا والتكتل الذي تقوده السعودية.

وقال عزيز الغشيان، المحلل السياسي المتخصص في العلاقات السعودية- الإسرائيلية، إن مشروع نيوم يعد الساحة الجديدة للتعاون القادم بين البلدين. وأضاف أن “السعودية تتجه عموماً نحو إحداث تحوُّل في اقتصادها، لجعله أكثر اعتماداً على التكنولوجيا منه على النفط، ويمكن أن تساعدها إسرائيل في هذا الأمر. فيرمز مشروع نيوم إلى تزايُد الحافز للتعاون العلني بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ ويشير أيضاً إلى أنه إذا أرادت المملكة وإسرائيل إيجاد علاقات طبيعية أو منفتحة بينهما من نوع ما، فسيكون هذا الأمر مدفوعاً بتحقيق الازدهار السعودي، لا مجرد مواجهة إيران”.

فيما قال يوئيل جوزانسكي، وهو زميل أبحاث رفيع المستوى في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب، إنه بينما لا تزال صفقات كثيرة تتصف بالسرية، فإن العلاقات اليوم صارت علنية أكثر من ذي قبل. وأضاف في تصريح لمجلة “فورين بوليسي”، “تحصل إسرائيل الآن على شرعية من الخليج؛ وقد وصلت اليوم إليه. ما عادت بحاجة إلى التخفّي كما اعتادت”.

إضافةً إلى ذلك، فإن ما يرسخ العلاقات بين المملكة وإسرائيل هي تلك النيات التي يضمرها بايدن تجاه محمد بن سلمان بشأن مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي، وبشأن انتهاكات حقوق الإنسان عموماً في المملكة وفي الإمارات ومصر. وأضاف جوزانسكي أن “العلاقات المتوترة بين واشنطن والرياض تدفع إلى تشكيل رباعية جديدة بين إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين. قد نشهد بينهم تقارباً في ظل إدارة بايدن”.

ينقسم الشرق الأوسط اليوم بين إيران وتركيا والتكتل الذي تقوده السعودية. لا تشهد علاقة إسرائيل بتركيا خلافاً حقيقياً، لكنها منزعجة من دعم الأخيرة لحركة حماس الفلسطينية المسلحة. تقلق الكتلة السعودية من الدعم التركي لحركات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، وهي الحركة التي لديها أجنحة وفروع في دول الخليج، ويخشى قادة تلك الدول أن الشعبية المحتملة لتلك الحركات قد تؤدي إلى قلب نظم الحكم الملكي في تلك الدول. فمن المؤكد أن تستفيد إسرائيل من ذلك التنافس أيضاً.

وقال كوبي هوبرمان، من مؤسسي إحدى مراكز الأبحاث الإسرائيلية التي تهتم بقضايا التعاون الإقليمي، إن “السياسات الإسرائيلية تركز على إضعاف قدرات القوى المعادية المتطرفة، بدءاً من إيران إلى حزب الله وحماس وغيرهما. علاوة على ذلك، تسعى إسرائيل، بالتعاون مع دول عربية أخرى، إلى منع التأثير السلبي لحركات وقوى الإخوان المسلمين، التي تدعمها وتمولها تركيا وقطر”.

إقرأوا أيضاً:

ولكن بينما يود نتانياهو الترويجَ لتحسين العلاقات الإسرائيلية مع تلك الدول، على أنه من إنجازاته الخاصة، خلال الانتخابات المقبلة في 23 آذار/ مارس، وهي الرابعة خلال العامين الأخيرين، يظل هناك خطر أن يأتي التعاون المفرط، قبل الأوان، بنتائج عكسية.

فيما قال بسام بربندي، الديبلوماسي السوري السابق الذي يعيش اليوم في المنفى بالولايات المتحدة، إنه بالتوازي مع سعادة العرب برؤية إسرائيل تهاجم إيران، فهم ما زالوا يرونها دولة معادية سرقت أرضهم. تحدث أحمد، وهو طبيب أسنان سوري دمشقي من منطقة شهدت أسوأ حالات انتشار “كورونا”، إلى مجلة “فورين بوليسي” شريطة عدم التصريح باسمه الكامل، وقال إنه لم يفكر كثيراً في الكرم الإسرائيلي بشراء لقاح سبوتنيك الروسي للسوريين. “ففي البداية قام الروس بقصفنا، والآن يعطوننا اللقاحات”. سائلاً في تعجب “من سيثق فيهم؟ إسرائيل أيضاً تقصف سوريا، ولكن النظام لا يرد على هذا ولا يعترض. هذا هو الاتفاق والصفقة. وبإمكان الناس استشفاف هذا. ولا بد أن اللقاحات ستقدم إلى مسؤولي النظام”.

بينما قال محللون إسرائيليون إنهم يخشون أن تفقد إسرائيل نفوذها في الخليج في ظل إدارة الرئيس بايدن. فلعقود من الزمن سعت دول عربية إلى تحسين علاقاتها بإسرائيل طلباً للرضا الأميركي والعفو عن انتهاكاتها وتجاوزاتها في الداخل. ولكن نظراً إلى أن إسرائيل نفسها اليوم تحت ضغوط ومراقبة من إدارة بايدن، فإنها لا تكاد تستطيع مساعدة تلك الدول بأدنى درجة.

تأمل إسرائيل بتقديم نفسها على أنها القوة الناعمة في المنطقة، وهو هدف جدير بالسعي إليه، لكنه غير قابل للتحقيق طالما استمرت في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. ففي داخل مجتمع الخبراء والمحللين الإسرائيليين أيضاً هناك من ينتقد السياسات الحكومية الإسرائيلية، وخصوصاً حين تنطوي على المساعدة في قمع المعارضة في الدول العربية. وقالت إليزابيث تسوركوف، زميلة معهد نيولاينز للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إن الشركات العربية ستتردد في شراء المنتجات الإسرائيلية، لأنها في الأساس لا ترغب في “تنفير العملاء”. وأضافت أن التعاون التجاري، حتى الآن، يشمل تقنيات المراقبة، وهو القطاع الذي قد ينمو لكن سيكون لهذا كلفته. إذ تقول تسوركوف إن تلك التقنيات “ستزيد من القدرات القمعية لدول الخليج، وستزيد من قدرتهم على تعقّب المعارضين ومراقبة اتصالاتهم الخاصة؛ وبالتالي فإن التعاون الإسرائيلي- الخليجي سيضر جداً بالحريات السياسية”.

وقال شموئيل بار إنه على يقين أن خدمات شركته لم تستغل في قمع وسحق المعارضة في المملكة العربية السعودية. إلا أنه سيكون مرتاحاً أكثر في القيام بأعماله التجارية مع بلد كالسويد مثلاً.

وعلى رغم التحديات، فإن العلاقات الإسرائيلية مع الكتلة السعودية- الإماراتية في تصاعد ونمو. ومع قيام هذه الدول بتشكيل جبهة موحدة في مواجهة إيران، ستزداد صعوبة محاولات بايدن المتعلقة بإعادة انضمام الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: