fbpx

مأساة الأوكرانيات: مناسبة لمواصلة الابتذال 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الثقافة السائدة لا تزال تقارب المرأة وموقعها بشكل دوني في فترة الحرب كما في السلم، فتبلغ الذكورية والاستهزاء حدّهما الأقصى أمام صورة لجنديّة تحمل السلاح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بيتي مفتوح للاجئات الأوكرانيات”، “كيف أقنع الأوكرانية بأنني باقٍ في بيتي الزوجي من أجل الأطفال”، أو “كيف لي أن لا أتضامن مع أوكرانيا”… 

عبارات مرفقة مع صُور نساء أوكرانيات، تنتشر على مواقع التواصل في خضم حربٍ لم تُعرف مآلاتها بعد. أبعد من ذلك، قد يتطوّر الأمر وينشر صحافي تقريراً يتناول فيه قضية تجنيد الروسيات والأوكرانيات في الجيش، فيقرّر أن يستهلّه بعبارةٍ كـ”هؤلاء نساء قرّرن خوض الحرب من دون الخوف من كسر أظافرهن”. يقولها مراسل بكلّ حزمٍ وجدّية في تقريرٍ تلفزيوني على إحدى الشاشات العربية. سياق مبتذل رافق أيضاً بعض الصحف، إذ نشرت صحيفة “الوفد” المصرية خبراً بعنوان “لا تتسرّع في الزواج سيكون هناك نازحات ولاجئات أوكرانيات قريباً”، في مقاربة بالغة الاسفاف في تناول حربٍ ذهب ضحيتها العشرات حتى الآن. 

في خضم الأزمة الروسية– الأوكرانية، انصبّ تركيز عدد يسير من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي على نساء البلدين وأجساهدن، تحوّل الفضاء الإلكتروني إلى مساحة لنشر نُكات سمجة ومبتذلة وتعابير ذكورية حول النساء، خصوصاً مع انتشار صور ومقاطع فيديو نُسبت إلى مجندات أوكرانيات أو  روسيات، علماً أن عدد المجنّدات الأوكرانيات بلغ 57 ألفاً من القوات المسلحة الأوكرانية، وفق تقرير نشرته “سي أن أن” في صيف 2021. إلا أن الثقافة السائدة لا تزال تقارب المرأة وموقعها بشكل دوني في فترة الحرب كما في السلم، فتبلغ الذكورية والاستهزاء حدّهما الأقصى أمام صورة لجنديّة تحمل السلاح. 

الأمر يُعيدنا إلى الصور النمطية التي يفرضها المجتمع على النساء وإلى الخانات الجاهزة التي تُقولب فيها أجساد النساء، لا سيما من خلال لباسهن. وهو ما طُرح في ندوةٍ بعنوان “إرشادات اللباس وتملّك الجسد”، أقامها معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت. 

في الندوة، تمت مناقشة قضية ملكية الجسد وكيفية تأثير إرشادات اللباس في قدرة النساء على التعبير عن أنفسهن. قد تبدو القضية ثانوية وفق البعض نسبةً إلى قضايا كبرى تعاني منها النساء، لا سيما في المجتمعات العربية. إلا أن تلك الإشكالية تعكس بشكلٍ مباشر نظرة المجتمع ومنطقه الذكوري حيال النساء وأجسادهن. تسليع المرأة من خلال ترويج صورة معينة لشكلها الخارجي هو أحد أشكال الذهنية التي كرست موقعاً دونياً للنساء. الأمر ينطبق تماماً على الصور النمطية للنساء في الحروب، إذ تُصوّر نساء أوكرانيا وروسيا على أنهن مُتحرّرات، فيما تُصوّر نساء سوريا على أنهن مُطيعات ومستعدّات للزواج من دون شروط. 

تقول الناشطة النسوية مايا الحلو إن “هذه الصور النمطية هي مسبّب رئيسي للتحرش والعنف ضد النساء”. فالصورة النمطية للنساء في الإعلانات تُختصر بالإثارة والإغراء، ولكن في الواقع، “يتم التحرّش بالفتاة التي تخرج بلباسٍ مشابه لما يظهر في الإعلانات، وهو ما يعكس التناقض بين الصورة النمطيّة والواقع”. 

وفق دراسة أعدّتها منظمة “أوكسفام” في المغرب، تبيّن أن 75 في المئة في الرجال الذين شملتهم العيّنة “لن يتدخّلوا لحماية امرأة ترتدي لباساً غير محتشم في حال تعرّضت للتحرّش”. كما أظهرت الدراسة أن رجال الشرطة يعتمدون على المظهر الخارجي للنساء المتقدّمات بشكاوى تحرّش، وهم “لا يعطون أهمية للشكاوى المقدّمة من نساء يظهرن بلباسٍ معيّن”. 

إقرأوا أيضاً:

تؤكّد مديرة المشاريع في منظمة “مرسى” للصحة الجنسية سارة أبو زكي أن لإرشادات اللباس علاقة مباشرة بالتحرّش والعنف ضد النساء. فوفق سارة، لا تزال قضية فرض لباس معيّن على الطبيبات والمختصّات بتقديم الإرشادات الجنسية في المركز أمراً شائكاً في المؤسسة. “نحن لا نرغب قطعاً بفرض زيّ معيّن وإقصاء رغبة النساء بما يردن ارتداءه، ولكننا نريد أن نحمي العاملات معنا من أي شكلٍ من أشكال العنف الذي يمكن أن يواجهنه أثناء عملهن، ولكن إلى الآن لا يزال هذا الجدل قائماً ولم نتخذ قراراً حاسماً بشأنه”، تُضيف سارة.    

ليس اللباس المتحرّر هو الدافع الوحيد لتنميط صورة النساء وفرزهن اجتماعياً، إذ قد يكون الحجاب أيضاً محفّزاً لوضع النساء في قوالب نمطية في كثير من الأحيان، كما قد يُعرّضهن للوصمة. 

تروي الناشطة فاطمة عمرو تجربتها مع الحجاب فبحسبها ينظر البعض إلى المرأة المحجّبة على أنها مضّطهدة وخاضعة لسلطةٍ أبوية، فيُقصيها عن المجتمع. فيما يفرض جزء آخر قيوداً معيّنة عليها، فيُمنع عليها اجتماعياً السهر مثلاً أو الرقص أو ممارسة أنواع معيّنة من الرياضة. وكل ذلك يعتبر بشكلٍ أو آخر، نوعاً من أنواع العنف الاجتماعي ضد المحجّبات.

على صعيدٍ موازٍ، قد يصل تنميط المحجبات إلى حرمانهن فرص عملٍ بسبب مظهرهن الخارجي. وهو ما تكرّر في قصصٍ كثيرة في لبنان، آخرها قصة الشابة زينب، التي طردت من مكان عملها في مجمّع ABC التجاري بسبب حجابها، بذريعة منع المظاهر الدينية في المجمّع.

ملابس النساء ومظهرهن قضية لها تفسيرات تاريخية ثقافية تقليدية، متشددة حيناً ومتحررة حيناً آخر، وهو نقاش لن يطوى سريعاً لكن نحتاج أن نثابر على طرحه للخروج من مقاربة أجساد النساء بوصفها ملكاً عاماً لنعيد النقاش إلى حق المرأة، أي امرأة، بامتلاك جسدها…

إقرأوا أيضاً:

نورهان شرف الدين - صحافية لبنانية | 24.05.2024

إختبار تاريخيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة: هل اعتقال نتانياهو ممنوع!

ترفض إسرائيل صدور مذكرات توقيف بحق مسؤولين فيها، معتبرة أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك اختصاصاً في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. كما تتبنى الولايات المتحدة الموقف نفسه، علماً أن الدولتين لم تنضما إلى الدول الأعضاء في محكمة العدل، شأنها شأن روسيا والصين وإيران. 
02.03.2022
زمن القراءة: 4 minutes

الثقافة السائدة لا تزال تقارب المرأة وموقعها بشكل دوني في فترة الحرب كما في السلم، فتبلغ الذكورية والاستهزاء حدّهما الأقصى أمام صورة لجنديّة تحمل السلاح.

“بيتي مفتوح للاجئات الأوكرانيات”، “كيف أقنع الأوكرانية بأنني باقٍ في بيتي الزوجي من أجل الأطفال”، أو “كيف لي أن لا أتضامن مع أوكرانيا”… 

عبارات مرفقة مع صُور نساء أوكرانيات، تنتشر على مواقع التواصل في خضم حربٍ لم تُعرف مآلاتها بعد. أبعد من ذلك، قد يتطوّر الأمر وينشر صحافي تقريراً يتناول فيه قضية تجنيد الروسيات والأوكرانيات في الجيش، فيقرّر أن يستهلّه بعبارةٍ كـ”هؤلاء نساء قرّرن خوض الحرب من دون الخوف من كسر أظافرهن”. يقولها مراسل بكلّ حزمٍ وجدّية في تقريرٍ تلفزيوني على إحدى الشاشات العربية. سياق مبتذل رافق أيضاً بعض الصحف، إذ نشرت صحيفة “الوفد” المصرية خبراً بعنوان “لا تتسرّع في الزواج سيكون هناك نازحات ولاجئات أوكرانيات قريباً”، في مقاربة بالغة الاسفاف في تناول حربٍ ذهب ضحيتها العشرات حتى الآن. 

في خضم الأزمة الروسية– الأوكرانية، انصبّ تركيز عدد يسير من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي على نساء البلدين وأجساهدن، تحوّل الفضاء الإلكتروني إلى مساحة لنشر نُكات سمجة ومبتذلة وتعابير ذكورية حول النساء، خصوصاً مع انتشار صور ومقاطع فيديو نُسبت إلى مجندات أوكرانيات أو  روسيات، علماً أن عدد المجنّدات الأوكرانيات بلغ 57 ألفاً من القوات المسلحة الأوكرانية، وفق تقرير نشرته “سي أن أن” في صيف 2021. إلا أن الثقافة السائدة لا تزال تقارب المرأة وموقعها بشكل دوني في فترة الحرب كما في السلم، فتبلغ الذكورية والاستهزاء حدّهما الأقصى أمام صورة لجنديّة تحمل السلاح. 

الأمر يُعيدنا إلى الصور النمطية التي يفرضها المجتمع على النساء وإلى الخانات الجاهزة التي تُقولب فيها أجساد النساء، لا سيما من خلال لباسهن. وهو ما طُرح في ندوةٍ بعنوان “إرشادات اللباس وتملّك الجسد”، أقامها معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت. 

في الندوة، تمت مناقشة قضية ملكية الجسد وكيفية تأثير إرشادات اللباس في قدرة النساء على التعبير عن أنفسهن. قد تبدو القضية ثانوية وفق البعض نسبةً إلى قضايا كبرى تعاني منها النساء، لا سيما في المجتمعات العربية. إلا أن تلك الإشكالية تعكس بشكلٍ مباشر نظرة المجتمع ومنطقه الذكوري حيال النساء وأجسادهن. تسليع المرأة من خلال ترويج صورة معينة لشكلها الخارجي هو أحد أشكال الذهنية التي كرست موقعاً دونياً للنساء. الأمر ينطبق تماماً على الصور النمطية للنساء في الحروب، إذ تُصوّر نساء أوكرانيا وروسيا على أنهن مُتحرّرات، فيما تُصوّر نساء سوريا على أنهن مُطيعات ومستعدّات للزواج من دون شروط. 

تقول الناشطة النسوية مايا الحلو إن “هذه الصور النمطية هي مسبّب رئيسي للتحرش والعنف ضد النساء”. فالصورة النمطية للنساء في الإعلانات تُختصر بالإثارة والإغراء، ولكن في الواقع، “يتم التحرّش بالفتاة التي تخرج بلباسٍ مشابه لما يظهر في الإعلانات، وهو ما يعكس التناقض بين الصورة النمطيّة والواقع”. 

وفق دراسة أعدّتها منظمة “أوكسفام” في المغرب، تبيّن أن 75 في المئة في الرجال الذين شملتهم العيّنة “لن يتدخّلوا لحماية امرأة ترتدي لباساً غير محتشم في حال تعرّضت للتحرّش”. كما أظهرت الدراسة أن رجال الشرطة يعتمدون على المظهر الخارجي للنساء المتقدّمات بشكاوى تحرّش، وهم “لا يعطون أهمية للشكاوى المقدّمة من نساء يظهرن بلباسٍ معيّن”. 

إقرأوا أيضاً:

تؤكّد مديرة المشاريع في منظمة “مرسى” للصحة الجنسية سارة أبو زكي أن لإرشادات اللباس علاقة مباشرة بالتحرّش والعنف ضد النساء. فوفق سارة، لا تزال قضية فرض لباس معيّن على الطبيبات والمختصّات بتقديم الإرشادات الجنسية في المركز أمراً شائكاً في المؤسسة. “نحن لا نرغب قطعاً بفرض زيّ معيّن وإقصاء رغبة النساء بما يردن ارتداءه، ولكننا نريد أن نحمي العاملات معنا من أي شكلٍ من أشكال العنف الذي يمكن أن يواجهنه أثناء عملهن، ولكن إلى الآن لا يزال هذا الجدل قائماً ولم نتخذ قراراً حاسماً بشأنه”، تُضيف سارة.    

ليس اللباس المتحرّر هو الدافع الوحيد لتنميط صورة النساء وفرزهن اجتماعياً، إذ قد يكون الحجاب أيضاً محفّزاً لوضع النساء في قوالب نمطية في كثير من الأحيان، كما قد يُعرّضهن للوصمة. 

تروي الناشطة فاطمة عمرو تجربتها مع الحجاب فبحسبها ينظر البعض إلى المرأة المحجّبة على أنها مضّطهدة وخاضعة لسلطةٍ أبوية، فيُقصيها عن المجتمع. فيما يفرض جزء آخر قيوداً معيّنة عليها، فيُمنع عليها اجتماعياً السهر مثلاً أو الرقص أو ممارسة أنواع معيّنة من الرياضة. وكل ذلك يعتبر بشكلٍ أو آخر، نوعاً من أنواع العنف الاجتماعي ضد المحجّبات.

على صعيدٍ موازٍ، قد يصل تنميط المحجبات إلى حرمانهن فرص عملٍ بسبب مظهرهن الخارجي. وهو ما تكرّر في قصصٍ كثيرة في لبنان، آخرها قصة الشابة زينب، التي طردت من مكان عملها في مجمّع ABC التجاري بسبب حجابها، بذريعة منع المظاهر الدينية في المجمّع.

ملابس النساء ومظهرهن قضية لها تفسيرات تاريخية ثقافية تقليدية، متشددة حيناً ومتحررة حيناً آخر، وهو نقاش لن يطوى سريعاً لكن نحتاج أن نثابر على طرحه للخروج من مقاربة أجساد النساء بوصفها ملكاً عاماً لنعيد النقاش إلى حق المرأة، أي امرأة، بامتلاك جسدها…

إقرأوا أيضاً:

02.03.2022
زمن القراءة: 4 minutes
آخر القصص
“مفاتيح دبي”: استثمار الجزائريين في الإمارة لم يوقفه توتّر العلاقات بين البلدين
الياس حلاس - مدير نشر جريدة "توالى" الإلكترونية الجزائرية | 24.05.2024
“مفاتيح دبي”: كيف تُغسل الأموال عبر العقارات؟ 
هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 23.05.2024

اشترك بنشرتنا البريدية