fbpx

ساجيتا لاما لن تكون الأخيرة…
متى ينتهي جحيم العمالة المنزلية في لبنان؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يوضع العمال وعملهم في صندوق التسليع القائم على الاستغلال بغية تحقيق العائلة المستقدمة “أعلى إنتاجية ممكنة” وتحقيق الشركة المستقدمة أعلى نسبة ربح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أعتذر يا أمي لأنني لم أستطع جلب هدية لك معي”، بهذه العبارة استقبلت العاملة المنزلية × أمها في مطار العاصمة النيبالية بعدما أخلي سبيلها إثر مطالبة جمعية  This Is Lebanon بالإفراج عنها في شهر آب/ أغسطس الماضي. احتجزت العاملة لدى عائلة ريتشارد خوري ورنا جرمانوس لمدة عشر سنوات منعت خلالها من مغادرة صالون الحلاقة George Shop الذي يستقبل المشاهير والمملوك من قبل العائلة والذي كان بيتها طوال هذه الفترة. أخلي سبيلها بعدما رفضت العائلة دفع تذكرة عودتها إلى النيبال أو دفع راتبها الشهري المتراكم ليبلغ 22 ألف دولار. 

ساجيتا لاما نجت بأعجوبة من نظام الكفالة بينما تخضع 250 ألف عاملة بحسب أرقام وزارة العمل اللبنانية، لنظامي الكفالة والمحسوبيات في لبنان بحسب تقرير لـ”هيومان رايتس ووتش”، الأول يربط العامل بصاحب المنزل قانونياً والثاني الذي يحمي شركة استقدام العاملات والعمال أو الكفلاء الذين يسلبون المستقدمين أبسط حقوقهم ويفرون من العقاب لمراكزهم أو معارفهم أو نفوذهم. 

بدأت ساجيتا العمل لدى العائلة في أيلول/ سبتمبر 2010، وبحسب ما صرحت به وعائلتها للجمعية فإنها تقاضت أجرها لعام وثلاثة أشهر. علماً أن الأجر يبلغ 150 دولاراً شهرياً، بينما العاملات المنزليات في لبنان يتقاضين على الأقل مئتي دولار بالشهر في بلد ينص قانونه على حد أدنى للأجور كان يبلغ قبل الانهيار ٤٥٠ دولاراً. يعتبر القانون أن تأمين المستقدمين المسكن وتذاكر السفر والطعام للعاملات تعويض عن الفرق الهائل بالراتب بين العاملات المنزليات وسائر العاملين. لكنها لم تضع قوانين تحفظ حق العائلات لذا تزعم العائلة دفعها لساجيتا لكنها تعجز عن تقديم برهان لأن ساجيتا “تحتفظ بالمال في مكان في البيت لم تفصح لهم عنه”. 

تواصلت ساجيتا مع السفارة النيبالية في لبنان سابقاً، والتي بدورها استجوبت العائلة التي أجبرت ساجيتا على الكذب فاضطرت الأخيرة إلى التواصل مجدداً مع السفارة لتنكر ما قالت في المرة الأولى وتؤكد أن “كل شيء على ما يرام وأنها تريد العمل لدى العائلة”. إثر ذلك، لم يعد يحق للسفارة أن تلاحق العائلة فتغاضت عن الموضوع وتركت ساجيتا تصارع وحيدة تهديد العائلة المستمر في لبنان وعوز عائلتها في بلدها والتي تتكل على القليل من المدخول الذي ترسله ساجيتا إلى النيبال. 

قانون الكفالة يحرم العاملات الحماية التي يحق للعمال والعاملات الآخرين الحصول عليها، بما فيها الحد الأدنى للأجور، والحد الأقصى لساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعية، وأجور العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات. 

تكرست ممارسات عرفية أيضاً تربط الإقامة القانونية للعمال المهاجرين بأصحاب عملهم. لا يستطيع العمال ترك وظائفهم أو تغييرها دون موافقة صاحب العمل. 

أدى ارتفاع درجة السيطرة على حياة العاملات في ظل نظام الكفالة إلى ظهور حالات من الاتجار بالبشر، والعمل القسري، والاستغلال، وغيرها وهو ما وثقته “هيومن رايتس ووتش” والمنظمات المحلية.

ومع تضاعف حدة الأزمة الاقتصادية ووباء “كورونا”، ازدادت حوادث الانتهاكات ضد عاملات المنازل المهاجرات. أُجبرت كثيرات على العمل لساعات أطول، ومع انخفاض قيمة العملة الوطنية وزيادة التضخم، حمّل كثر من أصحاب العمل عاملات المنازل العبء الاقتصادي وخفّضوا رواتبهن وفي أحيان كثيرة امتنعوا عن دفعها.

شاهد اللبنانيون فيديوات وصوراً لحكايات قاسية ومؤثرة لعاملات متروكات على الطرق بعدما تخلى عنهن أرباب العمل أمام القنصليات أو السفارات، غالباً من دون نقود أو جوازات سفر أو متعلقاتهن الشخصية أو تذاكر رحلة العودة إلى بلدانهن. 

إقرأوا أيضاً:

عرض أحد أصحاب العمل عاملة منزلية نيجيرية “للبيع” على صفحة “فيسبوك” لتجارة الأشياء المستعملة مثل الأثاث والملابس. بعد تقارير إعلامية وإثر الغضب في نيجيريا ودعوات من السلطات النيجيرية، أوقفت السلطات اللبنانية صاحب العمل لخرقه قوانين منع الاتجار بالبشر في البلاد.

أدى الاستغلال والانتهاكات في ظل نظام الكفالة إلى انتحار عاملات، إلى أخريات قضين أثناء محاولتهن الفرار من أصحاب العمل. خلص تحقيق أجرته “هيومن رايتس ووتش” في 2008 إلى وفاة عاملة كل أسبوع .

نظام الكفالة يمنع العاملات المنزليات من فتح حساب خاص بهن في المصارف اللبنانية، فتضطر العاملات إلى تحويل الأموال إلى عائلاتهن عبر شركات تحويل الأموال أو عبر المصارف من حساب المستقدمين. نظام الكفالة صفعة لحقوق الإنسان وتمهيد لسجن العمال واستغلالهم اقتصادياً وجنسياً، بينما تتاح لهم حلول تتضمن: 

تقديم شكوى لقوى الأمن التي قد يتقاضى عناصرها رشوة من العائلة لغض النظر عن المحاسبة، أو يُنسى الملف من دون الوصول إلى حل عادل، لا سيما إن تمكنت العائلة من الوصول إلى واسطة. أو يمكن أن يكون أحد أفراد العائلة من قوى الأمن ويتملص من العقاب. هذا إذا سلمنا جدلاً أن العاملة استطاعت أصلاً مغادرة البيت ووصلت إلى قوى الأمن بعد تحمل إيجار التاكسي ومشقة الطريق المستحيلة إذا لم تتعلم اللغة العربية وإذا نجت من التحرش والخطف والعنصرية على الطريق.  

تقديم شكوى إلى مكتب استقدام العمال الذي يفترض أن يكون “الوصي والمسؤول” عن العمال الذين استقدمهم، يفترض أن يكون سهلاً ومتاحاً، لو أن هذه المكاتب كأي شركة، يهمها رضا الزبون أولاً لذا تساهم أحيانا كثيرة بـ”تأديب العمال” من أجل الزبون. وللمحافظة على سمعة الشركة كيلا تعرف باستقدام “عمال بيوجعوا الراس” وكي يكون العامل “محدث المشاكل” عبرة ليعتبر غيره من العمال.

اللجوء إلى الجمعيات أو المنظمات المعنية بحماية حقوق العاملين أو حماية حقوق الإنسان، وهي قليلة في لبنان وأقل في دول عربية أخرى تستقدم أعداداً ضخمة من العمال. فإنشاء هكذا جمعيات يتطلب تقديم علم وخبر لوزارة الداخلية اللبنانية وإلا كان عملها غير قانوني وبإمكان سحب العلم والخبر منها في حال لم ترضَ السلطات عنها.

اللجوء الى وسائل الاعلام كي يحاسب “الرأي العام” المستقدمين. الثغرة في هذه الخطوة تكمن في نظرة وسائل الإعلام الى القضايا الانسانية فغالباً ما تطرح كسكوب إعلامي يملأ الهواء أو كقضية معروفة وعرضت مراراً لكن يتوجب على الإعلامي طرحها ثانية بهدف إظهار إنسانية الوسيلة الإعلامية قبل أن تتناسى القضية باحثة عن “ترند” آخر. هذا مع العلم أن معظم الوسائل الإعلامية مملوكة جزئياً أم كلياً من سياسيين أو مسؤولين لا يتطرقون إلى حقوق العمال الأجانب في برامجهم السياسية بل يمولون محطات تقتات على بؤس الغير لتؤمن مشاهدين لإنجازاتهم المبتكرة. 

هكذا، يوضع العمال وعملهم في صندوق التسليع القائم على الاستغلال بغية تحقيق العائلة المستقدمة “أعلى إنتاجية ممكنة” وتحقيق الشركة المستقدمة أعلى نسبة ربح ما يتيح للجمعيات المطالبة بأعلى ميزانية ممكنة من الجهات المانحة وسط شبه غياب متعمد من الدولة. لذا، يخرج العمل من إطاره الخدماتي ليدخل في سيرورة التصنيع إذ يعامل العامل كسلعة تستهلك وليس كإنسان يقدم خدماته وفق أجر يفترض أن يكون عادلاً. 

يكفي أن ننتبه قليلاً للمصطلحات اليومية المستخدمة للحديث عن العمال المستقدمين. نلحظ أن السريلانكية تتحول من جنسية إلى مهنة فتستخدم للتعبير عن العاملات المنزليات. أو يستعاض عن هذه التسمية بكلمة “البنت”، في أفضل الحالات وأقلها عنصرية، وهي كلمة تلغي الفروقات الفردية بين عاملة وأخرى وتضعهن جميعاً بإطار واحد مع ما تحمله الأنوثة من عبء جندري. وتعيد تعريف الأدوار الجندرية إذ نكاد لا نرى إطلاقاً “عمال منازل”، فاستخدام الكلمة غير مألوف لأن العمل المنزلي يلصق بالإناث أما الذكور من العمال فيعملون في المصانع أو تنظيف الشوارع أو البناء أو الاهتمام بالحديقة. أي أعمال “رجولية” تتطلب قوة جسدية. 

تعبر العمالة المنزلية عن مشكلات العمال ومشكلات النساء وثغرات نظام الكفالة اللامتناهية. كما أنها تلقي الضوء على العنصرية التي تواجهها هؤلاء الفتيات والطبقية التي تحدد مكانتهن الاجتماعية ونظرة الآخرين إليهن وتسليع عملهن ووهن القوانين بحماية النساء جميعاً. 

تشابك القضايا يعبر عما هو أعمق من لون بشرة أو جنسية، فهو يعبر عن نظرة دونية تجاه فئات تستضعفها الدولة لتخلق “الفردية اللبنانية” التي تسمح لنفسها بأن تقتات اقتصادياً واجتماعياً على استضعاف الآخرين وتأطيرهم/ن في قفص الأقل والأسوأ والأدنى كي يسمح لأبناء البلد باستضعافهم/ن ضمن أطر قانونية وأخلاقيات يبررها كونهم “أفضل”. 

ينتج عن ذلك ربط حقوق العاملات ببعض المنظمات لتدفع تذاكر سفر العاملة العائدة إلى النيبال حاملة بعض الثياب فقط بعد عمل مضنٍ لعشر سنوات.

إقرأوا أيضاً: