fbpx

الصورة قبل البندقية في بروباغندا “حزب الله” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في مناطق هيمنة “حزب الله” و”حركة أمل”، تعمل الصور المعلقة على إقصاء الآخر المختلف، تفرض نفسها كتعبير وحيد عن المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وعن جميع أبنائها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يكفي أن تعلق حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” (ممفد) لافتة واحدة تتعلق بشعاراتها الانتخابية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليستنفر عسس “حزب الله” ضد ما يعتبرونه اعتداءً على مناطق نفوذه ولتتم إزالة تلك اللافتات سريعاً. 

لم توجه اللافتة خطاباً مناهضاً للحزب، إنما استعانت بكلمات أمينه العام، حسن نصرالله، وطرحت سؤالاً: “ترشيح مروان خير الدين … أليس الفاسد كالعميل؟”. سؤال أصاب واحدة من سقطات “حزب الله” الكثيرة قبيل الانتخابات المقررة بعد نحو شهرين، إذ يفضح التناقض بين خطابات نصرالله وما أعلنه من مواقف من الفاسدين وبين العمل على إنجاح حلفائه في الانتخابات النيابية، من بينهم خير الدين، المصرفي المتهم بحجز أموال مودعين وسرقتها. 

هو سؤال يدعو جمهور “حزب الله” إلى التفكير انطلاقاً من خطابات نصرالله نفسه. برغم ذلك تعامل موالون للحزب مع اللافتة المعلقة كخرق أمني يستدعي رد اعتبار. سارع ناشطوه على مواقع التواصل الاجتماعي للتهجم على “ممفد” واتهامه بتعمد التصويب على “حزب الله” دون سواه، رغم أن الحركة قامت بالأمر نفسه في مناطق تهيمن عليها أحزاب أخرى ولم يستدع الأمر استنفاراً مماثلاً. 

تؤكد الحادثة، مرة جديدة، حرص حزب الله على فرض سطوته البصرية وهيمنته الكاملة على المشهد العام في الشوارع والأحياء، ومغالاته في احتكار الصور والشعارات التي ترفع في مناطق سيطرته وفرضه رقابة مشددة على كل ما ينشر.

صور وشعارات في خدمة الولي الفقيه

على طريق المطار يستبدل “حزب الله” ملصقاته وصوره بأخرى تواكب الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في 15 أيار/ مايو المقبل في لبنان. تستبدل الكثير من صور قاسم سليماني وغيره من القادة بملصقات تحمل شعار “باقون نحمي ونبني”. عنوان اختاره الحزب لحملته الانتخابية بعدما أضاف كلمة باقون على الشعار الذي استخدمه خلال انتخابات عام 2018. إضافة إلى الشعار وتوازياً ومع الخطابات التي تدعو إلى انتخاب مرشحي “حزب الله” كفرض ديني وبانتظار تكليف شرعيّ بدأت تنتشر على مواقع التواصل صور قتلى الحزب لاستثمارها في الحملات الانتخابية مرفقة بجملة “صوتي صوت شهيد”.

يبرع “حزب الله” منذ بداياته في استخدام الصور والفيديوات وتوظيفها في خدمة مشروعه. يدرك جيداً كيف يستعملها في نشر سردياته ورواياته للأحداث، في إشباع حاجات جمهوره، وفي رسائله إلى خصومه وأعدائه في الداخل اللبناني وفي الخارج أحياناً. 

 يفاخر الحزب عبر مؤسساته الإعلامية بإعلامه الحربي ودعاياته وأطقمه الإعلامية التي لا تفارق مقاتليه. ووفق “المنار”، تلفزيون “حزب الله”، لعب عماد مغنية، المعاون السابق لأمين عام الحزب حسن نصرالله، ومصطفى بدرالدين دوراً مهماً في تأسيس الإعلام الحربي للحزب إدراكاً منهما لأهميته. بعد اغتيالهما في سوريا صار الاثنان، وتحديداً مغنية، موضوع صورة نشرها الحزب. فبعد اغتياله استخدم الحزب الصورة لتعريف جمهوره إلى القائد الذي بقي متخفياً. وبرغم دور مغنية المهم، غير أنه لم يحظ بالتكريم الذي حظي به قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني السابق، قاسم سليماني. لقد تعمد “حزب الله” نشر صور القائد العسكري الإيراني بكثافة على طريق مطار بيروت الدولي وأقام له نصباً في قلب الضاحية ومجسماً على الحدود الجنوبية.

للطفرة في صور سليماني، والتي انتشرت بكثافة منذ مقتله، وظائف عدة. فإضافة إلى الجانب العاطفي والعلاقة التي تجمع سليماني بنصرالله، هدفت الصور لتقديس زعيم فيلق القدس وتأكيد وحدة الانتماء معه والقول إن اغتياله لم يلحق ضرراً أو هزيمة بمحوره. لذا لم يكن مستغرباً أن ينقض مناصر لـ”حزب الله” على من تجرأ على المس، ولو رمزياً، بصورة سليماني في معرض الكتاب في بيروت، وأن يعتبر إعلامه قيام شاب أعزل بمحاولة تحطيم صورة، بمثابة “غزوة فاشية” والرد عليه بالضرب المبرح. 

للصورة لدى “حزب الله” أهمية توازي سلاحه الحربي. فما كان للسلاح أن يكون بهذه القوة لولا قوة الصورة المرافقة له. 

نشأ “حزب الله” على دعائم عدة من بينها الصورة. وظفها في تقديس الأشخاص والسلاح، في تضخيم أفعاله وإنجازاته وفي إنتاج فائض القوة لدى عناصره وجمهوره وفي ربط هذا الجمهور عاطفياً بقادته الإيرانيين. 

منذ تأسس “حزب الله” في الثمانينات والكاميرا رفيقة البندقية، بل وتكاد تفوقها اهتماماً. استخدمت الكاميرا لتوثق فعل البندقية وتمنحها هالة. في وقت لم يحمل المقاومون الذين سبقوا “حزب الله” إلى قتال إسرائيل الكاميرات فصارت إنجازاتهم عرضة للتعتيم .

بداية أدرك أهمية الصورة للإعلان عن نفسه لاعباً فاعلاً على أرض المعركة، ومن ثم كسب تأييد الناس وكذلك إرعاب العدو. مع الوقت توسعت مساحة استخدام الصورة مع توسع دور الحزب في السياسة الداخلية ورقعة انتشاره خارج الحدود اللبنانية. استخدمت الصورة مع الخصم والحليف، مع الجمهور المتردد، في التعبئة للحرب السورية وصولاً إلى استثمارها في الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان. ولا تزال الصورة أداةً لترسيم مناطق نفوذ الحزب ومؤشراً لتمدده.

إقرأوا أيضاً:

تحضير الصورة

يعتمد “حزب الله” أساليب بروباغاندا شبيهة بتلك التي اشتهرت في الولايات المتحدة الأميركية أو اعتمدها الجيش الأميركي. وربما قد يصح تشبيه بعض أساليبه بأساليب إدوارد بيرنيز الذي استند إلى علم النفس وتحليلات سيغموند فرويد وغيره في دعاياته الموجهة للجمهور. 

عبر صوره وشرائطه المصورة يخاطب الحزب مشاعر الجماهير: يحفز الخوف لديها، يطمئنها، يدغدغ مشاعرها الدينية، يحرك شعورها بالذنب لتخلفها عن نصرة الحسين. 

من بين الأساليب التي يمكن تشبيهها بأساليب بيرنيز، سياسة افتعال حدث ما لتتبعه تغطية إعلامية بهدف الحصول على صورة يتم تعميمها واستخدامها للتسويق لفكرة ما جهزها الحزب وحاول الترويج لها. هذا ما حصل في موضوع قافلة صهاريج المازوت التي استوردها الحزب من إيران. مهد الحزب للحدث الذي أراد تضخيمه عبر خطابات أمينه العام، سوق له ومن ثم دعا الإعلام إلى تصويره. فكانت صورة صهاريج المازوت الإيراني يستقبل بالقذائف والأرز، ومن ثم نشرت صوراً متفرقة لتوزيعه. عمم الحزب روايته عن “كسر الحصار الأميركي” الذي زعمه واستثمر الحدث بين جمهوره. أما على أرض الواقع فظلت الأزمة قائمة، واستمرت معاناة هذا الجمهور للحصول على المازوت والبنزين، وتضاعفت أسعار هذه المواد بشكل كبير.

محطات عدة برزت فيها صورة اختارها الحزب وأحسن إخراجها ليوصل رسالته عبرها. بالعودة إلى بداياته، أولى الحزب أهمية كبيرة للصورة والرايات، بدا وكأنه كان يفكر بالمشهد الذي ستلتقطه كاميراته قبل تنفيذ عملياته العسكرية وقبل اقتحام مواقع احتلتها إسرائيل جنوب لبنان. 

من أبرز المشاهد التي لا تزال عالقة في الأذهان مشهد اقتحام موقع سجد عام 1986 وزرع راية الحزب في موقع الدبشة عام 1994. تؤكد مشاهد العمليتين أهمية الصورة في أسر الجمهور، وتظهر الحادثتان أن الهدف من الاقتحام لم يكن القتال وحسب، فقد خاطر الحزب بأرواح عناصر يحملون الرايات والكاميرات لتوثيق اللحظة وإنتاج الصور لتوثيق معاركه وتوظيفها لاحقاً في أمور عدة، كبث الحمية في صفوف الشباب الشيعي الذي أراد ضمه لصفوفه، وضرب معنويات الجنود الإسرائيليين وغيرها…  وأدت الصورة المطلوب منها مع مرور الوقت وتكرار المشاهد المشابهة. وساهمت في نجاح “حزب الله” في كسب تأييد الجنوبيين باعتباره مقاوماً لإسرائيل بعدما كان يحظى بعداء معظمهم بداية وخصوصاً أبناء “حركة أمل”، والتي وصف رئيسها في حينها مؤسسي الحزب بالخوارج كونهم خرجوا من تنظيمه وانقلبوا عليه.

صناعة إيرانية

في كتابها “ملامح النزاع”، والذي يتحدث عن الملصقات التي استخدمتها الأحزاب خلال فترة الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، تناولت الأستاذة المتخصصة في السياسات البصرية، زينة معاصيري، ملصقات “حزب الله” خلال نشأته في تلك الفترة. تقول معاصيري إن “الملصق الإيراني كان الأكثر تأثيراً على حزب الله لأنه يصبغ النضال المناهض للإمبريالية بخطاب سياسي- ديني ملائم للحزب ومألوف لجماعته الشيعية، إذ تتقاسم مع إيران تاريخاً من الممارسات الدينية والثقافية وتمثيلات رمزية تتصل بالمذهب الشيعي. إذ إن الخطاب الديني- السياسي الشيعي المشترك، الذي تمأسس خلال إقامة جمهورية إيران الإسلامية سهل نقل جماليات الملصقات الإيرانية وتداعياتها البصرية وأعاد تكييفها ضمن السياق اللبناني… وكانت نماذج الفن السياسي الإيراني المعاصرة من بين الموارد والدعم الذي زودت به إيران الحزب”. وتضيف أن أعضاء مكتب إعلام “حزب الله” تلقوا تدريبهم على المهارات الفنية وأساليب تصميم الملصق على يد فنانين إيرانيين أتوا إلى لبنان وأقاموا ورشات عمل في مرحلة مبكرة من تأسيس الحزب، كما صمموا بعض ملصقاته الأولى بين العامين 1983 و1985، “من ضمنها شعار حزب الله المصمم استناداً إلى شعار الحرس الثوري”.

خلال تلك الفترة انتشرت صور تبجيل قتلى الحزب. ترافقت صورة القتيل مع سرديات مفعمة بالقداسة الدينية لحث الشباب على الجهاد. وأحيطت صور القتلى بخلفيات “خيالية مشتقة من مخزون المتخيل الديني في ميثولوجيا الشيعة وتاريخهم”، وفق معاصيري. 

إذاً، انطلقت ملصقات الحزب بمضمون ودعم إيرانيين، ولم تكن تتناول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب كشأن لبناني أو عربي، إنما كقضية إسلامية.

منذ ذلك الحين بدأت تنتشر صور الحزب مستوحاة من خطب قائده المرجع الإيراني روح الله الخميني. مع توسع نفوذ الحزب بدأت تتوسع رقعة انتشار صوره وملصقاته حتى باتت اليوم تهيمن على معظم المشهد في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، خصوصاً بعد تراجع نفوذ وسلطة “حركة أمل”. الحركة التي أسسها رجل الدين الشيعي موسى الصدر وكانت تعتبر ممثلاً للطائفة الشيعية قبل ظهور “حزب الله”.

في مناطق هيمنة “حزب الله” و”حركة أمل”، تعمل الصور المعلقة على إقصاء الآخر المختلف، تفرض نفسها كتعبير وحيد عن المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وعن جميع أبنائها. 

يمنع من لا يوالون الحزب من رفع صورهم أو ملصقاتهم والتعبير عن أنفسهم بما يخالف إرادة الثنائي. فلا شعار ولا صورة ترفع إلا تلك التي تعود للأقوى. في هذا المنع عدم اعتراف بحق الآخر بالوجود وإن عبر فكرة أو ملصق. تصبح للصور المرفوعة هالة وتفرض سلطة معنوية على المختلف في محيطها. أما الاحتجاج عليها ولو رمزياً فيعني تمرداً على من رفعها يقابله قمع وأذى جسدي، فقد أدت خلافات كثيرة على رفع الصور إلى سقوط جرحى وقتلى.

خلال حرب تموز

خلال حرب تموز عام 2006، استخدم “حزب الله” الصورة لرفع معنويات سكان المناطق المستهدفة بالقصف الإسرائيلي، وللضغط على الداخل الإسرائيلي وتحطيم معنويات جنوده، لما كان لذلك من تأثير على سياق الحرب والمفاوضات التي ترافقت معها.

أحسن الحزب إخراج مشهد قصف البارجة الحربية الإسرائيلية ساعر. وقّت الحدث مع خطاب أمينه العام الذي أعطى الإشارة لقصفها خلال كلامه بينما كانت كاميراته تترقب الحدث. بعدها لم يعد يهم عدد القتلى الذين سقطوا أو حجم الضرر الذي لحق بالبارجة بقدر الفعل نفسه وطريقة تقديمه للجمهور الذي كان يعيش لحظات الخوف والدمار، قبل أن يشعر بتسجيل انتصار على عدوه. أدت تلك اللقطات المصورة وظيفتها ورسالتها بالقول إن نصرالله صادق الوعد. هي عبارة ما زالت تتردد لكن بمعنيين متناقضين. مرة على لسان جمهور “حزب الله” الذي ما زال يؤيده، وأخرى يستخدمها في سبيل التهكم ممن يعتبر أن نصرالله قد نكس وعده بمكافحة الفساد وغيره.

أيضاً، وقبل الإعلان عن وقف إطلاق النار بينه وبين إسرائيل، في 4 آب/ أغسطس 2006، جهز “حزب الله” الملصقات التي تحتفي بما اعتبره انتصاراً، وزعها على النازحين في أماكن نزوحهم ليرفعوها قبل عودتهم إلى قراهم ومنازلهم، وكأنه تخيل المشهد الذي أراد لعدسات الكاميرات أن تلتقطه. مشهد النازحين وهم يعودون إلى بيوتهم وقراهم رافعين صور نصرالله مرفقة بعبارة “نصر من الله”.

صورة الحزب في الحرب السورية

خلال السنوات اللاحقة توسعت استخدامات الصورة لم تعد تركز على إسرائيل بالقدر نفسه. بات “تحرير القدس” يمر في زواريب البلاد العربية. انتقلت الكاميرا مع البندقية إلى أماكن عدة في الداخل اللبناني والخارج العربي. تنوعت وظائف الصور والجمهور المستهدف. خلال الحرب السورية أراد الحزب حث مقاتليه على القتال في سوريا وحث ذويهم على تشجعيهم على ذلك. نشر الصور التي تمجد القتلى وتربطهم بالأئمة. أراد منها أن يحول الموت قتلاً في سوريا “دفاعاً عن مقام السيدة زينب” إلى موضع تفاخر لدى الشباب الشيعي. فازدحمت الشوارع بصور القتلى التي راحت تتكاثر، وبهتت ألوانها مع إهمالها مع السنوات. أريد من تلك الصور في الأحياء مخاطبة سكانها لتجنيد مزيد من المقاتلين عبر تشجيعهم على التمثل بالقتيل بإظهاره كمن يسمو عليهم. ترافقت الصور مع خطاب وعبارات التفاخر ودعوة المزيد من الشبان للانضمام إلى القافلة التي نسبت لأئمة الشيعة، وللمضي في النهج ذاته. 

تكشف قناة “المنار” بنفسها تفاصيل عن عمل إعلام “حزب الله” خلال تلك الفترة وكيف “طور من أساليبه الدعائية”، وواكب الحرب في سوريا. لقد رافقت كاميراته أرتال الدبابات وبطاريات المدفعية والطائرات المسيرة ووضعت على خوذ عناصر قوات الاقتحام حتى يصبح الاعلام الحربي مصدراً يمد محطات عربية ودولية بشرائط مصورة عن العمليات، وفق “المنار”. وتحكي القناة كيف أنتجت الفيديوات خلال حرب جرود عرسال في غرف عمليات “يديرها جهاز متخصص على أعلى المستويات”، ويضم أشخاصاً كانوا قد أشرفوا على تصوير عمليات اقتحام المواقع الإسرائيلية. تقول قناة الحزب لإنه اعتمد تكتيك نظرية احتلال الشاشات الذي أرساه الجيش الأميركي في حرب الخليج، وأن الحزب فلتر المادة الإعلامية التي بثها عبر الصحافيين الذين اختارهم لمرافقة قواته العسكرية في مسرح العمليات.

في معلولا أراد الحزب توجيه رسالة إلى المسيحيين ونشر روايته بأنه من يحمي وجودهم، فراجت صور مقاتلين يؤدون التحية إلى تمثال السيدة العذراء. إلى اليوم يتم الاستثمار سياسياً بهذه الصور، لا سيما في السجالات بين جمهوره وجمهور حليفه المسيحي، أي “التيار الوطني الحر”.

عند الإعلان عن عملية “فجر الجرود” وإخراج “داعش” من جرود عرسال بالباصات الخضر، تعمد الإعلام الحربي نشر صورة أراد أن يختصر بها روايته. نشر صورة تظهر شعار “حزب الله” واضحاً على كتف أحد مقاتليه وهو ينظر باتجاه فرقة من الجيش اللبناني تنتشر في المنطقة. تقول الصورة إن الحزب هو من قاد العمليات العسكرية وحرر الجرود والجيش اللبناني انتشر بإشرافه وبإمرته وبحمايته. صورة الجيش الضعيف العاجز من دون الحزب هي الصورة التي يحاول الحزب أن يستثمر بها دوماً، ويستخدمها ليواجه بها كل من يطالبه بتسليم سلاحه إلى الجيش وكذلك ليقنع جمهوره أن لا بديل عن سلاحه.

خلال الأزمة الاقتصادية

أثّر الانهيار المالي الذي بدأ يشهده لبنان منذ عام 2019 بصورة الحزب وباستخدامه الصورة. إضافة إلى صورة الصهاريج التي ذكرناها بداية، وفي محاولة لامتصاص غضب جمهوره جراء تدهور الأوضاع المعيشية راح الحزب يستخدم صور صناديق “الإعاشات” والمساعدات الغذائية التي يقدمها في محاولة لملمة التململ الذي كان يتصاعد في المناطق التي يهيمن عليها. مع ارتفاع الأصوات التي تتهم الحزب وعناصره بعدم الاكتراث بغيرهم لأنهم يقبضون بالدولار الطازج ومع صرخة “يا سيد جعنا” حاول الحزب امتصاص النقمة. استبدلت صورة مقاتليه المصطفين داخل مجمع سيد الشهداء بصورة غالونات الزيت وأكياس المواد الغذائية المصطفة أمام صورة لنصرالله. أراد الحزب من هذه الصورة طمأنة الجمهور الخائف من الجوع وكذلك رشوته كي لا ينتفض عليه. ترافقت صور المساعدات الغذائية مع حملة إطلاق “بطاقة السجاد” التي تسمح لحاملها بشراء بضائع من متاجر مخصصة لذلك بأسعار أرخص من تلك الموجودة في المتاجر العادية.

إقرأوا أيضاً:

الوجه الحقيقي

تخفي الصور المفتعلة والمعدلة والمتلاعب بها حقيقة “حزب الله” ومقاتليه وجمهوره. لا تظهر سوى ما يريد الحزب إظهاره، وهو أمر عادي تقوم به كل الجهات. لكن وفي أحداث عدة فقد الحزب سيطرته الكاملة على ساحة الحدث ولم يتمكن من احتكار الصورة والتحكم بما ينشر، فظهرت جوانب إنسانية من مقاتليه لطالما حاول إخفاءها كي لا تطيح بالأساطير التي حاول ترسيخها عبر صوره التي اشتغل تفاصيلها بعناية.

في آب 2021 ضبط عدد من أهالي بلدة شويا قضاء حاصبيا جنوب لبنان راجمة صواريخ لـ”حزب الله” وصوّر أحدهم مشاهد من تلك اللحظات حيث بدا الخوف والإرباك على وجه أحد عناصر “حزب الله”. كذلك بدت الراجمة مختلفة عن تلك المموهة التي اعتاد الحزب تصويرها تطلق الصواريخ. سارع جمهور الحزب الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي لإنكار ملامح الخوف على وجه المقاتل معتبرين أنها نظرات استغراب لا خوف. 

في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، خرجت صورة أخرى لأحد مقاتلي الحزب، صورة المقاتل غير المحترف. خلال نقل التلفزيون العربي للاشتباكات التي وقعت في منطقة الطيونة وثقت كاميرات النقل المباشر مشهد مقتل عنصر في “حزب الله” بعدما تقدم ليطلق قذيفة صاروخية باتجاه أحد المباني السكنية المقابلة له، فما كان من أحد الموجودين في المبنى سوى أن مد مسدسه باتجاهه وأرداه. للوهلة الأولى ظن من رأى المشهد أنه أحد عناصر “أمل”، نظراً لما أظهره من اندفاع غير مدروس وقلة خبرة. ليتبين لاحقاً أنه أحد مقاتلي الحزب الذين قاتلوا في سوريا.

أظهرت هاتان الصورتان جانباً لم يرد الحزب أن يظهره لدى مقاتليه، الخوف وقلة الحرفية. هذه المشاهد حاول محوها بخطابات تؤكد الاستعداد والقوة وبشرائط مصورة تظهر كفاءة الحزب في القتال على الثلج.

في مقارنة بين الصور التي ينتجها الحزب وتلك التي تسترق من الأحداث، يظهر أن قوة صورة “حزب الله” تكمن بقدرته وحده على إنتاجها، بالتالي القدرة على التحكم بما ينشر عنه. بالمقابل تظهر قدرة الصورة المشغولة ببراعة على صناعة القوة. هي علاقة تظهر كيف تغذي الصورة القوة، وتظهر كيف أن الحرص على الصورة هو حرص على ما تمثله من قوة وسلطة قد تهتز لدى المس بها.

إقرأوا أيضاً: